سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ضفاف المعرفة/ المجموعة الشعرية: كطفل يشتهي/ الشاعر: حكمت داوود

عبدالرحمن محمد –

في طقوس شعرية تكاد تشبه كل ما حولها من طقوس النسك الشعري، والرهبانية الأدبية والتعبد في معابد الحروف والكلمات، يطل الشاعر حكمت داوود علينا من خلال باكورة أعماله الشعرية التي جاءت بعنوان “كطفل يشتهي”.
في هذه المجموعة التي تحمل الكثير من الوجع والهم الذاتي الذي يختلط بالهمّ الجماعي والطابع العام الذي تمتزج فيه الهموم وتتكالب فيه الأوجاع العامة والخاصة حتى يذوب الأنا في الكل، وبتأثر واضح بمن يحيطون به من الجوار ممن قرأ لهم وتأثر بهم يسرد حكمت داوود حكاياته المزدانة برؤية فلسفية شاملة يبدو فيها تأثير قراءته لجبران، ودقائق ونقوش يومية شيقة قريبة لما كتبه الماغوط، لتتشكل لوحة جديدة يرسم ملامحها حكمت داوود بريشته هو، وكما يرى أبعادها ويحدد ألوانها وملامحها:
“لا تطفئ
مَصابيحك الأخيرة
حتى لو نمت
فأحلامك لن تنام
………….
لا ترمِ
بطعمك الأخير
في البحيرة
فقد تصطاد غداً
…………..
لا تمحُ
آثار خطوك
فقد يكون هناك
مسير من بعدك”
في هذه الـ لاءات التي يعنون بها داوود قصيدته، نرى تلك الروح الحالمة بفضاءاتها الفلسفية، والحكمة والروية في زمن بات فيه الجنون والتمرد طاغياً، وتتوضح روح الاتزان والروية في مفردات قصائده، حتى تلك التي جاءت سريعة الوقع قليلة الكلمات جليلة المعاني، ويعتمد فيها الوقع الدقيق والحركة المتفحصة بعين الرقيب العارف، وينتقي ألوان كلماته ويوزعها بدراية وعناية، ومن خلال تلك المسافات التي ترسمها ريشته بين الكلمة والأخرى واللون وما يتلوه تظهر بعض المفاجآت وتظهر ملكاته الشعرية في البلاغة والصورة والمفردة كيف ومتى وأين يسوقها:
“مورقةٌ أنت
تضيئين كبيارة تتلألأ
من همسِ العاشقين
لا عصفورُ التين مني
يهدأ
ولا تفاحك
من نقري يلين
……….
ألج أكثر دفئك
صهيلاً
وأخبو
بأكثر من حنين
لا سنابك خيلي تملُّ
ولا رمل مضمارك
يحين”.
هكذا يصوغ القصيدة ينحت قوامها الممشوق، ويجعلها آلهة في معبد الحروف ومن ثم يخيط لها من بهي اللباس أثواباً تناسبها، ويزين قامتها بجميل الحرف وعميق المعنى، حالهُ حال الكثيرين ممن يتقاسم معهم تراب وهواء وعطر الياسمين الدمشقي، ومن تتلون جباههم بألوان بيادر القمح في الجزيرة، ويحملون أصالة ووفاء زيتون عفرين، إنه ابن الأرض التي هو من رحمها وهي من عينيه تستمد نورها ومن عزمه يلين حجرها:
“غداً
ستغدو الينابيع أكثر تدفقاً
ويرجع الوطن المسافر
في الحقائب
غداً سأحبك أكثر
ونفرش للآتي حدائق”
اللغة التي يتناول فيها حكمت داوود موضوعاته لغة لصيقة بالحياة نابعة من الحراك اليومي والتعمق الفلسفي والفكري الذي ينم عن ثقافة واسعة للشاعر، فلا هي لغة ركيكة مستسهلة ولا هي لغة معجمية معقدة تحير القارئ وتشعره بالعجز، لذلك فان القصائد تأتي على سجيتها ولها الحرية في أن تطيل من قامتها وأن تقصر من إطلالتها ولا ينقص ذلك من قيمة قصيدته ففي مطولاته لا رتابة نجدها وفي “فلاشاته” الشعرية قصص وحكايات مطولة يختصرها في كلمات:
“الربع الخالي
في جسد الوطن العربي
هو الرأس”
هي قصيدة بعنوان “جغرافيا” لكنها في كلماتها الثمانية تروي روايات عن التخلف والمرض والجهل الذي خيَّم على الوطن العربي لأسباب وأسباب قد لا تكفي معاجم ودراسات لشرحها ويوجزها داوود في كلمات معدودة، وتلك خصلة لا يتمكن من الاستحواذ عليها إلا شاعر فطن أو كاتب متمرس.
المجموعة الشعرية تضم 120 صفحة من القطع الوسط وهي صادره عن دار “نحن” بدمشق وتصميم الغلاف للفنان باسم صباغ، والشاعر حكمت داوود شاعر من مواليد قامشلو 1965، له ديوان شعري آخر بعنوان “جديلة قرب النهر”، وهو مصمم ملابس لعشرات الأعمال التلفزيونية الدرامية ويعمل في الإخراج التلفزيوني وفنان تشكيلي أقام عدة معارض رسم في عدة دول وحصل على العديد من الجوائز في سوريا والخارج.