عبد الرحمن منيف.. رحلة بحث عن المعرفة

إعداد/ دجوار أحمد آغا-

كاتب وأديب وروائي قل نظيره, تميز بعمله الأدبي الذي أبدع فيه من جهتين, فمن جهة مفرداته التي لها وقع ساحر في النفوس وتشد القارئ إلى متابعة قراءة الرواية وعدم تركها حتى الانتهاء منها، لما لها من جمالية وترابط وثيق, ومن جهة أخرى نبش من خلال رواياته في التاريخ العربي المعاصر, تاريخ التعذيب في السجون والمعتقلات العربية (شرق المتوسط), والتنبؤ بالثورات العربية (سباق المسافات الطويلة), تاريخ الصحراء واقتحام الغرب لها من خلال شركات التنقيب عن النفط وعلى وجه الخصوص في السعودية بشبه الجزيرة العربية (مدن الملح بأجزائها الخمسة “التيه, الأخدود, تقاسيم الليل والنهار, المُنْبَت, بادية الظلمات”)… إنه الروائي المبدع والمتميز الكبير الراحل عبد الرحمن منيف.

سيرته الذاتية

 ولد عبد الرحمن منيف في عام 1933 في عمان، لأب من نجد وأم عراقية. قضى المراحل الأولى مع العائلة المتنقلة بين دمشق وعمان وبعض المدن السعودية، أنهى دراسته الثانوية في العاصمة الأردنية والتحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952 ثم تابع دراسته في جامعة القاهرة ليحصل على الليسانس في الحقوق. في عام 1958 أكمل دراسته العليا في جامعة بلغراد، يوغسلافيا حيث حاز على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، اختصاص اقتصاديات النفط عام 1961 ثم استقر في بيروت حيث عمل في الصحافة “مجلة البلاغ ” لبضعة سنوات.

غادر بيروت عام 1975 ليستقر في بغداد، حيث عمل كخبير اقتصادي ومن ثم تولى إصدار مجلة تعنى باقتصاديات النفط وهي “النفط والتنمية” التي كان لها صدى كبير. استمر حتى عام 1981 حيث اندلعت الحرب العراقية الإيرانية. انتقل إلى باريس حيث تفرغ للكتابة الروائية بشكل كامل فكانت “مدن الملح ” بأجزائها الخمسة وهي من أهم نتاجاته. استقر في دمشق عام 1987 ليتابع الكتابة، متنقلاً بين دمشق وبيروت حتى وفاته في 24 /1/ 2004.

أجمع النقاد على الإشادة بالإرث الكبير المتميز والعظيم الذي خلفه منيف حيث كانت كتاباته تُعبر عن تُراث وقيم ومبادئ عربية أصيلة تستهوي القراء وتجذبهم لما فيها من معالجة أدبية تلامس شغاف القلب في سرد قضاياهم وهمومهم, أفراحهم وأحزانهم، بشكل بديع.

التنبؤ بالمستقبل… وثورات الشعوب

“شرق المتوسط” برع فيها منيف بشكل ملفت للنظر من حيث الأسلوب والحبكة والسرد الروائي المتميز لإظهار القهر والألم والانكسار الداخلي الذي يسببه التعذيب الوحشي داخل السجون العربية عبر تدمير الإنسان وتحطيم إرادته. كان لمنيف رؤية للمستقبل وهي نادراً ما نراها لدى الكتاب والأدباء العرب على وجه الخصوص, ففي روايته “سباق المسافات الطويلة” التي كتبها سنة 1979 يتنبأ بما ستؤول إليه البلاد العربية من خلال ثورة شعوبها والنتائج التي ستسفر عنها. أما مشروعه الروائي الأكبر كان “مدن الملح” التي تقصد تسميتها بهذا الاسم رغم أنه يتحدث فيها عن مدن النفط, ليلفت انتباهنا إلى أن هذه المدن هي من ملح، فإن هطلت عليها الامطار فهي ستذوب حتماً. كتب الناقد المعروف إلياس نصر الله دراسة نقدية حولها في منتهى الروعة تحت عنوان “السعودية وبدعة التاريخ البديل”.

يُعالج منيف في هذا المشروع الروائي الكبير بأجزائه الخمسة حدثين رئيسيين، هما الصحراء والنفط. كيف كان يعيش المجتمع في السعودية قبل اكتشاف النفط وما الذي تغير فيه بعد اكتشافه؟ يتحدث عن مدن عملاقة وناطحات سحاب وبنية تحتية ضخمة أدت إلى تسارع كبير في وتيرة تحول المجتمع البدوي صاحب العادات والتقاليد السامية والقيم والمبادئ الإنسانية، إلى مجتمع يخالف هذه القيم والعادات من خلال فتح شركات لإدارة مؤسسات استخراج وإنتاج النفط وتشغيل فتيات أجنبيات شبه عاريات فيها وهو ما يتناقض كلياً مع طبيعة المجتمع المحلي.

الشخصية الرئيسية في مدن الملح هو “متعب العذال” هذا الرجل الاستثنائي بكل المقاييس, الحالم كدون كيشوت يُدافع وبشدة عن أصالة القيم والمبادئ التي تربى عليها مجتمعه رافضاً التغيير والاستثمار الأمريكي لثروات بلاده معتبراً أن النفط أصبح نقمة على البلاد والعباد بدلاً من أن يكون نعمة لهم.

كانت لمنيف أقوال مشهورة أصبحت حكماً، نذكر منها على سبيل المثال :

ـ الناس فقدوا القدرة حتى على البكاء, إنهم يبكون بدموع تتساقط إلى الداخل, إنهم يبكون كل الوقت, حتى أثناء النوم.

ـ العرب أمة تعيش في الماضي, وإن التاريخ يلهمها أكثر مما يعلمها في الواقع, لذلك فهي لا تحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه وهذا هو السبب في تخلفها.

ـ لولا النسيان لمات الإنسان لكثرة ما يعرف, لمات من تخمة الهموم والعذاب والأفكار التي تجول في رأسه.

هذا غيض من فيض, فعبد الرحمن منيف لم يكن أديباً وروائياً فقط, بل كان مثقفاً إنسانياً يهتم بالقضايا المتعلقة بالأصالة والعراقة والقيم النبيلة التي تُبنى عليها المجتمعات, كان منيف يحمل قضايا شعبه العربي وهمومه عبر الشخصيات التي كان يصنعها في أعماله الفنية والأدبية.  

أهم أعمال عبد الرحمن منيف

ـ “الأشجار واغتيال مرزوق” 1973

ـ “قصة حب مجوسية” 1974

ـ “شرق المتوسط” 1975

ـ “حين تركنا الجسر” 1979

ـ “سباق المسافات الطويلة” 1979

ـ “عالم بلا خرائط” مع جبرا إبراهيم جبرا 1982

ـ “خماسية مدن الملح” – التيه1984, الأخدود1985, تقاسيم الليل و النهار1989, المُنْبَت1989, بادية الظلمات1989-.

ـ “الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى” 1991

ـ “أرض السواد”1999.