سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عراقية ناجية من تفجير تحلم بالذهب في ألعاب باريس البارالمبية

في بداية مشوارها في رياضة كرة الطاولة، حذّر المقرّبون من نجلاء عماد أن الإعاقة ستُرهقها وتُحبط آمالها، لكن الشابة العراقية الناجية من تفجير حرمها من ساقيها وذراعها أصرّت على ملاحقة طموحها وباتت تأمل بإحراز ميدالية ذهبية، بعد تأهلها إلى الألعاب البارالمبية في باريس.
“وقتي كلّه مكرّس لكرة الطاولة، لأن هذه الرياضة غيّرت حياتي”، تقول الشابة البالغة من العمر 19 عاماً، وهي جالسة في مركز رياضي متهالك في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، وسط العراق، لوكالة فرانس برس. في الثالثة من عمرها، فقدت نجلاء ساقيها وذراعيها في 19 نيسان 2008، إثر تفجير عبوة ناسفة كانت تستهدف سيارة والدها العسكري المتقاعد.
بدا صوتُها هادئاً وهي تستذكر حادثة اختبرها كثيرون من جيل نشأ في بلد مزّقته حروب وعنف طائفي على مدى عقود.
أضافت نجلاء، الشابة السمراء صاحبة الشعر الأسود والابتسامة التي لا تفارقها سوى عندما تحمل المضرب الصغير “كانت اللعبة نقطة تحوّل بحياتي، بعدما كان تركيزي على الدراسة فقط”.
وتابعت: “في بادئ الأمر رأيت لاعبين آخرين من ذوي الإعاقة يمارسون الرياضة رغم أنهم فقدوا إحدى أطرافهم. كان لديهم الكثير من الطاقة الإيجابية، وقد شجّعني ذلك”.
“مفاجأة البطولة”
في العاشرة من عمرها، زار بيت أهلها مدرّب كان يُريد تشكيل فريق بارالمبي. بعد فترة تدريب استمرت ستة أشهر، حقّقت أول فوز في بطولة محلية لمحافظات العراق في بغداد.
في منزل العائلة، كدّست جوائز متعدّدة حققتها في بطولات دولية ومحلية، بينها ذهبية دورة الألعاب الآسيوية التي أُقيمت في الصين عام 2023. سبقها مشاركة في أولمبياد طوكيو صيف العام 2021.
تواصل نجلاء تمارينها أربعة أيام في الأسبوع، بينها اثنين في العاصمة بغداد حيث تذهب برفقة والدها. ومن أجل استعداد أفضل للبطولات الدولية، تسافر خارج البلاد لدول بينها قطر التي زارتها في آذار الماضي، بحثاً عن بنى تحتية رياضية أفضل ومعسكرات تدريب مفيدة، استعداداً للمشاركة في دورة الألعاب البارالمبية.
تحصل اللاعبة على دعمٍ مالي محدود من خلال راتب شهري نحو 500 ألف دينار (أكثر من 300 دولار أميركي)، تصرِفه اللجنة البارالمبية، بالإضافة لتغطية تكاليف بعض الرحلات. ولا تزال حياة نجلاء مرتبطة بمدينة بعقوبة ومركزها الرياضي، حيث الغرف الخرسانية وأخرى من مقطورات تقف وسط ساحة ترابية.
إحدى تلك الغرف المخصّصة لفريق المحافظة، تراكم فيها غبار وبدا زجاج نوافذها محطّماً. تتّسع بالكاد لأربع طاولات مخصّصة لتدريبات يشارك فيها ثمانية، بينهم نساء ورجال بينهم أحد المقعدين.
أكّد مدرّب الفريق حسام البياتي لفرانس برس إن “الطاولات التي نتمرّن عليها قديمة ومستعملة، قمنا بإصلاحها لنتدرّب عليها”، مضيفاً ان قاعة التدريب قد تُسحب منهم.
يقول المدرّب الذي انضم عام 2016 إلى المنتخب الوطني البارالمبي: “لدينا لاعبة ستمثل العراق بالأولمبياد وليس لدينا طاولة واحدة صالحة نلعب عليها. هذا خطأ”.
أما نائب رئيس اللجنة البارالمبية العراقية ورئيس اتحاد كرة الطاولة لذوي الاحتياجات الخاصة سمير الكردي، فيضيف: “نواجه الكثير من العقبات أثناء إعداد رياضيينا” كوننا “نفتقد لمراكز الإعداد المتخصّصة”، مؤكّداً في الوقت عينه بأن “هذا لا يمنع طموحنا بالحصول على ميداليات” في بعض الألعاب.
“تحدّت العالم”
ويستنكر متخصّصون مراراً ضعف البنى التحتية وقلّة دعم الرياضة في العراق، البلد الغني بثروته النفطية لكنه يعاني من فساد مستشرٍ.
ومع ذلك تعود أول مشاركة للجنة البارالمبية إلى العام 1992 في برشلونة. حقّق رياضيوها خصوصاً في رفع الاثقال وألعاب القوى 16 ميدالية ملوّنة بينها ثلاث ذهبيات.
تضع نجلاء قطعة قماش سوداء على ذراعها اليمنى قبل تثبيت طرف اصطناعي يساعدها للاستناد على عكازها. بيدها اليسرى، ترمي الكرة في الهواء لتضرب الإرسال.
تقول نجلاء أن عائلتها كانت معارضة في البداية: “لأن هذه الرياضة تتطلّب حركة وأنا افتقد ثلاثة أطراف وكنت صغيرة”.
تضيف: “أقاربي والمجتمع اعتبروا ان الأمر سيكون مرهقاً لي وأنني لن أحقق شيئاً”.
لكنها كانت تمتلك شغفاً لممارسة هذه اللعبة، حسبما ذكر والدها عماد لفتة الذي شعر بعد أوّل فوز حققته ابنته بأنه لا بدّ من دعمها.
قال الأب لسبعة أولاد: “نجلاء صمدت وتحدّت نفسها والعالم”، وتابع بسعادة: “نفسيتها تحسّنت مع ممارستها الرياضة، وكذلك نظرة المجتمع لها قد تغيّرت، أصبحت معروفة والفتيات يرغبن بالتقاط صور تذكارية معها”. وتخطّط نجلاء لدراسة الإعلام مستقبلاً لتصبح مقدّمة برامج.
أشار والد اللاعبة إلى أنها “عندما تسافر للمشاركة في البطولات تحرص على اصطحاب كتبها الدراسية معها للدراسة أثناء الاستراحة، حتى عندما نذهب إلى بغداد هي تدرس خلال الطريق”.
وأكّد هذا الأب الستيني بأن الهدف في باريس هو الذهب، قائلاً بثقة بأن نجلاء “عندما تعِد تفي بوعدها”.