ضفاف المعرفة / المجموعة الشعرية: منك تغار النساء الشاعر: أحمد محمد اليوسف

عبد الرحمن محمد –

هي منبج نبع الشعراء الذي لا ينضب، فاض بها الشعر كما فاضت ينابيعها بالماء الزلال، ووهبت من حولها الخير والثمر والغلال، وما زال أبناؤها يُفطمون على الشعر، وتجود قرائحهم بأجود ما يمكن من القصيد.
في مجموعته الشعرية «منك تغار النساء» وبعنوانها الذي يحمل الكثير بمفردتين أو عالمين من الغرابة والتساؤل والعمق الروحي والفلسفي، ولربما أدرك الشاعر الشيء الكثير من هذين العالمين «الغيرة والمرأة» فجمع بينهما وإن كانت الغيرة أولى خصال المرأة بغض النظر عن تفاصيل تلك الغيرة ومدلولاتها.
ما يقارب الستين قصيدة تغفو بين دفتي المجموعة، وإن رُمت ايقاظها بتقليب الصفحات فإن عناوين عدة قد تهمسُ لك بضرورة قراءته، ففي كل عنوان تختبئ قصة حب ومعاناة انسان، ونجوى عاشق، وبوح مهاجر يبث حنينه للوطن، ويبقى للقارئ أن يتحول لفراشة كي يتمكن من التجول عبر حدائق أحمد اليوسف الغَناء.
النجوى والمعاناة والقلق والاغتراب مفردات شاعر رقيق الاحساس مرهف المشاعر نجدها في قصائد اليوسف، لتتحول بعض الأحايين إلى قسوة تعكس حجم الألم المتسرب إلى أحشاء الإنسان المشبع بالحب والشوق والاغتراب، في أكثر من مكان وزمان وقصيدة. وها نحن نرى طغيان الحزن على قصيدة بعنوان «في محراب الحزن» وكأنما أضحى الحزن معبداً لا يفارقه الشاعر المتعبد فيه:
حَسبي آتيك أحزاني أهدهـــدها
وفي تجاعيدِ وجهي ظاهرٌ ألمي
أبوح والخوف يبكيني ويشعرُ بي
لله درك مــــــاذا قلت يا قلـــــمي
تناثر الأمل المهزوم في حـــــلمي
يا مالكَ القلبِ هل ما زلتَ تذكرني.
إنه بوح شاعر هزمهُ الحب وأضناه الشوق، وقد تاه منه الطريق وبَعُدَ المرسى عن عيون الربان، لكن الهم الأكبر والحزن الطاغي يبقى هم الوطن والحزن على ما آل اليه، والعابثين بأقداره كُثر؛ والموت والدمار محيق بكل ما حوله، وفي صور قلَّ نظيرها نراه يبث أوجاعه عبر نزف قلمه في قصيدة بعنوان «منبج»:
أهلي هناك بأرض الموت مسكنهم
كم من قتيل بها لم يدركِ الســـــببا
حيث الدماء تغطي الأرض أجمعها
والطائرات صـــــغيري ظنها لعباً
فأمطرتهم بنــــــــــار لا مثيل لها
فظن أشلاء من قُتلــــــوا بها عِنبا.
ولا ينسى ابن منبج اليوسف إنه سوري؛ وكم من مرة يذكرنا بذلك؛ وهو الشغوف بحبه لأرضه وأبناء وطنه، على مختلف مشاربهم وإثنياتهم وميولهم، ويرى في عطر الياسمين ما يجمع قلوب السوريين وإن الشام ما فتئت تعني الجزيرة والفرات وحوران، ويبث سوريا حبه عبر حروف منمقة في قصيدة بعنوان «أشم عصرك»:
أنا أحبك يا ورداً يغازلني
وكلُ سؤلي يا ملاكي أن تحبيني
يا شامُ مثلك قلبي ســـاهر قلقٌ
والياسمين صباحاً كَم ينـــاديني.
المجموعة الشعرية «منك تغار النساء» جاءت في مئة صفحة من القطع الوسط وبغلاف مؤنق جميل صممه كنان أنور رشيد، وصدر عن دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع، وهي مجموعة شعرية وجدانية وقصائد حب للوطن بكل ما فيه وبوح انسان يفيض بالألم والمعاناة والحب.
والشاعر أحمد اليوسف من مواليد منبج 1987م، حاصل على إجازة باللغة العربية من الجامعة اللبنانية، عضو في رابطة الشعراء العرب، عضو في التجمع العالمي للأدباء العرب، له مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان «منك تغار النساء»، ومجموعة شعرية بعنوان «لك الورد غنى». يكتب الشعر العمودي والتفعيلة ويغلب على قصائده الطابع الوجداني، وقصائد وطنية تتسم بسلاسة المفردات وعذوبة الكلمة.