على تخوم الحدث.. الشائعات والخديعة التركية المكشوفة

إبراهيم بركات_

الشائعات أحد أهم أدوات الحرب النفسية التي يتم شنها على الشعوب، وفى كتابهما (علم نفس الشائعات) توصل العالمان “Allport & Postmann”، بعد دراسات كثيرة لقانون سرعة انتشار الشائعات، والذي يحدد قوة وسرعة انتشارها، يمكن تلخيصه بالمعادلة R=I*A حيث تعبّر R عن سرعة انتشار الشائعة، Rumor وI عن أهمية المعلومات، Importance وA عن مدى غموض المعلومات، Ambiguity، فكلما كان موضوع الشائعة مهم للرأي العام، وهناك غموض، يحيط بالمعلومات، التي تنشرها الشائعة، أدى هذا لانتشارها بسرعة.

فمع بداية الأحداث التي عصفت بسوريا عام 2011، دخلت تركيا كطرف في هذا الصراع، على الرغم من أن الأحداث، كانت في بداية اندلاعها، تعدّ شأناً داخلياً سورياً محصوراً بين الشعب السوري المنتفض من جهة، والنظام القمعي من جهة ثانية، غير أن هذا الشكل من الصراع لم يرق للنظام التركي، فبدأ بزج المندسين بين المتظاهرين السلميين، بغية تحويلها إلى صراع طائفي، وتأزيم الواقع لتهيئة المناخات؛ لتحويل تلك المظاهرات السلمية إلى صراع عسكري، ومن ثم إلى دموي، وتدمير ما يمكن تدميره في سوريا، حيث تم تدمير البنى التحتية، فقام النظام التركي وعملاؤه بسرقة المعامل، وآلاتها إلى الداخل التركي (حلب ومصانعها، ومعاملها الكبيرة والكثيرة نموذجاً)، بموازاة “بروبوغندا” دعاية إعلامية، وتسويق إشاعة، أن سقوط النظام السوري بات قاب قوسين أو أدنى، وقدم نفسه أنه الصديق الوفي، والمخلص للشعب السوري، وما يقوم به هو لمصلحة هذا الشعب، وتحت هذه الذريعة، تسلل النظام التركي عبر عملائه إلى مفاصل ما سميت وقتذاك بالمعارضة السورية، والتي خضعت منذ البداية لإملاءات أردوغان، بالتنسيق والتعاون مع النظام القطري، اللذين كانا يحددان شكل المعارضة وكيفية تأطيرها، وفق مصالحهم وأهدافهم.

كان توجه النظام التركي لدعم المرتزقة واضحاً، طالما هذا النظام يدرك ما يريد، ويعرف كيفية توجيه سلاح هؤلاء المرتزقة، فمع انطلاقة وتأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، حتى انطلقت الماكينة الإعلامية للنظام التركي، بنشر كل ما يسيء لهذه الإدارة، بموازاة تقديم الدعم بالمال، والسلاح للمجموعات المرتزقة مثل جبهة النصرة، وداعش، وشن هجمات بغية القضاء على هذه التجربة الديمقراطية الوليدة، والتي لاقت الترحيب من أبناء المنطقة ومن شعوبها كافة.

وفي منتصف عام 2015، ومع الانتصار التاريخي لمقاومة كوباني، ودحرها لداعش الإرهابي، بدأ النظام التركي بنشر الإشاعات والأكاذيب، مفادها: إن كرد سوريا يقومون بطرد سكان القرى العربية من قراهم، في ريف كري سبي/ تل أبيض؛ بغية إسكان الكرد بدلاً عنهم بهدف التغيير الديمغرافي، وقام ما يسمى “الائتلاف السوري” بتشكيل لجنة مهمتها جمع الوثائق والإثباتات لهذه الادعاءات الكاذبة، وما إن بدأت اللجنة مهامها، حتى تقدم خمسة من أعضائها باستقالاتهم منها، بعدما تأكد لهم أن هذه الاتهامات للكرد محض افتراء، بعد تواصلهم مع أبناء تلك القرى العربية، الذين أكدوا أنهم في قراهم آمنين، وليس هناك أي تهديد بترحيلهم.

من جهته لم يوفر النظام أي وسيلة لاستثمارها، في مهاجمة، وتشويه الإدارة الذاتية، وضخ ملايين الدولارات في سبيل ذلك، فباتت محاربة الإرهاب، العنوان العريض لكل استهدافات النظام التركي، والسوري لروج آفا، سواءً الاستهداف العسكري، والذي فشل وهُزم شر هزيمة، أو الاستهداف الإعلامي، وذلك من خلال ضخ الإشاعات والأخبار الكاذبة، وترهيب سكان روج آفا، بنشر مختلف الإشاعات تحت ذريعة وجود حزب العمال الكردستاني، على تخوم تركيا وتهديده للأمن القومي التركي.

والمعروف لدى القاصي والداني، أن حزب العمال الكردستاني يدافع عن حقه بشكل مشروع أمام هجمات النظام التركي عليه داخل باكور كردستان وتركيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، دون أن يستطيع هذا النظام، أن ينال من هذا الحزب قيد أنملة، وتالياً لا يمكن لحزب العمال نقل صراعه إلى خارج الحدود.

ولم يألُ هذا النظام جهداً في بث سموم شائعاته، وأكاذيبه بين الشعب في روج آفا، وبمختلف الوسائل والسبل، من زرع العملاء المأجورين إلى ترهيب وترويع الشعب، وإبقائه في حالة الترقب والذعر، كادعاءاته المتكررة، أنه سوف يهاجم مدينة قامشلو، وغيرها من المدن والمناطق الآمنة في شمال وشرق سوريا، كما أنه يلجأ إلى نشر الشائعات نفسها في الغرب متذرّعاً بحجة، قوات سوريا الديمقراطية قوات إرهابية، وغيرها من الذرائع والتهم، كما أنه يواجه برفض مطلق، مشاركة ممثلي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في أي تجمع سياسي يهدف لوضع حد للأزمة السورية.

لكن مستوى الوعي والتنظيم المجتمعي في شمال وشرق سوريا، بقي صامداً، ويسير نحو تحقيق المزيد من الإنجازات، وتطوير آليات عملها خدمة لمشروعها الوطني السوري، مهما استشرس أردوغان، هو وجوقته المرتزقة.