سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

طرقٌ مسدودة لحل الأزمة السورية ومسد بارقة الأمل

حمزة حرب_


تعيش الشعوب أحداثاً تاريخية تترك أثراً عميقاً في حياتها، ولكن قليلة هي الأحداث التي تضاهي مأساة الشعب السوري، الذي يعاني نزاعاً مستمراً غير مسبوق في تاريخه الحديث، فلا يزال المشهد السياسي في سوريا يقبع في مستنقع الأتون المختلفة والانسداد الكامل، الذي يعثر الجهود الأممية لحل الأزمة، التي طال أمدها، وذلك في ظل دمار شبه كامل لقطاعات حيوية هامة فاقمت المأساة السورية، التي بلغت ذروتها، وسط سياسة حكومة دمشق التائهة والرافضة لأي بوابة حل “سوري ـ سوري”، وسياستها المستمرة في التصميم على إنكار الآخر، والبحث عن سبل العودة لما قبل عام 2011 وإلى جانب حكومة دمشق هناك ما يسمى “معارضة” فعلاوة على إنها منقسمة على نفسها بحكم الانقسام، الذي تفرضه الدول الراعية لهذه المعارضة، فهي باتت رهينة بيد دول أخرى تلبي تطلعاتها وترهن مصيرها لمصالح ضيقة، والدليل على ذلك أنها لم تنجح حتى الآن في تكوين جسم سياسي متماسك يمكن التعامل معه على المستوى الدولي، في المقابل وعلى الضفة الأخرى عمل مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” الذي يرى فيه معظم السوريون نواة حلٍ وطاولة حوارٍ تجمع أطياف الشعب السوري على طاولة حوارٍ، وفتح الباب على مصراعيه لاستقبال الشعب السوري بتوجهاته وانتماءاته ومشاربه كافة لإيجاد حلٍ “سوري ـ سوري” جامع بعيداً عما يُملى عليه من الخارج.
أرقامٌ مرعبة تبين مأساة حياة السوريين
بقيت الأمم المتحدة تتحدث عن أرقام وتوثيقات وصفت بالمرعبة عن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في سوريا، والذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ اندلاع الأزمة إذ يحتاج كل أربعة أشخاص للإغاثة، ويعاني أكثر من نصف السكان من الجوع، وتكافح مجتمعات بأسرها من أجل البقاء ويحدث ذلك في وقت انخفض فيه تمويل الجهود الإنسانية إلى أقل مستوياته على الإطلاق.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كان قد تحدث في بيانٍ صادرٍ عن المنظمة الدولية عن أن ما يقرب من نصف سكان فترة ما قبل الحرب في سوريا، ما زالوا نازحين داخل سوريا أو لاجئين خارجها لأسباب عديدة على رأسها الاحتجاز التعسفي، والسجن الجماعي، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، وهذا ما يمثل عقبة أمام السلام الدائم في سوريا.
بل أكثر من ذلك ساهمت الصفقات والمقايضات التي جرت برعاية روسية بين حكومة دمشق ودولة الاحتلال التركي الى مفاقمة المعاناة، وعملت على ترسيخ الاحتلال، وتغيير ديمغرافية مناطق عديدة كعفرين المحتلة، وسري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي وغيرها الكثير من المدن والبلدات، وعلى الرغم من بروز عدم حالة الوفاق إلا إن الاجتماعات الأمنية والعسكرية لا زالت قائمة بين الجانبين وكان آخرها لقاءٌ جمع الطرفين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية لتطفو على السطح مؤشرات صفقة جديدة على حساب السوريين. هذه المعاناة يفاقمها تدهور قيمة الليرة وخسارتها نحو 130% من قيمتها، مع بداية العام الحالي مقابل سعر صرف العملات الأجنبية بحسب ما بينه موقع “تريدنغ ايكونومي”، الذي أوضح ان معدل التضخم خلال الربع الأخير من العام الماضي ارتفع إلى 150%، بينما وصل مؤشر القوة الشرائية إلى درجة منخفضة جدا بلغت 4.21%، تبعه تراجع مؤشر قياس جودة الحياة بشكل عام إلى درجة الصفر، وفقا لقاعدة البيانات “نامبيو” لقياس جودة الحياة في دول العالم.
وبلغة الأرقام أيضاً؛ فإن متوسط الرواتب والأجور الحالي لدى حكومة دمشق لا يغطي أكثر من سبعة بالمائة فقط من تكلفة الحصة الغذائية الشهرية للمواد الأساسية، بعد أن ارتفعت أسعارها بنسبة 100% للخبز، ومن 55% إلى 80% بالنسبة للخضار، ومن 10% إلى 38% بالنسبة للحوم البيضاء، ووصل سعر الكيلوغرام من لحم الخروف إلى 285 ألف ليرة ما يعادل قيمة راتب شهر بالنسبة لعامل حكومي، حسب مؤشر “بزنس اثنان بزنس” لأسعار السلع في سوريا.
وفي مقاربة بسيطة بين أسعار اللحوم والحد الأدنى للأجور، سيحتاج العامل من الشريحة الدنيا في القطاع الحكومي، في المتوسط، إلى 140 ساعة عمل لتأمين كيلوغرام من اللحوم الحمراء، وإلى 80 ساعة عمل لشراء دجاجة مشوية بينما على الضفة الأخرى هناك تجار الحرب، والمتنفذون عند حكومة دمشق والمجموعات المتطرفة، والمرتزقة ينعمون بحياةٍ مترفة يسودها البذخ والرفاه على حساب السوريين، الذين تفتك بهم المآسي من كل حدبٍ وصوب. لذا؛ فإن هؤلاء يعرقلون أي مسعى للحل في البلاد كونهم يقتاتون على هذا الصراع ويزيدون من ثرواتهم بل وينفذون أجندات دولٍ خارجية غير آبهين بأي دعوة داخلية لإمكانية إيجاد صيغة توافقية تنهي هذه المعاناة.
أزمة السوريين معاناةٌ مستمرة بلا أفق
الأزمة السورية التي لم يشهد لها تاريخ البلاد الحديث مثيلاً قط، أدت إلى نزوح تهجير ما يقارب نصف عدد سكان البلاد، وأصبح أكثر من 12 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية داخل البلاد أو في المناطق المجاورة، اللاجئون السوريون باتوا يشكلون واحدة من أكبر المجموعات المهجرة في العالم، وبقوا إلى يومنا الحاضر ورقة مساومة وابتزاز يلعب فيها المجتمع الدولي على طاولة المساومات والمصالح.
معاناة السوريين لا تقتصر على النزوح وحده، بل تتعداه إلى أوضاع إنسانية صعبة تشمل نقصاً في الخدمات الأساسية مثل الماء والغذاء والدواء في معاناةٍ مستمرة تفتقد لأفق الحل مع تعنت العديد من الأطراف، وانتهاجهم سياسة نكران الآخر، التي قادت البلاد في نهاية المطاف الى مستنقع اللا حل واللا توافق.
مراقبون يرون أن معاناة السوريين، ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل هي قصة حقيقية لأشخاص يعانون، ويتحملون أعباء كبيرة نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية التي لم يكن لديهم أي تحكم فيها، وهذا ما وضعهم أمام تحدٍّ هائل يتطلب من العالم بأسره تضافر الجهود لتقديم الدعم والمساعدة للشعب السوري، ليتمكن من إعادة بناء وطنهم وبناء مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.
تقديرات “الأمم المتحدة” أشارت إلى أنه للمرة الأولى منذ بداية الأزمة، يعاني السوريون في جميع أنحاء سوريا درجة متدنية من درجات “المعاناة الإنسانية”. رغم أن الظروف لا تزال غير آمنة، إلا أن تركيا ولبنان المضيفتين للاجئين، رحّلتا بشكل غير قانوني آلاف السوريين إلى سوريا التي تعاني تدهور الظروف الاقتصادية وانعدام الأمن السائد
التقرير الأممي بين أن قوى الأمن التابعة لحكومة دمشق واصلت الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وإساءة معاملة الناس في أنحاء البلاد كما عملت بشكل غير قانوني على مصادرة الممتلكات وتقييد عودة السوريين إلى مناطقهم الأصلية، وعلى رغم إقرار قانون يجرم التعذيب في آذار 2022، استمر التعذيب وسوء المعاملة في المرافق الحكومية وتم توثيق وفيات أثناء الاحتجاز، وفقا لتقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية التابعة للأمم المتحدة”.
بينما يبقى واقع الحال في مناطق الاحتلال التركي أقسى وأمر بفعل ارتكاب المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي انتهاكات عديدة ضد آلاف الأشخاص، مع إفلات من العقاب. شملت الانتهاكات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والإخفاء القسري، والتعذيب وسوء المعاملة، والعنف الجنسي، والمحاكمات العسكرية غير العادلة.  علاوة على إيواء دولة الاحتلال كل متزعمي مرتزقة داعش الإرهابي في المناطق المحتلة وجعلها بؤرة يتحرك فيها المرتزقة بأريحية تامة لزعزعة أمن واستقرار المناطق السورية الأخرى ومقتل متزعم مرتزقة داعش المدعو أسامة محمد إبراهيم الجنابي في مستوطنة داخل عفرين المحتلة، لهو دليل آخر على تورط دولة الاحتلال التركي في رعايتها للتنظيمات الإرهابية والمرتزقة وهذا ما فاقم المعاناة وعقد مسار الحل.
مسد بارقة أمل لحل الأزمة
طالما سعت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا النأي بالنفس عن مثل هذه الصفقات المشبوهة على حساب السوريين، وعملت على حماية نفسها وإدارة مواردها ومكتسباتها، التي حققتها بعد أن حررت الأراضي، التي تديرها اليوم من براثن مرتزقة داعش وأن تصب هذه المكتسبات في صالح شعوب المنطقة، وهذا ما يجعلها في مرمى الأطراف التي تبحث عن مكاسبها على حساب السوريين.
بينما عمل مجلس سوريا الديمقراطية على الدوام لطرح مسار يتوافق عليه السوريون باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وهو الحوار السوري ـ السوري، الذي سيكون ركيزة حلٍ تنهي هذه المعاناة وتُخرج السوريين من عباءة الاستغلال والمتاجرة بمصيرهم وحققت أشواط هامة على هذا المضمار.
 الدكتور محمود المسلط الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، تطرق في بيانٍ صادرٍ بين، إنه” لن يصنع الحلول للأزمة السورية إلا السوريون بتوافقهم”، وذلك خلال ندوة حوارية بعنوان “رؤية مجلس سوريا الديمقراطية للحل السياسي في سوريا”.
فالسوريون اليوم في حالة انقسام سياسي ومجتمعي وبلا تمثيل سياسي كامل. لذا؛ سعى مجلس سوريا الديمقراطية للحوار السوري – السوري، كي ينتج هيئة سياسية وطنية تستطيع تحقيق التوافق والحل وتحمل على عاتقها أهمية تشكيل الهوية الوطنية الجامعة وتوحيد الرؤى وفق القرارات الدولية ذات الصلة للوصول إلى حلٍّ سياسي سلمي، وإخراج الملف السوري من المستنقع الذي فرضته عليه القوى الإقليمية.
متابعون للشأن السياسي يرون أن هناك بارقة أمل الوحيدة للسوريين، هي القوى السياسية والمجتمعية العاملة على الأرض وليست الدول الخارجية والمصالح الإقليمية، وهو ما يؤكده مسد الذي يدعم تشكيل لجان عملٍ وطني يكون لها دور في التنسيق والوصول لرؤى مشتركة وفق إطار جماعي منظّم وهادف تستند إلى مبادئ يتوافق عليها جميع السوريين منها وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
فمجلس سوريا الديمقراطية “مسد” كان قد طرح خارطة طريق لحل الأزمة السورية، وذلك خلال مؤتمره الرابع الذي عقد في مدينة الرقة وشملت الخارطة المطروحة تسعة إجراءات تمهيدية لبناء الثقة في الحل السياسي على رأسها إعلان وقف إطلاق نار شامل، وإيقاف الهجمات العسكرية الخارجية على الأراضي السورية بإشراف ومراقبة دولية مع الاستمرار بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وإنهاء الاحتلالات وإخراج القوات الأجنبية من الأراضي السورية.
وتضمنت خارطة طريق مسد تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة، وإيقاف العمل بالدستور الحالي وإعلان مبادئ دستورية، وتشكيل لجنة لصياغة مشروع دستور ديمقراطي توافقي جديد، من أجل التقدم بخطوات للحل كما شدد المجلس على ضرورة رفض الحل العسكري والتركيز على الحوار السياسي الديمقراطي كطريق أساسي للحل وفق القرار الأممي 2254، والارتكاز على أن يكون الحل سوري – سوري عبر الحوار والتفاوض المباشر وفق القرارات الأممية ذات الصلة برعاية وضمانة دولية.
وعلى الرغم من الدعوات والمطالبات من مسد إلا أن حكومة دمشق وضعت العصي في عجلة أي حوارٍ بناءٍ. لذا؛ بات من الضروري اليوم الضغط عليها للدفع نحو حل شامل للأزمة السورية، وحثها على الالتفات إلى الإدارة الذاتية لأنها نواة حلٍ شاملٍ بمشروعٍ وطني سوري جامع سيخرج البلاد برمتها من عنق الزجاجة.