تل كوجر/ مثنى المحمود ـ
أحد عشر طفلاً لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر؛ يجوبون ملعب تل مشحن طوال اليوم، ليبيعوا الشاي للجماهير التي تأتي بقصد مشاهدة المباريات، ويبدوا أن بطولة تل مشحن لكرة القدم، ليست فقط موسماً كرويّاً، بل تبيّن أنها موسم تجاري للبعض أيضاً.
هناك فريق طفولي يشارك سنوياً بالبطولة، لكن ليس على المستوى الرياضي، إنما على المستوى التجاري والخدمي، حيث يجوب أحد عشر طفلاً أرضية ملعب تل مشحن بجماهيره الغفيرة بهدف بيعهم الشاي والاستفادة من هذا الحدث الرياضي.
بداية الفكرة
بدأت الفكرة لدى هؤلاء الأطفال، منذ وقت طويل قد يكونوا توارثوها من غيرهم من الذين سبقوهم إليها، أكبرهم زيد محمد العلي البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، وهو طالب في الصف الثامن ويصف زيد العلي نفسه بالمتفوق دراسياً، عندما ينهي دوامه المدرسي يتوجه نحو الملعب حاملاً إبريقاً من الشاي وعدداً لا بأس به من الأكواب البلاستيكية، ويبدأ ببيع الشاي للجماهير، التي لا تنفك تطلب الكأس تلو الآخر، يبدو أن زيد ورفاقه عرفوا نقطة ضعف الجمهور، فالأهالي لا حياة لهم دون كأس الشاي، مهما كانت الظروف ومهما كان المكان، الأهم هو كأس الشاي.
وعلمنا من زيد محمد العلي أنه يبيع الشاي منذ أربع سنوات، هو الأقدم في فريق بائعي الشاي، أي أنه كابتن الفريق وأنه ورثها من أخيه الأكبر منه، الذي أصبح الآن أكبر سناً ويخجل من حمل الإبريق وبيع الشاي.
آلية العمل
لا يحتاج عمل الصبية على كثير من التخطيط، يقول ضامن الحمدون ابن التسعة أعوام، وهو يبيع الشاي للسنة الثانية على التوالي: “عندما يكون هناك مباراة ما وبعد عودتي من المدرسة، يكون أهلي قد أعدوا لي الشاي وصبوه في إبريق يحفظ الحرارة ويتسع لثمانية كاسات، فأقصد الملعب وأبيع كل كاس بمئتي ليرة سوريّة، ليصل مردود كل إبريق ألف وستمئة ليرة سوريّة وأبيع في كل مباراة قرابة الستة أباريق”.
يتناوب الفريق كله على تغطية جميع أركان الملعب دون استثناء، لكل منهم زبائنه الخاصين، لا يمارس هؤلاء الأطفال أي نوع من الضغط على الزبائن، فهم يمرون من أمام الجماهير بهدوء وثقة ومن يريد الشاي عليه أن ينادي بنفسه.
لدى الفريق محترفون
الصفة الوحيدة التي لم يتشاركها جميع أطفال الشاي هي الانتماء إلى ذات القرية، أي تل مشحن بعد الحديث مع كامل الفريق تبين أن لديهم محترفون أي من خارج القرية.
عمر أحمد المفلح ابن الثلاثة عشر عاماً هو من قرية الدويم المجاورة، ينتقل عمر أحمد على ظهر دراجته النارية من قريته إلى الملعب، يجلب معه جميع لوازمه التي يستخدمها في إعداد الشاي، يجني ما يقارب ستة آلاف يوميّاً، وهو يبيع الشاي منذ عامين، حيث قَدِم مع فريق قريته الذي كان مشاركاً في البطولة، ولفتت الفكرة أنظاره، فقرر أن يصبح عضواً في فريق بائعي الشاي.
وجهة نظر وعبء عمل
حاملو الأباريق لهم وجهة نظر كروية تختلف عن غيرهم من جمهور البطولة، هم يقيّمون أهمية الفريق من ناحية استهلاك الشاي، لا يهمهم كم هدف يسجل أي فريق ولا أداءه داخل الملعب ولا حتى أخلاقه إنما الأهم هو عدد الكاسات التي يشترونها، لذا وعلى لسان “مالك العزبة” أحد بائعي الشاي “فريق صقور الوريدة الرقم واحد ويليه فريق تل كوجر، ويبدو أن جمهور هذين الفريقين مولع بحب الشاي ويستهلك العديد من أباريق الشاي”.
أما عن الصعوبات في عملهم فقال رعد العزبة أن السخرية من قبل البعض أبشع ما يتعرض له هو وزملاءه، وأضاف أنهم لا يحبون أن يبيعوا الشاي للأطفال الذين في سنهم فهم يشربون ولا يدفعون.
في نهاية الأمر يبقى عمل الأطفال فعل مستهجن في كل أنحاء العالم وفي كل الأعراف والقوانين، لكن لكل قاعدة استثناء حيث يشكل هؤلاء الأطفال حالة فريدة من نوعها، وكأنهم اليوم أصبحوا رمزاً من رموز هذه البطولة، غيابهم ليس مُستحب لدى الجماهير لذا هنيئاً لهم على خلقهم لهذه الفكرة، ويُحسب لهم أنها لا تؤثر على مستقبلهم الدراسي، فمكان الأطفال الطبيعي هو مقاعد المدرسة وفسحات اللعب وبوارق الأمل.
