عدوى انتشرت سريعاً… سر السقوط المتزامن للعملات العربية

بشكل غريب ومفاجئ، هبطت معظم العملات العربية خلال الأيام الماضية أمام الدولار الأمريكي؛ ما أدى لغياب واختفاء السلع من الأسواق، وتصاعد الغضب الشعبي، الذي عبرت عنه الاحتجاجات في بغداد، وتونس، واقتحام المصارف في لبنان، وغيرها وسط حديث عن مؤامرة، أو تحركات غريبة وراء هذا السقوط المتزامن في العملات… فما حقيقة هذا؟ وإلى أين تتجه العملات العربية؟

كان غريباً أن يتزامن انهيار الجنيه المصري، والسوداني مع سقوط الدينار العراقي، والليرة السورية واللبنانية أمام العملة الأمريكية، الغرابة ليست في السقوط بقدر ما هو في تزامن وتشابه عملية الانهيار، التي انتقلت بين العملات العربية بصورة أشبه بالعدوى سريعة الانتشار.

انهيار العملات العربية، طال حياة الناس اليومية، ووفقاً لتقارير فقد تعاني دول، مثل مصر وتونس، ولبنان، والعراق، والسودان، من ارتفاع نسب التضخم بصورة كبيرة، وانعكس ذلك على ارتفاع جنوني في أسعار كل شيء، وخاصةً المواد الغذائية، بحيث باتت الشكوى المستمرة، من قبل مواطني هذه الدول؛ أنهم غير قادرين على توفير احتياجات أسرهم من الغذاء.

وحسب مراقبين، فإن الأمر ربما ليس مصادفة، ولكنه جزء من صراع دولي وأزمة عالمية تهدد الاقتصادات، وخاصة الناشئة منها، وهو ما يجعل العملات العربية في مهب الريح خاصة في ظل كون معظم اقتصادات الدول العربية استهلاكية.

وقال رئيس منتدى التنمية، والقيمة المضافة بالقاهرة المستشار الاقتصادي، “أحمد خزيم” لوكالة هاوار إن: “العملة لأي بلد هي مخزن القيمة، التي تنتجها هذه الدول”، لافتاً إلى أن: “قيمة العملة تُقاس بقدرتها الشرائية”.

نظام عالمي جديد

وحسب خزيم، فإن: “تضارب العملات في العالم؛ نتيجة بوادر انهيار النظام العالمي القديم صاحب القطب الأوحد الأمريكي، وعملته الدولار، وتعثر ولادة النظام العالمي الجديد بقيادة الصين، وعملتها اليوان”.

وأشار خزيم إلى أن: “الكارثة تبدو أكبر في عملات الدول العربية؛ لعدة أسباب وفي مقدمتها ارتباط تلك العملات بالدولار في احتياطي بنوكها المركزية دون تنوع في الاحتياطي، وثانياً، غياب الديمقراطية والرقابة على الأداء الاقتصادي، بالإضافة إلى غياب الإنتاج والميزة التنافسية لتلك الدول، واعتماد معظمها على إيرادات عوائد المواد الخام، مثل النفط بدون تنمية بقية القطاعات، بالإضافة إلى ارتفاع فواتير الاستيراد بالدولار”.

ووفقاً لخزيم، فإن: “الأزمة الكبرى لعملات الدول العربية، أن كل تلك الأنظمة، ينتشر فيها الفساد؛ نتيجة الاعتماد على أهل الثقة، والولاء، والعشيرة، والأهل، وغياب الرقابة البرلمانية والمحاسبة، فضلاً عن تراجع الاقتصاد العالمي في النمو، وارتفاع التضخم في دول العالم الناتج عن الكثير من الأزمات، التي كانت؛ نتيجة الليبرالية الجديدة، وتوغل القرارات الأميركية؛ بهدف استنزاف دول العالم مع بعض الكوارث العالمية، مثل وباء كورونا، وتوتر النزاعات الدولية، وارتفاع الصرف المالي على تلك الأزمات بجانب الحرب التجارية بين الصين وأميركا، بالإضافة إلى العقوبات على روسيا، ومعظمها عقوبات اقتصادية مالية”.

ولفت إلى أن: “هذه الأسباب أدت لحدوث اضطراب للعملات كافة، ولكن الأزمة ظهرت تأثيراتها قوية في الدول العربية لغياب القيادات الاقتصادية الوطنية؛ نتيجة الصراع على الحكم بين أهل السياسة، ونتيجة غياب الحرية، وارتفاع منسوب القيود الأمنية، وبالتالي حدث انهيار؛ لمعظم اقتصاديات الدول العربية، التي أصبحت في معظمها دولاً استهلاكية، وسوق لمنتجات العالم”.

ليست مصادفة

وشدد خزيم إلى أن: “هذا الأمر ليس مصادفة، بل أمور مخطط لها؛ لاستنزاف موارد الدول العربية من باب غياب الديمقراطية عنها، وشهوة الحكم ما بين الممالك والجمهوريات”، وتبدوا في ذلك أن: “كارثة الدول العربية هي أن تقود السياسة الاقتصاد، وليس العكس، متوقعاً أن تدخل معظم الدول العربية إلى تلك الدائرة الجهنمية مع تزايد معدلات الفقر بين شعوب المنطقة، وظهور التوترات الداخلية، التي أصبحت موجودة بالفعل في معظم الدول العربية”.