شنكال تدق ناقوس الذاكرة من جديد

تقرير/ جوان محمد – ميديا غانم –

روناهي/ قامشلو – شعب ومجتمع تعرض لـ 74 فرماناً وما زال يقاوم. إذ؛ أنَّه صامد إلى الأزل، الكرد الإيزيديون الذين كانوا أكبر من نالوا من ظلم وهمجية مرتزقة داعش المدعوم من حكومة الديكتاتور أردوغان، من سبيٍ، واغتصاب، ومجازر، وحرقٍ، ونهبٍ. ومن كل أنواع الموت والتعذيب على يد مرتزقة داعش، وكان ذلك يوم 3/8/2014م.

هرب من كانوا الأمل لحمايتهم وخانهم البعض من أبناء جلدتهم ومن كان يجاورهم منذ مئات السنين، الشعب الإيزيدي لم يؤذِ يوماً أحداً، شنكال ما زالت جريحة ولم تُضمد جراحها، وتفرق أبناؤها في أصقاع الأرض، حيث تخلَّى عنها من وعد بحمايتها، وتركها وجهاً لوجه مع أكبر آلة للقتل والإجرام بالعالم في العصر الحديث، مرتزقة داعش حيث لا دين لا رحمة ولا شفقة؛ استهدفوا الجميع بدءاً من الرُّضَّع لكبار السن؛ ولا ذنب لهم سوى أنَّهم إيزيدين.

شاهدة على الفاجعة

توجَّهنا لمخيم نوروز الذي كان الحاضن الوحيد لهم في بداية الهجمة على شنكال، والذي تأسَّس مع اليوم الأول من الهجوم الغادر عليها، المأساة لن توصف بقلم أو كاميرا، إلا من شهد الفاجعة وعاش لياليَ وأياماً متتالية جائعا ومنهكاً وعطشاً ويقاوم كل الظروف الصعبة فقط لينجوَ من آلة الموت والإجرام «داعش»، وعلى لسان الأم بسيه قاسم تلك التي بدأت تجهش بالبكاء بعد بضعة ثوانٍ من بدئها الحديث معنا، سيدة كهلة كبيرة في العمر وتحمل بقدر كلِّ لحظةٍ عاشتها في الحياة ألماً وحسرة على من فقدتهم، تلك الدموع التي كانت تؤلم القلب كانت كافية لتجيبنا، وكأن لسان حالها يقول: يا بني وهل هذه الدموع لا تكفي لجوابك؟ كيف عشت وشهدت الفاجعة؟، قالت: «جاءت أخبار داعش بأنهم يقتربون من شنكال وقراها ولهذا قرَّرنا الهرب، وبعد مكوثنا ثلاثة أيام في الجبال اتصل بنا أحد الأقارب وقال لا تخافوا فالمنطقة آمنة ولا يوجد شيء حيث رجعنا (لسنون)، ولكن رأينا المرتزقة محتلين المنطقة وجاء ولدي خالد وأخبرني ألا نخرج فالمرتزقة احتلوا سنون، وحينذاك لم نعد ندرك ماذا نفعل ولا أدري ماذا حلَّ بي، بعدها هربنا خلسةً وفي شرقي سنون توقفت سيارة أمامنا وظننا بأنها لمدنيين سوف ينقذوننا ولكنها كانت تابعة لداعش، وتم اعتقال ولديَّ خالد وسيدو وزوجي قاسم، واعتقالي أنا أيضاً مع عدد كبير من النسوة، وتوجهوا بنا إلى (خاني صوريه)، ورأيت كيف تم إعدام امرأة بمخزن كامل من الرصاص أمامنا»، وتابعت: «سجننا هناك وبعدها تم أخذ الفتيات والنساء إلى سوريا أما الرجال فلا نعلم إلى أين تم أخذهم وكان بينهم ولديَّ وزوجي، وكانت تلك آخر مرة أراهم فيها إلى الآن»، وتمنَّت لو تم قلتها ولم تعش هذه السنين بعيدةً عنهم، وأضافت قائلةً: «بعدها بأشهر تم الإفراج عني مع مجموعة من المسنات وبقيت في باشور كردستان ولكن قبل شهرين دخلت روج آفا واستقريت بمخيم نوروز وكل همي أن يصلني خبر من أولادي وزوجي، وقبل خمسة أيام حصلت على خيمة وفرشة تخصني، الخدمات هنا غير متوفرة بالشكل المطلوب ولكن كل هذا غير مهم لي بقدر ما أود رؤية أبنائي ولا أريد أيَّ شيءٍ آخر غير ذلك».

رغم عمري الكبير ناضلت أياماً للوصول لبر الأمان

الرجل المسن كريد عمر من قرية (تبه)؛ ذكر لنا أنَّهم بمجرَّد السماع باقتراب داعش نزحوا وظلوا في منطقة (جويه) سبعة أيام يقارعون فيها الجوع والتعب، وقال: «إني بهذا العمر الكبير وكل شعرة في رأسي قد شابت مشيت لأيام وقد أصابني الكثير من التعب والإنهاك، ولكن ماذا علي أن أفعل، فلا بد من الفرار لكي لا أقع في يد المرتزقة، واستطعنا الخلاص بجهود قوات الكريلا التي كانت تحمينا وتفتح ممرات آمنة لنا، لحين وصولنا لحدود روج آفا، حيث تم نقلنا بالسيارات من هناك للمخيم، وعائلتنا كانت حوالي 40 شخصاً، ومن ذاك الوقت استقرينا في المخيم منذ تاريخ 10/8/2014م»، ونوه: «لن نفكر بالرجوع في الوقت الحالي لشنكال، بسبب عدم استتباب الأمن كما يجب، وعدم توفر الخدمات المعيشية، هذا غير أنَّ منازلنا تمَّ تدميرها بالكامل»، وذكر عمر: «هنا بالمخيم في الآونة الأخيرة نقصت المواد الغذائية بعد توقف منظمة (آرسي) عن مساعدة القاطنين، بينما إدارة المخيم تؤمن الخبز والماء والكهرباء، ولكن يجب على المنظمات القيام بدورها وألا تتغاضى عن مساعدتنا حتى أنَّ إحداها قد وزعت قبل فترة بعض المواد لم تكن تصلح للأكل، في الوقت الذي لا نملك ما يعيلنا ولدينا في داخل كل خيمة من سبعة إلى تسعة أشخاص».

نقص في الخدمات ومناشدة لمعاقبة المسؤولين عن الجريمة

كان على حق عندما قال: إنَّ داعش لم ينتهِ في العراق بسبب الهجمات الأخيرة لهم في العديد من المناطق، وفي الوقت نفسه التعرض للمضايقات والاعتقالات من قبل الاستخبارات في باشور كردستان بسبب سرد الواقع الذي حصل في شنكال، وكان ذلك كافياً لرفضه إظهار صورته واسمه الحقيقي (ع.ش)، كان يتحدث والحرقة في قلبه لما آلت إليه أمورهم اليوم، وكان يصف كيف استطاع الفرار بجلده مع عائلته وعوائل أشقائه قبل وصول المرتزقة إليهم وقتلهم مثل الآلاف من أبناء الإيزيدين، وأضاف: «في الساعة 2 ليلاً وصلوا لقريتنا القريبة من شنكال وكنا نتوقَّع المقاومة من قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان معهم أسلحة ثقيلة، ولكنهم فروا على الفور، وتركونا نقاوم فقط نحن أبناء القرية من الإيزيدين بالعتاد والسلاح الفردي، ولكن بحدود الساعة الخامسة فجراً نفذت الذخيرة وأُجبرنا على الانسحاب مع عوائلنا إلى الجبال لتفادي قصف المرتزقة»، وأكمل حديثه قائلاً: «كان من واجب البيشمركة إخبارنا بأن نخرج من القرية وكان ذاك الأمر سيوفر دماءَ الآلاف من الأشخاص، ولكن اعتمدنا عليهم وهم لم يقوموا بواجبهم مطلقاً، وقاموا بإيقاف بعض العوائل الإيزيديين وأخذ سياراتهم من قبل عناصر من البيشمركة فقط لتأمين الخلاص لبعض ضباطهم الكبار، وأما أصحاب تلك السيارات فاعتقلوا ولم يستطيعوا الفرار»، وتابع: «ليس هذا فقط المئات من الإيزيدين ممن اعتنقوا الإسلام سابقاً بفعل فرمانات أخرى، قاموا بمساندة داعش بالإضافة لمواطنين من الكرد من حلبجة الذين كانوا قد تعرَّضوا من النظام العراقي السابق للضرب بالكيماوي حيث انتسبوا وانضموا لمرتزقة داعش، وهاجموا معهم ومثلهم مع البعض من العرب الذين كنا نجاورهم منذ سنين، اجتمعوا فقط لاعتقالنا وقتلنا لماذا؟ لا نعلم؟ فنحن الإيزيدين لم نهاجم أحداً ولم نتعدَّ على معتقدات الآخرين لا المسلم ولا المسيحي ولا أي طائفة أخرى، وفي الحقيقة الجميع خذلنا ووحدها قوات الكريلا حمتنا وساعدتنا ودافعت عنا مع القوات المقاومة بشنكال»، وأفاد أيضاً: «مشينا لمدة يومين متتاليين وكانت أمي في المشفى ومعها مرض السكري، قمنا بحملها»، وأكمل: «تعبنا كثيراً وطالبتني بتركها في الطريق على أن أخلص أبنائي رفضت ذلك وجاوبتها قدرنا واحد إما الموت سوياً أو الخلاص سوياً».

مأساة عاشوها في الجبال

وأضاف: «في تلك الجبال هناك قصص مؤلمة قد لا تصدقها العقول، أم لديها خمسة أطفال تترك أثنين وتأخذ ثلاثة معها لأنها أُنهكت ولم تعد قادرة على حملهم جميعاً، وهذا الأمر ليس لأن الأم لا تحب أطفالها، بل عدم قدرتها على إكمال المسير، ومنهم من ترك والديه، ومثلها قصص كثيرة تتحسَّر عليها القلوب»، «بيت خالي والكثير من أهلي؛ أي حوالي 40 شخصاً لم نعرف عنهم شيئاً حتى الآن ممن اعتلقوا من قبل المرتزقة، وكانت بينهم زوجة أخي وأربعة من أطفالها بينهم رضيعة كان عمرها فقط 17 يوماً، ولكنها عادت بعدما قضت سنتين ونصف السنة في الأسر عند داعش، وأتساءل كيف يطاوعهم ضميرهم أسرَ طفلةٍ رضيعة؟ أي دين يبيح ذلك؟ لا دين ولا إنسانية ولا أي مذهب يقبل بما فعله بنا داعش، لقد شوهوا الإسلام ومن يحق له محاسبتنا فقط هو الله سبحانه، وليس البشر، وهم يصفوننا بالكفرة كيف نحن كفرة ونؤمن بوجود الله ولكننا نعبده بطريقتنا، وبقوة السيف والسلاح لو أدخلتني الإسلام فهل سأؤمن بقلبي ونيتي»؟، وتابع حديثه بمناشدة الحكومة العراقية والعالم أجمع لمحاسبة من قام بهذه المجزرة وهذا الإجرام بحق الشعب الإيزيدي، وبخاصةٍ من رجعوا واستلموا المناصب في المجتمع السياسي العراقي، وأكد: «لن نعود طالما داعش ما زالت موجودة بالقرب من شنكال وهي تقوم بعمليات ما بين الفينة والأخرى وبخاصةٍ في الموصل».
واختتم(ع.ش)، حديثه؛ قائلاً: «هنا في المخيم نعاني من عدم وجود الطبابة اللازمة، حيث يتواجد مرضى معهم أمراض مزمنة ومنهم بحاجة لعمليات ولكن المستوصف هنا غير قادر على معالجة هذه الحالات وكما نعاني من قلة المواد الغذائية والمساعدات، فبالرغم من كثرة المنظمات والجمعيات الخيرية في روج آفا، لا نرى أحداً منهم يساعدنا في الوقت الكثير من العوائل العراقية التي كانت تساعد داعش، حيث يتم مساعدتها بحجة أنهم لاجئين، ونحن من مورس بحقنا كل أنواع القتل والتعذيب مهمشين من الجميع».

المنظمات الأممية تتقاعس ومناشدة للإدارة الذاتية بالتدخل

عضو مجلس إدارة شنكال ومخيم نوروز هادي مخيبر أكد: «في بداية إنشاء المخيم تم استيعاب أكثر من 12 ألفاً من أبناء شعبنا الإيزيدي والآن لا يتواجد إلا حوالي 100 عائلة، فقد عاد الكثيرين منهم لشنكال ومنهم لباشور كردستان ومنهم من خرج لدول أخرى، وهذه العوائل تفتقر للمساعدة الإنسانية وأهمها المواد الغذائية، أما الكهرباء والماء والخبز والغاز، فهي مواد متوفرة، فقط نحتاج المساعدات من سلال غذائية فهنا لا أحد يعمل، بحكم أنَّ المخيم بعيدٌ عن مركز المدينة»، وناشد الإدارة الذاتية الديمقراطية والجمعيات الخيرية والمنظمات الأممية للوقوف بجانب القاطنين في المخيم وتقديم الدعم اللازم لهم، وبخاصةٍ المواد الغذائية والأدوية والرعاية الطبية.