سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

غياث نعيسة: “اتفاق أمن الحدود بدّدَ الأطماع التركية في المنطقة”

أكد الباحث السياسي، الدكتور غياث نعيسة: “إن لتهديدات الاحتلال التركي على مناطق شمال وشرق سوريا مخاطر كبيرة، وأن الاستعداد لدحر ومقاومة أيّ عدوان على شعبنا في شمال وشرق سوريا وحماية وتطوير تجربة الإدارة الذاتية من أهم الواجبات لاستعادة وحدة البلاد والتحرر من كل مستبد ومحتل”، وأشار إلى أنّ مستقبل حزب العدالة والتنمية على كف عفريت ومُعرّض للتفكك، حاله كحال النظام الأردوغاني نفسه، مع اتساع الاحتجاجات الشعبية، وانقسامات الطبقة الحاكمة في تركيا. وأضاف: “من مصلحة الشعب التركي تغيير هذا النظام الأهوج وتعميق المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية التي انتهكها أردوغان وحزبه”.
جاء ذلك في حوارٍ أجرته آدار برس مع الباحث السياسي، الدكتور غياث نعيسة، وكان الحوار التالي:
ـ وقِّع اتفاق بين كل من قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال التركي فيما يخص منطقة أمن الحدود؛ كيف تقرؤون ذلك؟
الوضع السوري برمته أصبح موضع تنافس على النفوذ والهيمنة بين الدولتين أمريكا وروسيا ودول إقليمية ولا سيما دولة الاحتلال التركي وإيران وإسرائيل، روسيا وأمريكا تحاولان تنظيم تنافسهما في سوريا عبر تفاهمات، وكل منهما يتعامل مع الدول الإقليمية بنفس منطق المصالح، ولكني أعتقد، إن استثنينا حالة إسرائيل التي تتطابق تقريباً والرؤية الأمريكية والروسية بالتعامل الحريص تجاهها، فإن هاتين الدولتين ترغبان، أو بالأحرى تحاولان، تقليص نفوذ كل من إيران وتركيا في سوريا.
أعتقد أن الدولة التركية كانت تحبذ اجتياح مناطق الإدارة الذاتية عسكرياً، لكن التواجد العسكري الأمريكي يشكل عائقاً أمام هكذا عدوان عسكري، في المقابل تركيا عضو في الحلف الأطلسي وهي حليف استراتيجي هام للولايات المتحدة، لن تفرط به الولايات المتحدة مهما كانت خلافاتها مع أردوغان. لذلك؛ فإن اتفاقهما على ما تسمى بـ(المنطقة الآمنة) يحقق جزءاً من المطالب التركية، وهو تنازل جزئي من الولايات المتحدة لتركيا. وبهذا المعنى، يصح القول بأن هذه الاتفاقية قد أعاقت ومنعت اجتياح عسكري تركي لمناطق الإدارة الذاتية، ولكني أعتقد، أن الاتفاق، رغم تحجيمه للمشاركة التركية في شمال وشرق سوريا لكنه قد “أدخل الذئب إلى المزرعة”، وتركيا ستعمل كعامل ضغط وتهديد متواصل على تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا؛ ما قد يعيق تطورها، بانتظار الانقضاض عليها مع تغير الظروف، وباختصار يمكنني القول: إن هذا الاتفاق أثر إيجابي مباشر بحماية التجربة، لكن تأثيرها سلبي على المدى الطويل.
ـ أمريكا ماضية في دعم قوات سوريا الديمقراطية رغم الاحتجاج التركي، برأيكم ما الأسباب العميقة لتمسك أمريكا بشمال وشرق سوريا رغم أن دولة الاحتلال التركي حليف قوي لها في حلف الناتو؟
يمكنني تقدير الموقف العسكري سياسياً، فأنا لست عسكرياً، أعتقد أن الولايات المتحدة تتابع دعم قوات سوريا الديمقراطية لعدة أسباب، أولها أن الحرب ضد داعش لم تنتهِ بعد، كما هو واضح من انتعاش نشاط داعش الإرهابي والفاشي في العراق وسوريا. وثانيها، أن هذه المناطق تجاور العراق الذي تتواجد فيه القوات الأمريكية أيضاً، وثالثها، تعتقد أمريكا أن تواجد قوات محلية “حليفة” لها يساعدها في خلق سد بمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان، وأخيراً، فإن الولايات المتحدة بتواجدها عسكرياً في شمال وشرق سوريا فرضت نفسها كطرف أساسي في رسم مستقبل البلاد والمنطقة، إضافة إلى روسيا، وإيران وتركيا، وكل من هذه الدول المتدخلة في سوريا تدفعها مصالحها الخاصة الاقتصادية والجيوسياسية، ولا يعنيها شيء آخر.
ـ هدد أردوغان بإنشاء ما تسمى بالمنطقة الآمنة في نهاية هذا الشهر، عن أي منطقة يتكلم، وما هي مواصفاتها برأيكم، وهل سيتم ذلك بدون موافقة الأمريكان؟
الاتفاق الأمريكي – التركي حول ما تسمى (بالمنطقة الآمنة) لم يُرضِ تماماً مطالب أردوغان إلا جزئياً، وحتى الآن المشاركة العسكرية التركية في الدوريات العسكرية المشتركة ما تزال محدودة. من جهة أخرى، هنالك عوامل داخلية تركية، حزب أردوغان في أزمة وتركيا مأزومة، يلعب أردوغان على دغدغة المشاعر القومية للناخبين الأتراك، وعلى التركيز على خطاب حربي محاولاً قطع الطريق على معارضته وحشد أوسع تأييد له داخلياً. من جهة أخرى، كما ذكرت سابقاً، لن يتوقف النظام التركي عن التهديد والعويل مطالباً بالمزيد من التدخل داخل سوريا وإجهاض تجربة الإدارة الذاتية أن أمكنه ذلك.
ـ هناك انقسام في الداخل التركي وآخر هذه الانقسامات ما قام به رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو بتقديم لاستقالته، برأيكم هل ستستمر هذه الانقسامات، وإلى أين يمضي حزب العدالة والتنمية؟
تراجع أردوغان عن خطة السلام مع الحركة الكردية في تركيا وشن حملة اعتقالات واسعة بحق قياداتها وحرب عسكرية ضدها، كما تراجع عن الكثير من المكتسبات الديمقراطية التي حققها الشعب بكفاحه، مع تقليص كبير لحرية المعارضة والصحافة والأحزاب والجمعيات والنقابات والسجون تعج بالمناهضين للنزوع الاستبدادي للسلطة الأردوغانية، وانعكس تخبط السياسات الأردوغانية وفشلها المتواصل داخل الحزب الحاكم، حيث أن استبداد أردوغان أصاب حزبه نفسه، حيث طرد منه عدد من قياداته واستقال آخرون. مستقبل حزب العدالة والتنمية على كف عفريت ومعرض للتفكك، مع اتساع الاحتجاجات الشعبية، وانقسامات الطبقة الحاكمة.
ـ برأيكم؛ ما تأثيرات الانقسامات الداخلية التركية على الخارج التركي، وبخاصة في سوريا؟
تأزم الأنظمة كما هو حال نظام أردوغان، تشكل لديها نزوع أكبر إما لتنازلات أو لمزيد من الاستبداد والحرب، محاولةً الخروج من أزمتها، يبدو نظام أردوغان بات مخنوقاً أكثر فأكثر داخلياً، ما قد يدفعه إلى مغامرات عسكرية خارجية، أي مزيد من التدخل العسكري في سوريا، ومزيد من الاستبداد داخلياً. من مصلحة الشعب التركي، هي تغيير هذا النظام الأهوج وتعميق المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية التي انتهكها أردوغان وحزبه.
المخاطر كبيرة، والاستعداد لدحر ومقاومة أي عدوان على شعبنا في شمال وشرق سوريا وحماية وتطوير تجربة الإدارة الذاتية أهم الواجبات، على طريق استعادة وحدة البلاد والتحرر الشامل لشعبنا في كل سوريا من كل مستبد وغازٍ ومحتل ومستغل”.