سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

صور على الجدران وأرواح في السماء.. أناروا العتمة بشهادتهم

الحسكة/ محمد حمود ـ

لا زالت ذكراهم تلوح بالأفق هنا وهناك، وبصمتهم خالدة في أزقة ناحية “تل تمر”، الواقعة شمال غرب مدينة “الحسكة”، فقصة نضالهم ومقاومتهم، لا تزال تروى في كل منزل هناك.
إنهم مجموعة من الأبطال الذين طالتهم يد العدوان الآثم منذ عامين، ففي التاسع عشر من شهر آب لعام 2021، ارتقى كل من “عكيد كركي لكي، سوسن بيرهات، سيف الله أحمد، وروبار حسكة”، شهداء، بفعل مسيّرة تابعة للاحتلال التركي، قد استهدفت مبنى العلاقات العسكرية لمجلس تل تمر.
وقد تزامن استشهاد قادة مجلس تل تمر العسكري باستشهاد رفيقهم القيادي “ريناس روج”، من خلال استهداف سيارته على طريق قامشلو في اليوم نفسه.
وبعد العملية الإرهابية بأسبوعين، وتحديداً في السابع من شهر أيلول للعام ذاته، بدأت ملامح الانتقام، حيث تسلل مقاتلو مجلس باب العسكري إلى قاعدة دولة الاحتلال التركي في قرية “الياشلي”، فقاموا بعملية عسكرية نوعية، وعطلوا كاميرات المراقبة؛ ما أدى لتدمير القاعدة التي كانت تحوي خمسين جندياً تابعاً لدولة الاحتلال التركي ومرتزقته، إضافةً لعدد كبير من الدبابات والمدرعات، الأمر الذي أوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوفهم.
حملة القسم
وانتقاماً للشهداء، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية عملية عسكرية بعنوان “حملة القسم”، ضد عملاء دولة الاحتلال التركي وأعوانها، بتاريخ 31 تموز لعام 2022، وتمكنت من إلقاء القبض على 36 عميلاً تابعاً لدولة الاحتلال التركي، والقبض على خلية الجواسيس، ممن جمعوا المعلومات، ورصدوا تحركات الشهداء، وقاموا بتقديمها للاستخبارات التابعة للمحتل التركي، وتسببوا باستشهاد أبطال تل تمر، بتوجيه من المحتل التركي آنذاك، فيما تمّ تحويلهم إلى الأجهزة القضائية المختصة، لينالوا جزاء أفعالهم الإجرامية.
تخليداً لذكراهم
وتخليداً لذكراهم ومقاومتهم في مجابهة الاحتلال التركي، حوَّل مجلس تل تمر العسكري مبنى العلاقات، الذي استهدفه المحتل التركي، إلى حديقة سميت بأسمائهم، ورسم صورهم على الجدار القائم في المبنى آنذاك، من قبل مجموعة من الفنانين، والذي دمره قصف الاحتلال التركي، بالإضافة لإصدار أغنية من تأليف مركز الثقافة والفن في تل تمر لاستذكار الشهداء، ناهيك عن تسمية أكاديمية الشهيد “عكيد جيلو” بالحسكة، والتي خُرّجت خيرة المعلمين، بأسماء الشهداء.
رفاق الدرب والسلاح
وهناك أحاديث طويلة عن الشهداء لدى رفاقهم، وحول تجمعهم بجبهات المقاومة، ببعد أمتار قليلة من جيش الاحتلال التركي ومرتزقته.
فالقيادي بمجلس تل تمر العسكري “دمهات سري كانيه”، استذكر رفاقه: “قبل عامين، طالت يد الخيانة مركز العلاقات، ليستشهد على إثرها قادتنا، فقد كانت حادثة مؤلمة جداً لنا، فكل رفيق يستشهد، وتطاله يد الخيانة يزيدنا إصراراً على متابعة طريقه والسير على خطاه”.
وأكد، بأن رسالتهم واضحة وتتكرر كل عام، بتمسكهم بالأمل والسير على خطاهم: “دائماً نعاهد أنفسنا بالانتقام لأجلهم”.
وأما المقاتلة في مجلس تل تمر العسكري “نودم سري كانيه”، فقالت: “نعم، تأثرنا باستشهاد قائدتنا، ولكن، لا زلنا نسير على خطاها، ولا نزال نتحمّل المسؤوليات والثقة التي منحونا إياها، وسنستمر بالمضي على دربهم ووفق تعليماتهم”.
وأضافت: “لقد تعرفت على الشهيدة “سوسن”، أثناء انضمامي للقوات العسكرية، عام 2020”.
وأشارت: “في الحقيقة كانت الشهيدة “سوسن” قائدة حقيقية، كنا نستمد منها القوة والمعنويات”.
ونوهت: “فكلما ذُكر اسم الشهيدة “سوسن” أمامنا، نتذكر القوة والمعنويات التي كانت تمدنا بها حتى الآن”.
وبدورها قالت، المقاتلة في صفوف مجلس تل تمر العسكري “أمارا كرد“، وهي إحدى المنتسبات إلى صفوف القوات بعد استشهاد القيادية “سوسن بيرهات”: “تعرفت على الشهيدة سوسن عام 2020، وكنت أعمل آنذاك في المجال المدني”، مضيفة “فكانت سوسن قريبة من الأهالي، ولم تكن تنظر لنفسها على أنها قيادية عسكرية فقط، بل على العكس تماماً، فقد كانت تزور المؤسسات المدنية، لتطمئن على أعمالها وشؤونها، ولتلتقي مع الأهالي”.
بعد استشهاد القيادية “سوسن بيرهات”، قررت “أمارا” الانضمام إلى صفوف القوات العسكرية، وتنفيذ وصية الشهيدة “سوسن”: “يجب على الإنسان أن يعمل ويخطو خطواته إلى الأمام”، لذلك، قررت أن تخطو خطوتها من خلال انضمامها للقوات العسكرية”، وفقاً للمقاتلة “أمارا كرد”.
صورهم تملأ جدران المنازل
فصور الشهداء الأبطال لازالت معلقة على جدران الأهالي بناحية “تل تمر” حتى يومنا هذا، لقربهم من سكان المنطقة، حيث كانوا يستمدون منهم القوة والمعنويات في ظل ما تشهده المنطقة من هجمات مستمرة، وكانوا يلاطفون الصغير والكبير، ويتفقدون أحوال الأهالي بعد كل عدوانٍ وهجومٍ تابعٍ للمحتل التركي ومرتزقته، فقد كانوا جزءاً لا يتجزأ من السكان والأهالي. فأمثال هؤلاء الأبطال كانوا، ولازالوا في طليعة القوى الوطنية الثورية، حيث وضعوا على عاتقهم حماية شعوب مناطق شمال وشرق سوريا، وضمان الأمن والاستقرار لهم، فضحوا بأغلى ما لديهم، ولا زالوا السد المنيع لهجمات الإبادة التي يشنها الاحتلال ومرتزقته، ولينعم الشعب بالأمن والسلام.
“سوسن بيرهات، وريناس روج” ورفاقهما، حافظوا على ديمومة حبهم لهذا الشعب، ولهذه الأرض حتى آخر لحظة من مسيرتهم البطولية المليئة بالعطاء، ووهبوا أنفسهم دون كلل لحماية المنطقة ضد الهجمات كافة، إلى أن ارتقوا عالياً كالنسور، فيما كرّم الشعب شهداءه بالتفافه حول قيمهم، والمكتسبات التي تحققت بدمائهم، ومساندة قوات سوريا الديمقراطية في كفاحها المشروع، ومنع العدو وعملائه من الوصول لأهدافهم.