عفرين المقاومة صامدة… عفرين باقية والمحتلّون راحلون

حلب/ رامان آزاد –

---

“إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية هي نقطة البداية لحل الأزمة المستمرة منذ عشر سنوات”، على هذه الكلمات أجمع العديد من السوريين الذين حضروا ندوتين حواريتين منفصلتين في مدينة حلب وأخرى بريفها الشرقي حول عفرين وسبل حل الأزمة السورية.

تحت شعار “عفرين المقاومة صامدة، عفرين باقية والمحتلّون راحلون”، عقد مجلس سوريا الديمقراطي ندوة حواريّة موسّعة في مدينة حلب، تلاها ندوة مشابهة في بلدة فافين بمقاطعة الشهباء حيث يقطن الآلاف من مُهجري عفرين، وذلك بالتزامن مع السنوية الثالثة للعدوان التركيّ على عفرين.

بمحافظة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا سابقاً، عقدت ندوتان حواريّتان، الأولى يوم الإثنين 24/1/2021 في صالة “عفرين” بالمدينة، شارك فيها ممثلو الأحزاب والكتل السياسية وشخصيات سوريّة مستقلّة من محافظات سوريّة، كما حضرها ممثلو المنظمات الحقوقيّة والمدنيّة ورجال الدين ووجهاء عشائر عربيّة، وشخصيات اجتماعيّة.

كما حضر أربعة أطفال من ضحايا العدوان التركيّ على عفرين، وقد تعرّضوا لتشوّهاتٍ دائمة نتيجة استهداف آلة الحرب التركيّة لهم في عفرين، اثنان منهم أصيب وجههما بالحرق، فيما بُترت أحد أطراف الطفلين الآخرين.

والثانية تقام الأربعاء في بلدة فافين 20 كم شرقي المدنية، حيث يقطن أكثر من مئة وخمسين ألف مُهجر من أبناء عفرين.

قصة عفرين تختزل كامل الشمال السوري المحتل

تضمنت الندوتان محورين رئيسيين: الأول: “أطماع وأجندات الدولة التركية تاريخيّاً في المنطقة”، والثاني: “انتهاكات الدولة التركية ومرتزقتها حيال شعوب إقليم عفرين بمختلف شرائحها ومعتقداتها وانتماءاتها السياسية والبحث في سبل مواجهتها وكيفية معالجة تداعياتها السلبيّة على المنطقة”.

استهلت الندوة التي أقيمت في مدينة حلب بكلمة إجماليّة حول محوري الندوة والوضع الراهن ألقتها رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطيّة إلهام أحمد، وقالت: عندما نتناول موضوع عفرين نقصدُ كلَّ المناطقِ السوريّة التي تحتلها تركيا (جرابلس والباب وتل أبيض/ كري سبي، سري كانيه)، وفي عفرين كان التهجير القسريّ ونسف وضرب كل المعالم التاريخيّة الموجودة فيها”.

وتحدثت إلهام عن سياسةِ التتريك ومحو الثقافة الأصلية لسكان المنطقة، في إعادة لتاريخ العثمانيين الذين احتلوا المنطقة على مدى أربعة قرونٍ خلت باسم الإسلام. وما يحدث اليوم تغييرٌ للواقع الثقافيّ والعرقيّ وزرع للفتنة والفساد في المنطقة بغطاء وستار الدين الإسلامي.

منوهةً إلى سعي الاحتلال التركيّ عبر استغلال شعار الإسلام لإعادة الإمبراطورية العثمانية، وفرض الهيمنة على شعوب المنطقة، وجاء انسحاب القوات الروسيّة من عفرين قبيل العدوان بيوم دليلاً على توافق بين الطرفين، “الدول لا تهتم سوى لمصالحها”.

تركيا تسعى لتقسيم سوريا

عن تدخل الدولة التركية في الشأن السوريّ، قالت إلهام: “نتذكر تصريحات أردوغان في بداية الأزمة السورية أثناء المظاهرات التي انطلقت في بعض المدن السوريّة، ومحاولات تركيا التدخل بدعم الجهات المعارضة والسعي إلى السيطرة على الأراضي السورية باسم معارضة النظام السوريّ”. وأضافت: “رأينا فيما بعد تحول هذا الدعم إلى نوايا لتقسيم الأراضي السوريّة”، وفيما يتصل بالوضع الراهن أرجعت إلهام إلى أنه نتيجة مباشرة لاتفاقات بين تركيا وروسيا عبر نقل عناصر الأزمة إلى إدلب وشمال سوريا”.

وتطرقت إلهام أحمد إلى أنّ الدولة التركيّة تستند إلى ذرائع تتعلق بما تسميه “أمنها القوميّ” للتدخل في سوريا وأنّها “تحارب حزب العمال الكردستاني على حدودها”، وتساءلت: هل لحزبِ العمال الكردستانيّ وجودٌ في جزر اليونان وأرمينيا وفي ليبيا لتتدخل فيها؟ وهل هناك تهديد تتعرض له تركيا وأمنها الداخليّ لتنقل مرتزقتها من سوريا إلى ليبيا ليقاتلوا هناك؟”.

وأشارت إلهام إلى سلسلة الانتهاكات بكل أنواعها بحق أهالي عفرين من قبل الاحتلال التركيّ ومرتزقته وتضييق ظروفِ الحياة عليهم، واستمرار القصف التركيّ على الأهالي المهجرين قسراً، وآخر الوقائع استشهاد أربعة مواطنين قبل أيام، بالتوازي مع الظروف الصعبة التي يعيش فيها المهجرون قسراً من عفرين والحصار المفروض عليهم وانقطاع ضروريات الحياة، ما يخدم خطة أنقرة.

كما أشارت إلى وجود تسريبات تفيد بوجود لقاءات بين مسؤولين أمنيين أتراك مع الحكومة السوريّة.

وتحدث عضو منظمة حقوق الإنسان في عفرين – سوريا جبرائيل مصطفى في المحور الثاني الذي تضمن تقريراً مدعماً بالوثائق والإحصائيات حول مجمل الانتهاكات المرتكبة في عفرين خلال سنوات الاحتلال الثلاثة.

من ثم فتح باب النقاش وتقدم الاقتراحات وسبل وضع حلول للازمة السورية.

الإسلام السياسي خطر قائم

رئيس حزب النهضة والتغيير السوريّ مصطفى قلعجي ربط بين السياسة التركيّة والنظام العالميّ، واعتبر أن التركيّ مجرد أجير لديه، ولم يكن ليجرؤ على دخول الأراضي السوريّة لو وُجد مجرد علم أمريكيّ، “بدون أيّ وجود عسكريّ أمريكيّ”، وهذا ما أدى لاحتلال عفرين. ومشروعها متوافق عليه في إطار أستانا مع الشريكين الروسي والإيراني من جهة، والأمريكيّ من جهة ثانية، الذي يقوم بدورٍ يشبه لاعب القمار المتمرس، يدع الجميع ليلعب، وفي النهاية يأخذ مكاسب الطاولة كلها. وأضاف: “العلم التركي الذي يُرفع في عفرين هو نفسه الموجود في منطقة الباب وجرابلس، والأتراك هم من يديرون المنطقة في عفرين والمناطق الأخرى”.

وفي مداخلته، أشار عضو مجلس السلم والتعاون الإقليمي الدكتور أحمد درزي إلى أن تركيا أسند إليها دور لتنفيذ مخطط محدد على أنها تمثل ما يسمى الإسلام المعتدل المطعم بالديمقراطية، وفي الحقيقة هي الداعم الرئيسي لحركة أخوان المسلمين لخدمة مصالحها القومية، واستخدمت أدوات سوريّة للعدوان واحتلال مناطق في شمال سوريا.

الإعلامي جميل رشيد تحدث عن الأطماع التركيّة الاحتلاليّة والمشروع الإخوانيّ الذي ترعاه أنقرة في سوريا، والميثاق الملّي 1918 الذي تسعى أنقرة إلى إحيائه، “واستغلت أنقرة ما روّج له نظرية الإسلام المعتدل النظام العالمي على أنها الشكل الأمثل لتجسيده”. كما أشار إلى أهمية موقع تركيا في المشروع الأوراسيّ بالنسبة لروسيا.

التوافق السوري – السوري.. ضرورة

عضو حزب الإرادة الشعبيّة هاشم مستو، أشار إلى أطماع النظام الرأسمالي العالميّ وأسلوبه في خلق أزمات اقتصادية وسياسيّة في الدول، قال: “إنّ الحل السوري يعبر بقرار 2254 الذي يتضمن صياغة دستور جديد متوافق عليه، وهيئة حكم انتقاليّ للانتخابات”.

ونوّه مستو إلى تباين مواقف السوريين حيال الأزمة وأنّهم منقسمون عامودياً، بين من يعتبر أنّ الوجود التركيّ في سوريا احتلالاً، “وهو فعلاً احتلال، ومنهم من يعتبر أنّ إيران وروسيا هما احتلال، ومن يعتبر الوجود الأمريكيّ احتلالاً، ونحن ــ كحزب ــ نراه المحتل الحقيقيّ لسوريا”. وشدد مستو على ضرورة التوافق السوري ــ السوري لإنتاج سوريا جديدة وهي من تقرّر علاقاتها وتحدد العدو والصديق.

إنهاء الاحتلال نقطة البداية للحل

تمحورت مجمل المداخلات في المحور الثاني حول الانتهاكات التركية في عفرين بحق الأهالي الأصليين، الكرد، وعمليات الاختطاف والاعتقال التعسفيّ والفديات والتعذيب في أقبية السجون لدي الميليشيات الإخوانيّة التابعة للاحتلال، والتغيير الديمغرافي والاستيلاء على الممتلكات العامة والإتاوات المفروضة وسرقة المواسم وتتريك الثقافة العامة وبيئة المجتمع وصولاً إلى سرقة الآثار وتهريبها والمتاجرة بها. وأجمعت الكلمات على أنَّ إنهاء الاحتلال التركيّ وتحرير عفرين هو السبيل لإنهاء الانتهاكات واعتبارها جزءاً مهماً من حل الأزمة السوريّة، ما يتطلب تسخير كلّ الجهود الوطنيّة لهذا الهدف.

وفي الشهباء بفافين كان مجريات الندوة الحوارية مستمرة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ومن المقرر أن يتمخض عن هاتين الندوتين آراء وتوصيات حول المواضيع المحورية التي عُرضت للنقاش والحوار.

ويجدر بالذكر أن مجلس سوريا الديمقراطي يسعى منذ اشهر للتواصل مع مختلف التيارات السورية المؤمنة بالحل الديمقراطي في سوريا المستقبل، بهدف عقد مؤتمر جامع لقوى المعارضة، وفي تصريح سابق للرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطي رياض درار لصحيفتنا، توقع انتهاء التحضيرات لمثل هذا المؤتمر خلال مدة ستة أشهر كحد أقصى.

لذا تعتبر هذه الندوات التي يشارك فيها أحزاب سورية خارج مظلة الحكومة مهمة في سياق تقريب وجهات نظر السوريين تجاه قضايا جوهرية، من ضمنها توحيد الموقف الشعبي من الوجود التركي في سوريا واحتلالها للأرضي السورية.