سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

فاطمة الحميد: “بيوم المرأة العالمي كل عام ونساء شمال وشرق سوريا بالمُقدِمة”

روناهي/ منبج – أكدت الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين بمدينة منبج وريفها؛ فاطمة الحميد بأنه في ذكرى اليوم العالمي للمرأة لهذا العام، تمكنت المرأة في شمال وشرق سوريا عموماً ومنبج خصوصاً من الانتصار على ذاتها، فهو يمثّل عيداً وانتصاراً للمرأة، وتقديراً تستحقه بكلِّ جدارة، لِما عانتهُ من هضمٍ لحقوقها في فترات سابقة.
المرأة استطاعت الانتقال في ظل ثورة روج آفا والشمال السوري إلى عصرٍ جديد من الانفتاح، عصر أعطاها حريتها، ولهذا فقد حققت المرأة في السنوات الأخيرة وبعد هذه المساحة من الحرية الكثير من المكتسبات وفي كافة المجالات، فإنْ أردنا رسم خط بياني لذلك فإننا سنلاحظ أن هذا الخط يتصاعد للأفضل عاماً إثر عام، وذلك بفضل تطور الوعي لدى المرأة متوازياً مع مساحة الحرية التي حصلت عليها في مجتمع مدني يؤمن بالديمقراطية والعيش المشترك والعدالة الاجتماعية والمساواة؛ هذا كان مضمون الحوار الذي أجرته صحيفتنا “روناهي” مع الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين؛ فاطمة الحميد، وكان الحوار على الشكل التالي:
– بعد قيام ثورة الشمال السوري دخلت المرأة بمنبج عصر جديد، فما هي العلامة الفارقة بين عصرين مرّت بهما المرأة؟
لا شكّ أن ثورة “روج آفا” نقلت المرأة إلى عصرٍ جديدٍ من الانفتاح الثقافي والاجتماعي، ومنحتها الكثير من المكتسبات على كافّةِ الأصعدة. لقد كانت المرأة تعيش في عصر خنقَ فضاءها وقيّدها في قوقعة المنزل وجعل عالمها الأسرة فقط، وحين جاءت ثورة “روج آفا”، والتي جعلت أوّل أولويّاتها؛ المرأة، استطاعت المرأة أن تخرج من قوقعتها، لتمارس حريتها وتعيش أحلامها وطموحاتها الخاصة، وإنّ العلامة الفارقة التي يشار إليها بالبنان، هي المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والعمل وكافة مجالات الحياة، لقد انتقلت المرأة إلى مستوى راقِ من المساواة، فأعطاها ذلك المزيد من الثقة بالنفس، فأبدعت، وأظهرت مواهبها  وقدارتها الكامنة.
– لو اعتبرنا يوم المرأة العالمي مرآة، تقف المرأة أمامها، ماذا ستقول المرأة المثقفة من بوحٍ وكلمات، بهذه المناسبة؟
طبعاً اليوم العالمي للمرأة، يمثّل عيداً وانتصاراً للمرأة، وتقديراً تستحقه بكل جدارة، لِما عانتهُ من هضمٍ لحقوقها في فترات سابقة؛ لذلك ستكون الكلمات عاجزة عن التعبير، وستخون الاستعارات حجم السعادة ولا يسعني كامرأة مثقفة إلّا أن أهمس لنفسي ولكل امرأة قائلةً:
“كوني أنتِ، فأنتِ قادرة على إعطاء المزيد من الجمال لهذا العالم، أخرجي إلى الطبيعة؛ كأجمل أزهارها، زهرة تملك القوة والجمال، كوني أنتِ، طوّري ذاتك وقدارتك ودعي العالم دائماً يراك في المقدمة، لا تكتمي إبداعاتك، فأنت عالم كامل من الإبداع والعطاء والتضحية، كوني مثقفة لأن العظماء يجب أن يعرفوا شيئاً واحداً؛ على الأقلِّ؛ عن كلِّ شيء”.
وأقول لها: ” كل عام وأنتِ في المقدمة، وكل عام وأنت حرّة ، فخورة بحرّيتك مدافعة بعدلٍ عنها، لا تدعي أحداً يقول إن الحرية لا تليق بك، بل علّميهم أنكِ عنوان الرقي والامتياز في كافة أصعدة الحياة”.
– في ذكرى يوم المرأة العالمي، ما هي المكتسبات التي تمكنت المرأة في منبح وريفها من تنفيذها عملياً؟
تحدثتُ في إجابتي عن السؤال الأول، أن المرأة انتقلت إلى عصرٍ جديد من الانفتاح، عصر أعطاها حريتها، ولهذا فقد حققت المرأة في السنوات الأخيرة وبعد هذه المساحة من الحرية الكثير من المكتسبات وفي كافة المجالات، فعلى سبيل المثال كسرت المرأة قيد العادات والتقاليد التي كانت تحرمها من العمل والنضال وممارسة الحياة الطبيعية، لتخرج الآن عاملة ومناضلة ومثقفة، وتمارس عملها وثقافتها وتشارك برأيها وقوتها في بناء المجتمع، لعلّ ذلك أبرز المكتسبات وهو يختصرها جميعها في الحقيقة، لأن مكسب الحرية، يعني أنك أخذت مكانتك المُستَحقة، لقد تميزت هذه المكتسبات أنها منحت المجتمع قوة هائلة كانت مختفية وراء جدران البيوت، تميزت بقالب مبهر لتكامل الرجل مع المرأة في بناء المجتمع، تميزت أنها منحت الثقة لمخلوقٍ لديه إمكانيات كبيرة ليساهم في بناء المجتمع والإنسان.
– يعتبرُ يوم المرأة تتويجاً لعملٍ دؤوب فماذا وجدت هذه المرأة من نقاط ضعف وقوة في شخصيتها، في إطار الأنشطة الثقافية؟
لا شكّ أن عملية البناء في كلِّ شيء عملية تحتاج للكثير من التجهيز، بدءاً من الأرضية المناسبة وحتى أدق التفاصيل، ونحن نعلم أنّ المرأة عاشت ردحاً طويلاً من الزمن وهي خلف قيود العادات المفروضة من الواقع التي كانت تعيشهُ، ولهذا لا بدّ من الاعتراف بأن المرأة المثقفة ما زالت إلى حدٍّ، وفي لا شعورها تخضع أحياناً لماضيها، وهذا الأمر ليس لدى الجميع إنما هو في شريحة ليست بالقليلة من النساء، إذن إنّ أعظم نقاط الضعف الحالية للمرأة، هي عدم تحررها الكامل من سلطة العادات والتقاليد، لذلك لدى الكثيرات هاجس الخوف من الظهور للمجتمع، ولكن هذا ما نعمل عليه حالياً، وهو إخراجها من هذا القيد الذي يحول دون انطلاقها بشكل أوسع وأشمل.
إنّ المرأة وجدت في نفسها نقاط قوة كثيرة، فأدركت مثلاً أنها قادرة على المشاركة والعطاء والإبداع وأنها قادرة على إيصال صوتها للمجتمع والمطالبة بحريتها الكاملة، فقط إن نقطة ضعفها الوحيدة هي الواقع التي كانت تعيشه وتأثيره السلبي على وعيها وانفتاحها.
– كيف تتعامل المرأة المثقفة مع بعض النقاط التي تجد نفسها أنها في دائرة مغلقة لا سيما أن هناك بعضاً منها مرتبط بعادات مجتمعنا الضيقة؟
المرأة ما زالت في مجتمعنا تعاني من الشعور بسلطة العادات والتقاليد، والخوف من النظرة السلبية من قِبَل المجتمع لها، وما زالت تقف بين رغبتها في أن تكون لاعبةً أساسية في المجتمع، وبين خوفها هذا، وفي كثير من الأحيان نجد بعض الكاتبات أو الشاعرات يخشين الظهور على المنابر؛ بتأثير ذلك الخوف الذي لم تتحرر منه بعد، ولذلك لا تجد إلّا أن تواجه مخاوفها هَذهِ وتتحداها، وأن تدرك تمام الإدراك أنها لا تقوم بما هو معيب بل على العكس؛ يجب أن تشعر أن ذلك واجبها، وبالتالي هو مدعاةٌ للفخر، وهنا نجد المرأة تتحدى الظروف المحيطة بها، وترفع صوتها مطالِبةً بحقها في أن تكون فرداً فعّالاً من هذا المجتمع، وتبحث دائماً عن الفرصة المناسبة لكي تعلن ذلك في الملأ، المجتمع وبكل صراحة أحياناً لا يرضيه شيء؛ وربما هذه فطرة بشرية؛ لذلك تجد المرأة نفسها أمام خيار المواجهة والتحدي، وبالتالي تتجرّد من هذه القيود المفروضة عليها، وقد نجحت الكثيرات من النساء بهذا.
– مجتمع مثل منبج بما يَحمِله من عادات وتقاليد سائدة منذ سنوات، فهل يتعارض مع المنظور الليبرالي الذي تتطلع له المرأة في الوقت الحالي؟
بالفعل منبج تحمل طابعاً عشائرياً بامتياز، لها عادات وتقاليد متجذرّة فيها لا تتخلّى عنها بسهولة، ولذلك تجد المرأة نفسها في مأزق يفرض عليها أن تكون أكثر وعياً في ممارسة حريتها، ومن ثم يفرض عليها أن تكون مساهمة في توعية المجتمع، وذلك من خلال نشاطاتها الثقافية عبر المؤسسات الثقافية وغيرها، برأيي إن ظهور المرأة وممارستها لحقوقها وإبداعاتها وثقافتها، وتوظيف ذلك في بناء مجتمعها لا يتعارض إطلاقاً في الحقيقة مع العرف الاجتماعي في منبج، فحتى تعاليم الدين الإسلامي لم تمنع المرأة من العمل وممارسة هواياتها وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ، ففي زمن عمر بن الخطاب كانت مراقب السوق امرأة، وعليه فإن هذه العادات هي في الواقع تراكمات لجهل مبطّن كان نتيجةً لعصر كامل من الكبت للحريات، ولذلك شيئاً فشيئاً، ومن خلال نشر الوعي في المجتمع لا تلبث أن تزول هذه النزعة، فتطبيق الليبرالية التي تطمح لها المرأة لتحقيق أهدافها في حرية كاملة ومساواة في الحقوق مع الرجل، ما هي إلّا حق طبيعي ليس فيه ما يعيب على العشيرة، بل ستكون المرأة، مصدر فخر واعتزاز لتلك العشيرة، لو لعبت دورها الرائد في المجتمع.
– ما أبرز المكتسبات التي حققتها المرأة اجتماعياً وثقافيّاً، بحيث يمكن قراءة النتائج بشكل بياني؟
في الحقيقة إنّ مجتمعاً بقي لعقود تحت ردح الاستبداد وسندانه، وممارساته المنظمة لتجهيل الشعوب، والأحداث المتتابعة بعد الثورة والتغييرات التي عايشها هذا المجتمع، والحقبات المختلفة التي كانت تحمل أيكويولوجيات مختلفة، كل ذلك من شأنهِ يضعنا أمام حقيقة واقعية، وهي أن مجتمعاً عايش كل هذا لا يمكن أن يكون تغييره كفعل العصا السحرية، إن عملية التغيير تحتاج لأعوام من الجهد والعمل ونشر الوعي، ولكن ما أنجزته المرأة في السنوات الثلاث الأخيرة، في منبج وبقية مناطق شمال وشرق سوريا؛ يُعتبر على واقع الحال؛ إنجازاً كبيراً يُحسبُ لها، فقد دخلت في مجالات عديدة وأصبحت صاحبة قرار وحصلت على الندية مع الرجل في إدارة المجتمع، بل وكان لها دوراً بارزاً في الحراك المجتمعي ضد الاستبداد والجهل وقمع الحريات، وأسست مؤسسات مدنية تمثّلها وتمثّل حقوقها وتدافع عنها، وإن أردنا رسم خط بياني لذلك فإننا سنلاحظ أن هذا الخط يتصاعد للأفضل عاماً إثر عام، وذلك بفضل تطور الوعي لدى المرأة متوازياً مع مساحة الحرية التي حصلت عليها في مجتمع مدني يؤمن بالديمقراطية والعيش المشترك والعدالة الاجتماعية والمساواة.
– كيف توضحين من وجهة نظرك ضعف المشاركة الثقافية على الرغم من أن ثورة الشمال السوري منحت المرأة الكثير من الثقة بالنفس؟
بالتأكيد أن العملية معقدة بعض الشيء، لقد ذكرت لك أن هذا المجتمع كان يعيش لعقود تحت وطأة الجهل والتهميش وخصوصاً المرأة، وعليه فمن الطبيعي وكوننا ما زلنا في البداية، ما زالت المرأة لم تحصل على الجرأة الكافية لتكون فعّالة أكثر، ما زالت تعاني من مخاوفَ شتّى، مما يجعلها أقلُّ نشاطاً، وكذلك للظروف السياسية غير المستقرة دوراً في تحجيم الفعالية للمرأة، هذه المخاوف لا تلبث أن تزول بمجرّد أن تحصل المرأة على وعي أكثر، وتدرك بعين الوعي واقع مجتمعها، وبذلك سوف تتغلب على مخاوفها تلك. إنّ أي عملية البناء ستحتاج وقتاً طويلاً، ولاسيما إنّك تبني من الصفر، مجتمعاً عانى الكثير من التهميش والفترات السياسية المختلفة شكلاً ومضموناً.
إنّ ما ذكرته لك يعتبر السبب الرئيسي لقلة المشاركات الثقافية للمرأة في منبج، رغم وجود الكثير من المبدعات فيها، وما زلن لم يتغلبن على ما ذكرته لك.
– ما هو واقع المرأة في شمال وشرق سوريا عموماً، ومنبج على الأخص، وهل هو يبشّر بمزيد من الارتقاء والنمو؟
في الحقيقة المرأة في الشمال السوري، تحظى باهتمام غير مسبوق فهي تعيش في مساحة واسعة من الحرية والاهتمام والقوانين التي تحفظ لها حقوقها كاملةً، يمكننا القول إن المرأة تعيش حالياً عصرها الذهبي، في شمال شرق سوريا وفي منبج، لكن في الواقع ربما طبيعة المناطق تختلف من منطقة لأخرى عن منبج، ربما لأن بعض مناطق شمال وشرق سوريا لها تجربة تسبق منبج في الاهتمام بالمرأة، فالمرأة في منبج ما زالت لا تدرك إدراكاً كاملاً كيف تمارس حرّيتها، وعليه بلا شك أن المستقبل سيكون أفضل بكثير، وبكل تأكيد يبشّر بمزيد من النمو والارتقاء، وذلك من خلال الوعي المتنامي لدى المرأة شيئاً فشيئاً.