سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

شروط جديدة للتضييق على زواج القاصرات في المغرب

رغم أن مدوّنة الأسرة، التي تم تعديلها عام 2004، حاصرت ظاهرة تزويج القاصرات برفع سنّ الزواج إلى 18 عاماً، إلا أن ما كشفته الأرقام بين أنّ الأمر ما زال مستمراً على ما هو عليه، وأنه لا نجاح تحقق في مواجهة الظاهرة.
واقترحت النيابة العامة من خلال خطة العمل المندمجة لمحاربة زواج القاصرات، اعتماد الخبرة الطبية، والبحث الاجتماعي مع الفتاة القاصر على انفراد، وإجراء بحث بواسطة النيابة العامة مع الخاطب، واشترطت كذلك توفر الكفاءة من حيث السن، والمستوى الاجتماعي والثقافي، بين الخاطب، والقاصر مع التأكد من كون الزواج ليس سبباً في مغادرة القاصر للدراسة، أو أنه يهدد متابعتها لدراستها.
وحسب الخطة، التي قدمها رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، فإن: “أي رفض من قبل الخاطب لحضور جلسة إجراء البحث، أو الاختبار النفسي عليه عند الاقتضاء؛ يصبح مبرراً لرفض منح الإذن بالزواج”، كما اقترحت الخطة توفر شرط الكفاءة من حيث السن، والمستوى الاجتماعي والثقافي بين الخاطب، والقاصر كشرط أساسي للإذن بالزواج.
لا تقتلوا الطفولة
وتصر فئات عديدة من المجتمع المغربي على أهمية الزواج المبكر للفتيات، كما تعتقد بعض المجتمعات، أن تأخير الزواج يؤدي إلى أضرار كبيرة، اجتماعية واقتصادية، في حين يؤكد خبراء علم الاجتماع، وعلماء النفس أن تزويج الفتيان والفتيات مبكراً يؤدي إلى تحميلهم أعباء أكبر من قدراتهم الجسمانية والعقلية، ويكون في الكثير من الحالات السبب الرئيسي في فشل الزواج.
وجدد وزير العدل “عبد اللطيف وهبي” موقفه من زواج القاصرات، وبعدما أفاد بتصاعد أرقام هذا الصنف من الزواج في السنتين الأخيرتين، فبين موقفه: “إلغاء منح القضاة الحق في الإذن بهذا الزواج”، معتبراً أن هذا الإذن القضائي “يجب إلغاؤه”، على أن يحصر الزواج دون استثناءات في سن الثامنة عشرة، وزاد قائلاً، إن: “هذا الصنف من الزواج يجب تجريمه”.
لم تنجح مدوّنة الأسرة منذ تعديلها في عام 2004، في محاصرة زواج القاصرات، وتنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أن “زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وأن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج، وحضوره إبرام العقد”، مضيفة أنه: “إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة، بات قاضي الأسرة المكلف بالزواج هو المسؤول عن الملف”، كما تنص المادة 22 من القانون ذاته، على أن “يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات، ويمكن للمحكمة بطلب من أحد الزوجين، أو نائبه الشرعي، أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني، وطريقة أدائها”.
وحسب معطيات رسمية تلقت المحاكم في عام 2020 نحو 20 ألف طلب لتزويج فتيات دون سن الثامنة عشرة، وصدر بشأنها 13 ألفا و335 إذنا بالزواج، ما يجعل الأمر يتجاوز الاستثناء في القانون، الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السن القانونية.

ظاهرة اجتماعية سائدة
وتضغط فعاليات سياسية وحقوقية من أجل تعديل مواد قانون الأسرة، التي تمنح الاستثناء لتزويج القاصرات، رغم أنها تعترف بأن القضاء على تلك الظاهرة يبدو شبه مستحيل، إلا أنه يمكن الانخراط في معالجتها، والحد منها عبر التوعية وسن قوانين صارمة في هذا الإطار.
وقدمت الكتلة النيابية لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة، في أيار الماضي، اقتراح قانون يهدف إلى تعديل المادة 20 من “مدونة الأسرة” بهدف الإلغاء الكامل لتزويج القاصرات من خلال تحديد أهلية الزواج بـ18 سنة من دون أي استثناءات.
وأكدت عضوة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والبرلمانية السابقة “فتيحة سداس“، أن هناك أعرافاً في العالم القروي تعدّ أن تجاوز الفتاة لسن معين سيمنعها من الزواج لاحقاً، لهذا يسارع الأهالي بتزويج بناتهم ابتداءً من سن 12 عاماً، لهذا وجب التحسيس وتجريم زواج القاصر، لأن ذلك يدخل في إطار “البيدوفيليا”. وأضافت أن هناك هشاشة اقتصادية تدفع الأسر إلى تزويج بناتها في سن مبكرة وهي طريقة للتخلص منهن.
ويعدّ تزويج القاصرات ظاهرة مجتمعية لها أبعاد عرفية ثقافية، اجتماعية واقتصادية لهذا وجب التدخل للقضاء على هذه الظاهرة عمودياً، كما تعتقد البرلمانية فتيحة سداس في تصريحها لصحيفة “العرب”، حيث بينت أن مكان الفتاة القاصر هو المدرسة، وعلى الدولة بمختلف مؤسساتها توجيه وتثقيف الناس، وخصوصاً في العالم القروي، بأن زواج القاصر له أبعاد خطيرة نفسية وصحية، واجتماعية واقتصادية، وعليها أيضاً التصدي لشبكات الاتجار في البشر التي تستغل الفتيات وعائلاتهن، التي توجد في وضعية هشاشة اقتصادية، ويتعرضن للاستغلال الجنسي.
آثار وخيمة تضرُّ الطفولة
وترى الكتلة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية المعارض، أن الأمر يتعلق بالتزويج القسري، وهو شكل من أشكال اغتصاب الطفولة، لافتةً إلى ضرورة التنصيص صراحة على أن أهلية الزواج هي 18 سنة كاملة، وإلغاء الاستثناء، الذي أصبح قاعدة لتزويج الطفلات.
في وقت أكدت فيه خطة النيابة العامة على ضرورة: “اعتماد سن 17 سنة حداً أدنى لإمكانية الإذن بزواج القاصر”، معتبرةً أن هذا السن بداية لدراسة الملف، وليس مبرراً للإذن بزواج القاصر، ونصت الخطة على ضرورة اعتماد عقد الازدياد والبطاقة الوطنية للتعريف كوثيقتين وحيدتين لتحديد السن.
وفي السياق ذاته ستعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تكوين الأئمة، بمعهد محمد السادس بإدراج محور الحد من زواج القاصر ضمن مادة حقوق الإنسان، التي تدرس لطلبة هذا المعهد، وتدريب الأئمة المرشدين والمرشدات على إعداد دروس توعية للحد من هذه الظاهرة.
وتندرج هذه التدابير من أجل تغيير الموروث الثقافي، والعقليات كأحد الأهداف الاستراتيجية الأربعة لخطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصر، التي قدمها رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي إلى جانب السياسات العمومية والإجراءات القضائية والتشريع، بإشراك المرشدات والمرشدين الدينيين، وأئمة المساجد في التحسيس والتوعية بسلبيات زواج القاصر.
وقال المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال، إن: “زواج القاصرات أصبح مصدر قلق لدى العديد من المنظمات الحقوقية، نظراً إلى تزايد عدد الفتيات المتزوجات قبل السن القانوني، وما يترتب على هذا النوع من الزواج من تبعات، وآثار وخيمة على تمتع الأطفال بحقوقهم، وجعلهم أكثر عرضة للعنف البدني والنفسي، والاستغلال الجنسي، خصوصاً وأن الفتيات يتحملن مسؤولية أكبر من سنهن، وعبئاً يفوق طاقتهن”.
من جهته أكد الداكي أن الموضوع يتطلب: “مقاربته بشكل شمولي ومندمج بغية كسب الرهان بتطويق الظاهرة في أفق القضاء عليها، مع اعتماد ممارسات فضلى على مستوى الممارسة القضائية من شأن تعميمها تعزيز الضمانات المحيطة بتزويج القاصر”.
وكالات