سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

فضل الكرد في ازدهار حضارة مدينة حلب

برادوست ميتاني_

بعض أعلام الكرد في حلب
استقطبت مدينة حلب وغيرها من المدن في العهد العثماني علماء الكرد من سائر المدن والبلدات الكردية، لعدم قدرة العديد من المدن الكردية عن منافسة كبريات الحواضر الإسلامية كحلب، وبغداد، والقاهرة، ودمشق، وإستانبول، بالرغم من ازدهارها بشكل ملحوظ في تلك الفترة كبدليس والعمادية والجزيرة، وكمؤشر على نمو المدينة الكردية كان ظهور بعض الأعلام الكرد الذين عرفوا بأسماء مدنهم، وليس بانتماءاتهم القبلية وقد بقيت هذه المدن تزّود الحواضر الإسلامية الأخرى خارج كردستان بالعلماء والمدرسين.
ورد ذكر أسماء عشرات من العلماء الكرد في كتاب (در الحبب في تاريخ أعيان حلب)، لابن الحنبلي (1502ـ 1563م) الذين جاؤوا إلى حلب من شتى مناطق سكنى الكرد، أو ولدوا فيها. كما ترجم لأعلام الكرد في مدينة حلب “محمد راغب الطباخ الحلبي 1877ـ 1951م” في كتابه (أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء)، ومن مشاهير علماء الكرد الذين ذكرهم الحلبي في كتابه هذا: العالم الكردي القاضي أحمد أفندي بن طه زاده واقف المدرسة الأحمدية المشهور بالجلبي.
فمن هو القاضي؟
ولد أحمد أفندي في مدينة حلب سنة (1110هـ ـ 1698م) على وجه التقريب، وتولى نقابة الأشراف سنة (1147 هـ ـ 1734م)، كما تولى القضاء في القدس وبغداد، وبقي في قضاء بغداد إلى أواخر سنة (1164هـ 1750م ). وفي سنة (1165هـ 1751م) عاد منها إلى وطنه حلب، فشرع في بناء مدرسته في محلة الجلوم، زقاق الجلبي، شرقي جامع البهرمية، وسماها “الأحمدية” في سنة (1751م) ووقف فيها ما اقتناه من الكتب النفيسة والآلات النادرة، وبلغت كتبه ثلاثة آلاف مجلد، منها عدة مجلدات بخط يده الحسن.
لقد اشترط أن يكون طلاب المدرسة الأحمدية ومعلموها من الكرد فقط، وصرح في كتاب وقفه (إن الكتب الموقوفة لا تخرج من حجرة الكتب ولا من المدرسة لأحد، إلا بإعارة للقراءة والاستنساخ، ولا غير ذلك بوجه من الوجوه مطلقاً، وكل من أراد المراجعة والاستنساخ من الكتب المذكورة، فليأت في الأيام الأربعة المعينة لفتح حجرة الكتب، وهي يوم الأحد والاثنين والأربعاء والخميس.)، واشترط واقف المدرسة أن يكون للمدرسة (مدرس عالم متمم لجميع مواد العلوم العقلية والنقلية، ويكون من صلحاء كرد ما وراء الموصل من سنجق كوي أو سنجق بابان أو من صوران أو من غيرهم)، وقد عين الواقف الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عمر الكردي من سنجق كوي، وإذا انحل التدريس يوجه المتولي لمن يوجد في المدرسة من الكرد المذكورين، وإن لم يوجد في المدرسة المرموقة من الكرد، يوجه التدريس لمن يوجد من الكرد المذكورين في البلدة، وإن لم يوجد ينيب المتولي أحداً في خدمة التدريس المذكور بالوظيفة إلى أن يقدم إلى البلدة من علماء الكرد من هو بهذه الصفات. كما اشترط أن يكون سكان حجر المدرسة العشرة من كرد ما وراء الموصل وسنجق بابان وغيرهم من كرد تلك الأطراف، لا يسكنها من أهل البلدة أحد على شرط أن يكون غير متزوج ومن تزوج سقط حق سكناه في المدرسة. توفي القاضي أحمد أفندي بن طه زاده سنة (1177هـ 1763م) في مدينته حلب الشهباء.
الشيخ البرزنجي
في نحو سنة (1315هـ 1897م)، أتى إلى حلب الشيخ عبد السميع بن الشيخ أحمد الكردي البرزنجي، من قرية جنارة التابعة لقضاء حلبجة وتولى التدريس في المدرسة الأحمدية، بعد وفاة مدرسها الشيخ حسين الكردي، وذلك نحو سنة (1334هـ 1915م)، ولم يكن الشيخ عبد السميع فصيح اللسان في اللغة العربية  وإذا قرأ لأبناء الكرد، قرر لهم الكتب العربية باللغة الكردية، مع فصاحة وحسن بيان لأنها لغته الأصلية، وهنا يطرح سؤال نفسه: كيف لصاحب كتاب (أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) أن يقيّم لغة الشيخ الكردي ويثني على حسن بيانه في الكردية، دون معرفته باللغة الكردية؟ ترى هل تعلم منه الكردية بعد أن لازمه خمس سنين أو أزيد؟ أم هو مديح التلميذ لأستاذه؟. توفي الشيخ عبد السميع سنة (1338هـ 1919م) في مدينة حلب، وربما كان آخر المدرسين الكرد في المدرسة الأحمدية التي اشتهرت بمخطوطاتها الثمينة والنادرة، ونقل قسم كبير من مخطوطاتها إلى “مكتبة الأسد”.
الأميرة ضيفة خاتون الأيوبية
من الشخصيات الكرديّة التي تولت حلب الأميرة ضيفة خاتون (صفية خاتون) بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب حلب: (1185-1242م) أصبحت صاحبة التصرف في حلب وسلطانة بالوكالة بعد وفاة ابنها الملك العزيز “محمد” وولاية حفيدها الناصر (وهو طفل) وتصرفت تصرف السلاطين في حكم حلب لمدة ست سنوات. وعاشت حلب مرحلة ازدهار في عهد الأميرة ضيفة ومن مآثرها تخفيض الضرائب وإيثارها الفقراء فكانت تحمل إليهم الصدقات الكثيرة.
العلامة حسين حزني موكرياني
 تعد أول مطبعة كردية من مظاهر الوجود الكرديّ في حلب تلك التي جلبها حزني موكرياني من ألمانيا إلى حي الأكراد في حلب والمطبعة محفوظة إلى اليوم في متحف راوندوز.
 في عام 1915، عندما كان عمر العلامة حسين حزني موكرياني  22 عاماً سافر إلى ألمانيا و اشترى من برلين آلة طباعةٍ ذات حروف بهلوية صورانية، والتي يقال عنها خطأً “حروف عربية” ونقلها إلى حلب، حيث قام بنفسه بصنع قوالب وسكٍّ للأحرف الكردية الصورانية غير الموجودة في العربية (پ، ڤ، ژ، گ، چـ) لتتوافق مع الأبجدية الكردية المكتوبة بالأحرف البهلوية الصورانية الكردية، وبدء بطباعة الكتب والصحف والمجلات الكردية
لا ينسى هنا المفكر عبد الرحمن الكواكبي الذي ينتمي إلى العائلة الصفوية الكردية وغيره والعديد من الفنانين الكثر المبدعين.
اللحمة الاجتماعية
منذ عام 2011م بدأت المأساة المدمرة في سوريا، فقد تصدت وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب والأسايش في البداية، ومن بعدها قوات سوريا الديمقراطية، لهجمات المرتزقة المتطرفين الذين ينشرون الخراب والدمار، التي نجحت في دحرهم ومن ثم تحرير تلك الأحياء ذات الأغلبية الكردية في حلب، استخدمت حكومة دمشق سياسة عدائية تجاه السكان، حيث حاصرتهم ومنع عنهم دخول وسائل المعيشة الحياتية من طحين ومازوت وخضراوات بصورة مستمرة، لمنعهم عن إدارة ذاتية ديمقراطية حرة، وفرض الاستسلام، ولكن الأهالي بلحمتهم الاجتماعية الوطنية من خلال إيمانهم بالعيش المشترك وأخوة الشعوب ومنع الفتنة والطائفة بمختلف أشكالها وقفوا ضد جميع الهجمات، التي كانت تستهدف الحي، بالإضافة إلى مساندتهم وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، في الجبهات ظلوا مصرين في الحفاظ على الحياة بل استمروا  في بناء مجتمعهم في ظل إنسانية أخوة الشعوب فقد شكلوا في تشرين الأول عام 2011، المجالس الشعبية، حيث شارك فيها الآلاف من أبناء حييّ الشيخ مقصود والأشرفية وبقية الحارات التي يتواجد فيها الكرد؛ فنجحوا في افتتاح المدارس بلغة الأم وخاصة اللغة الكردية المضطهدة وتنظيم المجتمع من خلال الكومينات والمجالس والحماية الجوهرية واتحادات شبابية ونسائية وثقافية وغيرها، وصار الحي يدار مدنيا من مجلس محلي مشترك، تديره الشعوب في الحي، ووجود الآلاف من العوائل العربية والسريانية التي لم يحدث إن اشتكت من سوء المعاملة أو الإقصاء، أما المجموعات المرتزقة؛ فقد ظلت تواصل سياساتها الهمجية حتى بعد أن تم طردها من الأحياء، ولاذوا بالمناطق الشمالية المحتلة من سوريا برعاية تركيا، والتهديد بحرق كل  كردي حر بالإضافة إلى سياسة التعنت من حكومة دمشق في عدم الاعتراف بحقوق السكان في تلك الأحياء. 
الختام
إنّ البصمات الكردية قوية في وجود وثقافة حلب عامة كما ذكرنا شذرات منها، وخاصة اللهجة الحلبيّة الحالية، التي مازالت تحتوي عدداً كبيراً من الكلمات والأسماء الكرديّة، مثل كم نقش، قوطرش، أله رشي، بربشت، جبان، كوراني، البيرقدار، الخزندار، المير آلاي، السباهي، الكيخيا، اللاوندي، السكرتون ويعني خزانة الملابس، الشايدان أي إبريق الشاي، الشمعدان أي حمالة الشموع والسمكري أي هاسن كار، أي العامل بالحديد واشكرا أي على المكشوف والسرسري، وغيرها كثيرة. ومن العوائل الكرديّة: كوراني، البيرقدار، الخزندار، المير آلاي، السباهي، الكيخيا ـ اللاوندي، برمدا وغيرها حيث ذكرنا بعضاً منها في حلقات سابقة.
 لقد تحولت الأحياء التي يكثر فيها الكرد في حلب إلى ورشة بناء كبرى، حيث عمروا الأسوار والأبراج والأبواب، التي نعرفها اليوم، وعمروا السوقين اللذين تم انشاؤهما شرق الجامع الكبير، نقل إلى أحدهما الحريريين وإلى الآخر النحاسين وحديثاً في حي الأشرفية  قوّيت الورشات الصغيرة والمتوسطة العائدة لأصحابها خاصة من الكرد؛ مما انعكس على أسعار العقارات بشكل ملموس، فلم يعد القطاع من الحي الممتد من دواره الأول حتى دواره الثاني، مكاناً مناسباً لسكن فئات شعبية جديدة، فأسعار البيوت والمحال التجارية، تماثل أسعار البيوت في الأحياء الفخمة ولولا الأحداث المدمرة لتلك الحضارة في العقد الأخير وسياسة الاقصاء من ذوي الفكر الشمولي العنصري القوموي لازدهرت تلك الأحياء ذات الغالبية الكردية خاصة، وحلب عامة، بصورة مضاعفة، ولكنها  الآن على أمل تحقيق ذلك  بفضل جهود أبنائها الخيرين.
المراجع:
ـ المؤرخ ابن شداد “الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة”.
ـ موسوعة حلب المقارنة للباحث محمد عبدو علي ص19-20-21.
ـ مقالة بعنوان الأكراد يعودون إلى حلب – صحيفة القدس الألكترونية10 – ديسمبر – 2016-أ.أكرم يوسف.
ـ كتاب إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء محمد راغب الطباخ الحلبي تحقيق: محمد كمال دار القلم العربي الطبعة الثانية 1408هـ / 1988مالعربي بـ حلب، طبعة 1988م الجزء السابع، ص69ـ72 .
ـ محمد أمين زكي، مشاهير الكرد وكردستان، الجزء الثاني، ص26 ترجمة  الأستاذ محمد علي عوني. مطبعة السعادة، مصر، 1947م.
ـ محاضرة الدكتور فرهاد نعسان في حي الشيخ مقصود بعنوان “تاريخ الكرد في حلب”    ANHA
https://m.facebook.com › posts
26‏/06‏/2020 تقرير عارف سليمان
من هم كرد حلب وما دورهم في المدينة؟- زووم كورد 16‏/03‏/2019.