سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

صانعات النور… لوحة السلام والحرب

قامشلو/ دعاء يوسف ـ هي لوحة واقعية معبرة تشعر الرائي بحمائم السلام، وروح النضال والمقاومة، ومنهجية إصرار لامع في عيون شهيدات ناضلن وقدمن أرواحهن فداء للوطن، لوحة جمعت جينا أميني، وهفرين خلف، ويسرى درويش، وجيان تولهلدان، وآسيا عنتر، وأفستا خابور، وليمان شويش، وبارين كوباني، قدمت الفنانة خلالها رمزية توحيد النضال، وإن كانت شهيداته من مناطق مختلفة، وأظهرت قوة المرأة في التصدي للرأسمالية، والاحتلال، والظلم، والقهر بعيون ملؤها الحماس والاندفاع.

لوحة عُنونت “بصانعات النور” عرضت في معرض الفن التشكيلي المتنقل على مستوى إقليم الجزيرة، اجتمعت ثماني شهيدات، كان زيهن البياض، والسواد خلفهن عاصفة هوجاء، وبالرغم من انسيابية اللونين الأبيض والأسود، فإن وجوه الشهيدات تبدو متعبة، والحزن يملأ العيون، لكن من بعيد يلاحظ المشاهد للوحة الإصرار والمقاومة بادية في وجوه الشهيدات، فعندما تنظر إلى اللوحة في الوهلة الأولى سترى أنها لوحة جمعت مجموعة شهيدات، رسمتهن الفنانة بدقة عالية وبرمزية مطلقة لقصة استشهادهنَّ.

لوحة صانعات النور 

لوحة لشهيدات آمنَّ بحب الوطن وضرورة التضحية في سبيله، عكست للحاضرين والزائرين للمعرض العيون التي تحكي قصصا طويلة من النضال، عندما تدقق في اللوحة ترَ عيوناً حالمة، وكأن “هفرين خلف” تحدث الزائر للمعرض عن النضال، والكفاح، وحرية المرأة، وما لاقته من أمل، وعنف ضدها، فملامحها، التي اكتساها الحزن، وعيونها المليئة بالأمل مزيج يأسر الناظر، وقد استشهدت الياسمينة الكردية هفرين خلف عام 2019 ضمن كمين غادر من مرتزقة الاحتلال التركي.

فيما جلست “جينا أميني” تضم الورد، تجدل هفرين خصلات شعرها، وكأنها تواسيها عن ظلم نظام إيران، وتبث روح الأمل فيها، فتلك الخصلات الجميلة، التي تنساب بين يدي هفرين، أشعلت نيران ثورة الجدائل، وأدى استشهادها عام 2022 إلى قيام انتفاضة هزت عرش نظام الملالي، الذي حملت شعار “Jin, Jiyan, Azadî‏” ووحدت نساء العالم تحت راياتها.

وإلى جانبهما “أفيستا خابور”، التي اتخذت مكاناً لها بينهن، تلك المقاتلة، التي ضحت بنفسها ضمن عملية فدائية في مقاومة العصر، بمقاطعة عفرين، التي استمرت 58 يوماً بوجه هجمات الاحتلال التركي عام 2018، لحظات تاريخية شهدت الكثير من المواقف، والأحداث الأسطورية، ومن بينها العملية الفدائية، التي نفذتها المقاتلة آفيستا، التي غيرت المجريات والمخططات التركية، فدب الرعب ضمن صفوف جيش الاحتلال، في تلك الابتسامة الظاهرة في محياها، عبّرت عن رضاها، بما قامت به نساء شمال وشرق سوريا من أعمال بطولية.

بينما حملت “بارين كوباني” و”جيان تولهلدان”، شمعة متقدة رمزت إلى استمرار النضال، فكل مقاتلة ترتدي الزي العسكري، وتحمل سلاحها على كتفها، وتدافع عن وطنها، مثل جيان، وبارين، وآفيستا، وآسيا، وغيرهن من الشهيدات، وبقاء هذه الشموع متقدة لتنير درب النساء اللواتي مشين على نهجهن، وانضممن إلى صفوف السلك العسكري.

فلم تترك جيان تولهدان شبراً من تراب المنطقة، إلا وتركت أثراً وبصمة فيه، وتوّجت نضالها، بأن أصبحت القياديةَ الشاهدة على هزيمة داعش، والقضاء عليه جغرافيّاً في بلدة الباغوز، وبعد مسيرةٍ حافلةٍ بالإنجازات والتضحيات، وسنواتٍ طويلة مليئة بالنضال والمقاومة، استشهدت القياديّةُ جيان في الثاني والعشرين من شهر تموز عام 2022، وأصبحت شمعة تنير الدروب لحماية كرامة المرأة والإنسانية جمعاء.

وكذلك الشهيدة بارين كوباني، التي خشي الاحتلال من جسدها، بعد استشهادها في الأول من شباط 2018 في مقاومة الكرامة بعفرين، وبالرغم من استشهادها، دب جسدها الأنثوي الرعب في قلوب المرتزقة، فاجتمع عشرة مقاتلين للتمثيل في جثمانها، بعد قتلها بطريقة وحشية، إلا أنها في اللوحة التي رسمتها الفنانة، ابتسمت ابتسامة واثقة، فهي من هزت عرش الاحتلال، وبرهنت أن قوة المرأة حاضرة بالرغم من فقدانها روحها الطاهرة.

في منتصف اللوحة حملت “يسرى درويش” كتاباً تركت الرياح تقلب وريقاته، التي كتبت فيه تاريخاً فكرياً حافلاً بالإنجازات، فيما وقفت “ليمان شويش” بين جيان تولهلدان وبارين كوباني، التي ناضلت في أجزاء كردستان: روج آفا، وباكور، وباشور كردستان، فقد سطرت ليمان ويسرى سيرة نضالية فكرية تاريخية، بما قدمن للمرأة والمجتمع كافة. هذا وقد ختمتا مسيرتهما النضالية معا في نهاية عام 2022 بعدوان غادر عليهما.

وجلست “آسيا عنتر” واسمها الحركي فيان عنتر، مقاتلة اغتالتها يد داعش الإرهابية عام 2016، إلا أنها في الصورة تحمل باقة من الزهور، التي مثلت الفئة الشابة من المقاتلات، اللواتي لحقن بها، وما زلن يسرن على نهجها.

أيقونة سلام روحانية

عبرت اللوحة كما وصفتها الفنانة “هيفين عبدو” عن قطعة من الجنة، زينتها ملائكة الشهيدات، إلا أن الغمامة السوداء خلفهن هي مسيرة نضالية، لم تكتمل، وحزن، وألم رافقهن، فيما مثلت هذه الغمامة عاصفة من الإرهاب والظلم من داعش، والأنظمة الرأسمالية والاستبدادية، إلا أن وجوه الشهيدات تملؤها السكينة والاطمئنان، فقد آمنَّ بقضيتهنَّ، التي دافعن عنها، فاللوحة تمثل أيقونة لنضال المرأة.

وترى هيفين أن كل شخصية منهن أصبحت رمزاً للمقاومة البطولية، التي سطرت حروفها المرأة بدمها: “أن اللون الأبيض يطغى على اللوحة بالرغم من وجود السواد، فالأبيض لون السلام، وهن ملائكة السلام، كما أن اللون الداكن خلف صور الشهيدات يمثل أيضاً هجمات الاحتلال”.

كما بينت هيفين أنها أرادت أن توصل من خلال لوحتها رسالة للعالم، والقوى الاستبدادية، التي تحاول قمع حرية المرأة، أن النساء تتوحد على نهج الشهيدات، اللواتي سطرن أعتى الملاحم دون خوف.

فقد كان الفن لهيفين مقاومة تستطيع من خلالها القتال من أجل قضيتها، كما قاتلت النساء بالفكر والسلاح: “إن الفنان يرسم واقعه، وهؤلاء الشهيدات، اللواتي وقفن في لوحة جمعتهم من أنحاء مختلفة من البلاد، جمعهن حب الوطن والذود عنه، والاستشهاد في سبيله، بالرغم من الضجيج المحيط بهن، وستكلل ثقتهن دائماً بالنجاح”.