سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عائلة محمد كلو: سائرون على درب الكفاح الذي أناره لنا محمد

قامشلو/ دعاء يوسف –

أكدت عائلة الشهيد محمد كلو أن استهداف عائلة كلو هو عمل إرهابي بعيد عن الإنسانية، وأشارت إلى أن المحتل التركي لن يفرح كثيراً باستشهاد الشاب الكردي محمد، فعلى درب المقاومة؛ سار آلاف الشبيبة..
ليس هناك كلمة يمكن لها أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجرأ بعض الكلمات؛ لتحاول وصفه بشمعة تحترق ليحيا الآخرون، وإنسان يجعل من روحه جسراً، ليعبر شعبه للحرية، شمس تشرق إن حلّ ظلام الحرمان والاضطهاد، فتبقى آثارهم حاضرة، ولا تندفن أفكارهم، كما دفنت أجسادهم ظلماً وعدواناً، فالأمة التي تنسى عظماءها لا تستحق أن توجد.
وكما معروفٌ عن روج آفا، أن أرضها ارتوت بدماء أبنائها، الذين رسموا حدود جغرافيتها بدمائهم الطاهرة من أجل الحرية والكرامة، فهم من ضحوا بأنفسهم، وأروحهم من أجل قضية عادلة، فمنذ 40 عامًا، والشعب الكردي يقاتل ضد المحتلين من أجل حياة كريمة، وفي هذا النضال تم دفع أرواح كثيرة، ولا يزال يتم دفعها من أجل كردستان وقضية الشعوب، فاستشهد عشرات الآلاف من الأبرياء، ومنهم الشهيد محمد كلو، الذي أصبح صوت بلاده بروحه الثورية.
شهيد الحرية
وُلِد محمد كلو في 16 آب عام 2000 في قامشلو، وترعرع بين أفراد عائلة، عُرفت بالنضال والوطنية، فكان أصغر فرد في أسرته، واتسم بروح الثورة، فعرفته حركة التحرر الكردستانية منذ نعومة أظفاره، وأحبته كما أحبها، فلم يدخر روحه في معركة الوقوف ضد العنصرية والاستعلاء، والتمييز، التي استهدفت شعبه وهويته.
محمد كلو عشق الدراسة والمدرسة، وعدها السلاح الذي يحارب به الجهل والتمييز، الذي يُمارس على شعبه، ولكنه تخلى عن دراسته في عام 2014 مما لاقاه من ظلم وعنصرية بحق الطلاب الكرد، ليتخلى عن طموحه، ويسعى لينال الحرية، التي يجب أن يتمتع بها أقرانه في وطنٍ هم جزء منه، ليلتحق بصفوف وحدات حماية الشعب، ويكون فرداً من مقاتليها لمدة ست سنوات.
كما وسعى محمد كلو لإكمال حياته، والاستقرار ليستعد للزواج، ولكنه زف إلى قبره في 9 تشرين الأول 2021 بسبب هجوم طائرة مسيرة للمحتل التركي، والتي استشهد على إثرها الشخصية الوطنية، يوسف كلو، وحفيداه مظلوم ومحمد كلو، لتخسر العائلة ثلاثة مدنيين، ويتحولوا لنجوم تضيء في أذهان شعبنا المدافع عن قضيته، فمحمد كلو واحد من الذين أقتدوا، وساروا على خطا الشهداء؛ ليبرهن للعالم أنه مثال للتضحية والفداء من أجل حرية الوطن.
عاشق للوطن حالم بمستقبل أفضل
فكان لصحيفتنا لقاء مع والدة الشهيد محمد كلو “جيهان كلو” التي حدثتنا عن حب محمد لوطنه؛ لينال الشهادة على أرضه: “لقد نال ميدالية الكرامة، وحقق أسمى درجات الشهادة، وهو في ريعان شبابه، أحب هذا الوطن، وعشق الحرية لتحلق روحه خارج أسوار الظلم والعدوان، فشهادة ولدي رمز للفخر لنا”.
ونوهت جيهان إلى أن محمد كان شعلة للحقيقة: “محمد كان ذو شخصية اجتماعية، واعية للحقيقة، حالمة بمستقبل أفضل، فرغم عمره الصغير، كان ذا عقل كبير، وكان له بصمة في مجالات الحياة كلها، لست نادمة لسماحي له بالانخراط في النضال من أجل الحرية، ولكني أشعر بالحزن، وأنا أرى قاتله حراً طليقاً، يقتل الأبرياء دون حساب، وسط صمت عالمي قاتل، وكأن أرواح أطفالنا لعبة بين أيديهم”.
وبيَّنت جيهان أن محمد كان ذا شخصية مرحة لا تُنسى: “صورته ما زالت ترافقني، ضحكاته، كلماته، التي كان يرددها، وصوته الذي يملئ الأرجاء، محمد كتلة من المرح والمحبة، ولكنه نِعم الرجل في المواقف الصارمة”.
وأطلعتنا جيهان عن انضمام محمد لوحدات حماية الشعب: “بلغ من العمر 14 عاما، لينضم لوحدات حماية الشعب بمحض إرادته، فما كان مني إلا أن احترم قراره، وبعد أن انخرط في العمل، والنضال من أجل الحرية، وبقوته وروحه المتفانية، شارك في العديد من الحملات، كحملة، سري كانيه، وتل براك، وكوباني وعفرين، يقاتل في ساحات الحرب دون تعب مردداً (أنا والد شير لا أنحني أمام الأعداء)”.

شهداء الحرية لا يموتون
واستنكرت جيهان الاعتداءات التركية المحتلة على المدنيين وقالت: “هذه الاعتداءات تنفذها دولة فاشية، وإرهابية، تستهدف بها المدنيين، والهجوم الذي استهدف محمداً كان هجوماً وحشياً ليحطم قلوبنا، فشهادته جرح في صدري لن يندمل أبداً، وشهداء هذا الوطن كثيرون، جسدوا الشهادة بأبهى صورها، ولم يسمحوا أن يكون النصر للاحتلال، ونحن بدورنا لن ندعه يفرح كثيراً بقتل أولادنا، فبدمائهم الطاهرة، نروي هذه الأرض؛ لتنبت أشبال المستقبل، ويكملون الطريق عنهم، فبسيرنا على خطا محمد، وشهدائنا الأبطال، نصل للنصر”.
وأكدت جيهان مواصلة الطريق؛ لتحقيق حلم محمد بالحرية: “سأواصل السعي للحرية، التي كان يريدها صغيري، وسأرسم له ذلك العالم الأفضل، ليعيش غيره بسلام، كما كان يتمنى، فشهداء النضال من أجل الحرية لا يموتون، سيعيشون بحرية شعوبهم”.
وفي السياق ذاته حدثنا شقيق الشهيد محمد؛ باران كلو عن حياته مع شقيقه: “كانت علاقتي مع محمد صداقة حميمة، تشاركنا حب الأشياء نفسها، وتربينا على عشق الحرية، غير أن أخي محمداً، كان شخصية مرحة محبة للحياة وذات روح ثورية، لقد اُستشهد ولكن ترك بصمة لا تنسى أبداً، محمد دائماً كان يقول: “إن على الناس أن تكون أجراساً للثورة” ليصبح هو الجرس، الذي يجسد الشهادة وروح النضال”.
وتابع باران بقوله: “أصبحت ذكرى استشهاد محمد، محطة نتزوّد بها القوة، والعزم والإرادة، ونستشعر بها مسؤوليتنا للسير على هذه الطريق، التي نسعى لها جميعًا كبيرنا قبل صغيرنا”.
واختتم باران كلو حديثه مخاطباً روح محمد: “يا أخي الشهيد ستبقى خالدًا في صفحات التاريخ والوطن، وستبقى فينا ما حيينا، ولن يفرح المحتل بشهادتك، سنكون كالشوكة في أعينهم حتى ننتصر”.