سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عمر المختار أيقونة المقاومة وصوت الثورة

إلهامي المليجي_

في مطلع شبابه كان في رحلة إلى السودان على رأس قافلة تضم رفاقه في الرحلة، خرج عليهم أسد قطع عليهم الطريق، وكان لديه جِمَال، وكان يمكن أن يترك للأسد جملا، لكنه دافع عن الذين كانوا معه في الرحلة ضد الأسد، امتطى جواده، وأطلق النار صوب الأسد، وانطلق يطارده، ثم عاد لهم برأسه، ومن يومها لُقِبَ (أسد الصحراء).
 ومنطقتنا تزخر بنماذج مشرقة وملهمة مثل هذا الأسد، تقاوم الاستعمار بإخلاص، وتعمل على تثوير الجماهير لمقاومة الاحتلال والظلم والبغي.
 إنه الشهيد المناضل عمر المختار (1858-1931م) الذي تحل هذه الأيام الذكرى الثانية والتسعون لاستشهاده على أيدي الفاشيست الإيطاليين.
القائد المناضل عمر المختار تاريخ ممتد من النضال ضد الاستعمار، فقد قاد المواجهة ضد القوات البريطانية على الحدود المصرية – الليبية، في مناطق البردية، والسلوم، ومساعد، وخاض معركة السلوم عام 1908، كما شارك في القتال الذي نشب بين الحركة السنوسية، والقوات الفرنسية في المناطق الجنوبية في السودان، كذلك قاتل قوات الاستعمار الفرنسي في تشاد عام 1900.
لقد قاد القائد الثوري عمر المختار المقاومة في بلاده على مدى عقدين ونيف من الزمان، ولم تهن له عزيمة أو يتوقف عن النضال، وفي تشرين أول 1930 وبعد معركة ضارية بين القوات الإيطالية، والمجاهدين الليبيين، عثرت القوات الإيطالية على النظارة الطبية الخاصة بالقائد عمر المختار، كما عثروا على جواده مجندلا في ميدان المعركة، حينها أيقنت قوات الاحتلال أن عمر المختار مازال على قيد الحياة.
  في الحادي عشر من أيلول 1931 بعد معركة ضارية جرت وقائعها في اليوم نفسه بالقرب من مدينة البيضاء شرق ليبيا، قتل خلالها جواد المختار، وتحطمت نظارته، وحينما طالبه قادة القوات الفاشية الإيطالية بالاستسلام والكف عن مقاومتهم قال جملته المأثورة : “نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت “، وعقب ثلاثة أيام من اعتقاله في الرابع عشر من أيلول وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وأعلن على عجل عن انعقاد المحكمة الخاصة الصورية في الخامس عشر من سبتمبر، وفي الخامسة من مساء اليوم ذاته قضت المحكمة بإعدامه شنقا، وهو في الثالثة والسبعين من العمر.
في صباح اليوم التالي للمحاكمة أي في 16 أيلول 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق (جنوب بنغازي) لتنفيذ الحكم بإحضار أقسام الجيش والمليشيا والطيران، و20 ألفا من الأهالي، والمعتقلين السياسيين الليبيين، خصوصا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
في تمام التاسعة صباحا، تم إحضار القائد المجاهد عمر المختار مكبل الأيدي، وتوجه إلى منصة الإعدام، وهو ينطق الشهادتين، وصعد إلى حبل المشنقة لا يهاب موتا، ولا يستجدي أحدا، ومضى شهيدا، ومثلت قوة إرادته وصلابة موقفه وقوة حجته، التي تجلت أثناء المحاكمة وقودا للثورة، التي استمرت وازداد لهيبها بعد إعدامه، الذي كان يهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للثوار الليبيين، وانتهت الثورة بطرد المحتل الايطالي من ليبيا عام1951 م.
أصبح أسد الصحراء وشيخ المجاهدين، أيقونة للنضال ضد الاحتلال في منطقتنا، وملهما للثوار، حتى أن الثوار والتواقين للحرية والمقاومين للاحتلال في البلدان التي تعاني الاضطهاد والاحتلال مازالوا يرددون عباراته، “نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم، والأجيال التي تليه، أمَّا أنا، فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي، لا حق لأمة في احتلال أمم أخرى، يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا، صاحب الحق يعلو، وإن أسقطته منصة الإعدام. آفة القوة استضعاف الخصم، يستطيع المدفع إسكات صوتي، ولكنه لا يستطيع إلغاء حقي، حين يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال، إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية”.
بالفعل كانت حياته أطول من حياة شانقيه، إنها شفرة عربية لا يعرف حروفها هؤلاء المتوحشون، الذين ولغوا في الدماء دون أن يدركوا مفهوم انتصار الدم على السيف.