سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عندما تتحول المواطَنَة إلى وطنية

جواهر عثمان

في سياق الحديث عن المواطنة والوطنية وأوجه المقارنة وآليات التحول، هي أن تكون مواطناً في وطن ما يتوجب عليك ان تمتلك حقوقا وتلتزم بالواجبات المترتبة على عاتقك فالمواطنة بمعناها اللفظي من يسكن أرضاً أو بيتاً.
ومن هنا سنبدأ بقصة الوطنية التي أصبحت واقعاً حتمياً في زمن الثورات والدفاع عن الحقوق والحريات، ولسردها وشرح مراحلها علينا معرفتها ومعرفة آليات إثارة الوطنية في عمق المواطن، وإذا توجهنا الى المواطن الذي لم ينل يوماً ايّ من شروط المواطنة ولم يحصل على حقوقه في ظل الأنظمة الحاكمة في عصرنا الحالي وعبر مراحل التاريخ. حيث تأسست أنظمة الحكم بشكل أو بآخر؛ وكان المواطن يعاني أشد انواع وممارسات الظلم والعبودية بما ترافقها أشكال العنف المنهجي، ومن هنا تبدأ قصة الوطنية التي تُحارب من قبل تلك الأنظمة والأجهزة المرادفة لها لقطع أوصال الوطنية وقتلها في رحم المواطن قبل أن تولد وتتمرد؛ وربما الزمان والمكان الملائمين والعوامل الأساسية التي تساعد في إثارة شعور الوطنية في عمق المواطن هي التي تجعل التحول سهلاً. وفي عصرنا الحالي نجد الكثير من الشعوب قد تحولت من نموذج المواطنة إلى وطنية ثائرة، وأول أسبابها عدم تحمل الضغط أو الكبت النفسي والمادي والمعنوي والمعاناة من ضغط الأنظمة في سبل العيش وأخرى مثل سلب الطاقات والثروات لصالح تلك النخبة الحاكمة، والكثير من الأسباب التي تدّعي إلى أن يثور المواطن بغض النظر عن البلدان أو القوميات، فسردنا عن الوطنية ليس سرداً عادياً أو قضية عابرة صغيرة بل هي قضية إنسانية بحتة تكمن في سردها مرتكزات الوجود البشري الطبيعي الذي تحول نتيجة تلك الضغوطات إلى آلة للإنتاج فقط أي روبوت بشكل إنسان، فهي قصة محورية تتطلب الاهتمام والدعم والعمل عليها  وخاصةً في عصر الثورات والتغيرات اللحظية في السياسات العالمية.
فهي حرب شرسة وصراع طويل بين الرأسماليات المتناوبة والشعوب الثائرة على ممارسات وأطماع الأولى، أي الرأسمالية والسلطة بغض النظر عن أنها حرب باردة أو ساخنة فهي لازالت تصارع للبقاء والاستمرار على حساب الشعوب المضطهدة، وعلى المواطن الذي هو نواة الشعب أن يحدد نقطة انطلاقه والتفكير في نفسه هل سيبقى مواطناً عادياً ينتظر ما يلبي له من خدمات يومية ويعيش كالروبوت، يخضع للأنظمة والممارسات التي تمارس عليه من سلب الحقوق للخصوصية الإنسانية في شخص المواطن، أو أن يتحول إلى وطني مناضل قوي ويحارب بشراسة سياسة تلك الأنظمة المستبدة. هذا يعني أن الوطنية لا يلزمها شروط ومقومات لترسم طريق المقاومة والدفاع وآليات الدفاع، فلا وطنية جيدة دون مواطنة جيدة، وتتلخص هذه الشروط أيضاً بالوفاء والإخلاص وأخلاقيات المواطنة هي الدافع الأكبر لإنماء الوطنية التي ستؤدي حتماً إلى وطنية ملتزمة، فالوطنية ذات علاقة بالتاريخ وحس المواطنة يتطلب السبل الناجعة للوصول إلى أهداف الوطنية في نيل الحقوق المشروعة والعيش الكريم. وللخروج من حالة المواطن الذي يختصر شخصيته في القبول والرضا بما يتواجد ويعيش حياة روتينية تسيِّرُه الظروف أو الأمر الواقع من تلك الانظمة لينفذها وهي بحد ذاتها قتل للإرادة، ويجب على المواطن التخلص من سلوكيات وتصرفات محددة وأداء فردي للواجبات اليومية، تماشياً مع المتغيرات والتبدلات التي تجريها الأنظمة تلك لأن المواطن بالنسبة لتلك الأنظمة هو وسيلة لبلوغ الهدف، ولكي لا نشمل جميع الفئات فهناك فئة معينة  تتبع هذه الأنظمة بدعوى الحياة الشكلية بدون روح أو معنى، ونعود للوطنية التي أصبحت في هذه العصور إلى عقيدة وولاء ومرتكزاً وجدانياً وتعبيراً عاطفياً يعبر عن الحس الوطني والانتماء إلى الأرض والمجتمع والعادات والتقاليد والقيم الموروثة والتفاخر بالتاريخ، مما يدفع به للتفكير إلى العمل والنضال لأجل الأجيال القادمة وهذا يؤدي إلى الشعور بالتوحد مع كل الموجودات المادية والمعنوية. فالوطنية لها مدلولات واسعة وهي تدل على معاني ضرورية لاستمرار البشرية وحياة طبيعية والمبادرة في إحياء الوطنية عليه أولاً القيام بواجبه تجاه وطنه وشعبه ومكتسباته، وتشمل جميع السبل والطرق المؤدية إلى رِفْعَة وسمو الوطن وبذل المال والنفس في سبيل الوطن والأرض والقيم والثقافة الموروثة من خلال العمل الدؤوب لأجل نهضة الوطن وتقدمه. أن الشعب وبدون شك يمتلك في أعماقه ذلك الحس والولاء ويعبر عن التعهد بالحماية والدفاع عن الأرض والمحافظة على المكتسبات، ومن هنا ندرك تماماً إن الوطنية هي الجانب الحقيقي والفعلي للمواطنة، وفي وطننا باتت الوطنية في كل منزل وبات المجتمع يناضل وبكل قوته لرفع الظلم والاضطهاد، ونتذكر ثورتنا في شمال وشرق سوريا عموماً وروج آفا خصوصاً، أنها كانت ولازالت مثالاً لشعب وطني بامتياز، مناضل مقاوم ولم يتوقف لحظة للدفاع عن الأرض ومكتسباته ودفع الكثير من الشهداء لينال حريته ويعيش كريماً رغم الحصار والسياسات المنهجية، إلا إن هذا الشعب ثارت الوطنية في أعماقه لتخرج سلاحاً قوياً للدفاع والحماية والفئات التي كانت في صدارة النضال لم تنحصر في الفئات العمرية أو الجنسية، فقد كانت ثورة شعبية وطنية أخذت المرأة دوراً رئيساً في جميع الساحات، والشباب الذي كان قد سلب منه الكثير من الحقوق ثأرت لنفسها لردع العدوان المخطط والمدروس، ووضعت حداً لتلك الممارسات، هذا ولا زالت الثورة مستمرة ومن خلال المقاومة والنضال في جميع الساحات، لأن المواطن وصل لدرجة الإقناع بأن الحقوق التي يطالب بها لن تأتي على طبق من ذهب، بل يلزمه الكفاح والعمل والمواجهة مع من اغتصب وسلب منه تلك الحقوق ليدرك تماماً أن وقت الوطنية والتفاني قد حان، ولابد أن تنتصر “إرادة الشعوب على الطغمة الحاكمة والمستبدة. والثورات لا تنتصر إلا بالوحدة الوطنية والأهداف السامية التي تعلو إلى الرفعة لنيل الكرامة.
فكوننا وطنيين بامتياز صنعنا تاريخاً جديداً مسطراً بدماء الوطنيين الشرفاء، فأي ثورة ناجحة بدون وطني شريف وأي وطني شريف لا يقتنع بثورة منتصرة قوامها القيم والأخلاق النبيلة.