سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

طريق “دمشق ـ أنقرة” سالك بصعوبة

عبد الرحمن ربوع_

ضغوط قويّة، وعلى عدة مسارات، تمارسها الحكومة التركية على حكومة دمشق لإبرام اتفاق عسكري ضمن صفقة متكاملة بين دمشق وأنقرة. صفقة تتضمن تطبيعًا للعلاقات بناءً على إجراءات متبادلة لا تبدو أنها في صالح السوريين بقدر ما هي، بكل وضوح، لصالح الأتراك.
لم توفر أنقرة أيًا من علاقاتها السياسية أو ثقلها الدبلوماسي للضغط على دمشق وبغداد وواشنطن وموسكو، لأجل السماح للجيش التركي بشن هجمات موسعة موسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية لاستكمال “الكردون الديمغرافي” الحدودي وإجلاء الكرد عن مناطقهم في أقصى شمال سوريا وتوطين سوريين آخرين عرب وتركمان محلهم. عبر ما سبق من عمليات: ما تسمى بـ درع الفرات (2016 ـ 2017) وغصن الزيتون (2018) ونبع السلام (2019).
وفيما تكرر واشطن عبر كل مسؤوليها ودبلوماسييها الدعوة لأنقرة للعدول عن هذا السيناريو “غير المسؤول” و”غير محسوب العواقب”؛ تسعى موسكو للدخول كطرف وسيط يقرب بين وجهات نظر أنقرة ودمشق، ويصل إلى أرضية مشتركة، لا يبدو أن من بين أهدافها مشاركة قوات من دمشق في أي عمل عسكري مع تركيا. وذلك لعدة أسباب تتعلق بالمصالح الروسية تحديدًا. وهي عدم رغبتها فتح جبهة جديدة غير الجبهة المفتوحة سلفًا في أوكرانيا. فضلاً عن التعقيدات المزمنة في الشرق الأوسط، وفي سوريا بالذات، حيث يتم البحث عن حلول أبعد ما تكون عن الاقتتال والحروب في بلد أنهكته الحرب على مدى ثلاثة عشر عامًا متواصلة.
ومن جهتها أيضًا لا تبدو طهران ومن خلفها بغداد، رغم كل الابتسامات والتصريحات الإيجابية، متحمستان لدعم أنقرة في مساعيها ضد الإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية. أو للاضطلاع بدور وساطة بين أنقرة ودمشق، دون أن يكون لدمشق مكاسب حقيقية، على رأسها رفع الغطاء عن المعارضة السورية والانسحاب الكلي والفوري من المناطق التي يحتلها الجيش التركي في سوريا. هذا فضلا عن انشغال إيران بالحرب بين إسرائيل وحماس في غزة وتطوراتها في اليمن ولبنان وسوريا. إضافة إلى انشغال طهران بإعادة ترتيب بيتها من الداخل عقب مصرع رئيسها، إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحيته بمقاطعة أذربيجان الشرقية في التاسع عشر من أيار الفائت.
في الواقع؛ لا تريد أنقرة، وتحديدًا لا يريد أردوغان، إقامة علاقات متوازنة مع سوريا. فأردوغان يعتبر بشار الأسد في ظرف لا يسمح بالمفاوضة أو المساومة. ويعتبر أن كل ما يقدمه له عليه قبوله شاكرًا حامدًا. وهذا بطبيعة الحال ما يرفضه الأسد الذي يعتبر نفسه في وضع أفضل، عقب انتصاره في الحرب الكونية، ومع عودة دمشق لجامعة الدول العربية وإعادة بعض الدول العربية افتتاح سفاراتها في دمشق. بالإضافة إلى استمرار الدعم السياسي الروسي الإيراني غير المحدود.
لكن الأسد ليس بهذه السذاجة، ويدرك حجم المأزق الذي يغرق فيه أردوغان، مع تراجع شعبيته وخسارة حزبه “العدالة والتنمية” الانتخابات البلدية الأخيرة في نيسان الفائت. فضلاً عن ذلك يدرك الأسد سبب “استموات” أردوغان للبحث عن حليف يشاركه هجمات احتلالية موسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية لإجهاض تجربة الإدارة الذاتية. هذه التجربة التي تترسخ وتقوى يومًا بعد يوم في شمال وشرق سوريا. وتصبح واقعًا مطلوبًا بقاؤه واستمراره مع كل نجاح تحققه على صعيد توفير الأمن والخدمات الأساسية رغم الحصار وكل المعوقات الخارجية والداخلية.