لم تعد عمالة الأطفال في سوريا، خاصة مناطق سيطرة النظام، ظاهرة تثير القلق، إذ أجبرت الظروف الاقتصادية الصعبة عدداً كبيراً من العائلات على إرسال أطفالهم للعمل بمهن مضنية، بحجة تأمين قوت يومهم، خاصة أن 90% من الشعب السوري يقبع تحت خط الفقر المدقع، وفق إحصاءات أممية.
في دمشق تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال بجمع القمامة، والتي يشرف عليها أصحاب النفوذ، من خلال استغلال أوضاع العائلات المأساوية، إذ يقدمون للعائلات مكاناً للسكن مع أجر زهيد مقابل عملهم في جمع القمامة من المدينة، التي قسموها إلى قطاعات، ويشرفون عليها.
وفي ظل الظروف الحالية، نشأت سوق عمل سوداء في سوريا، قائمة على الاستغلال، وانعدام أدنى المعايير الاقتصادية والأخلاقية، ضحيتها الأطفال والفقراء.
أوضاعٌ مأساويّةٌ للأطفالِ
(ز.م) (12 عاماً)، طفل سوري يقيم في دمشق، يتحدث عن ظروف صعبة يمر بها، في أثناء عمله بجمع النفايات، إذ يجبره والده على الخروج إلى العمل، رغم برودة الطقس، وضعف حالته البدنية.
قال (ز.م)، وهو يقف بجانب عربة مثبت عليها كيس كبير، إن والده يفرض عليه ملء العربة بالمواد البلاستيكية والكرتون، وقطع الحديد قبل عودته إلى المنزل.
وأشار إلى أن المنزل، الذي يقطنه لا يختلف عن حاويات القمامة، لأن رائحة النفايات تملأ غرف المنزل، كما أنه وباقي الأشخاص، لا يستحمون بشكل منتظم بسبب غياب الكهرباء، وعدم وجود ألبسة بديلة.
ولفت إلى أنه لا يعرف القراءة والكتابة، كونه لم يدخل إلى المدرسة، وبدأ العمل بجمع القمامة منذ كان عمره ثماني سنوات تقريباً، وأضاف (ز. م) “ما بعرف شي بالدنيا غير اشتغل بلم البلاستيك، والكرتون”.
استغلالُ الأهاليِّ
تضطر عائلة (ز.م) للعمل لدى متعهدي القمامة للحصول على مسكن يؤويهم، نتيجة الفقر، وعدم قدرتهم على مقاومة ظروف الحياة.
وقال “أبو (ز.م)” هو رب أسرة تعمل في جمع القمامة بدمشق، أنه يعمل مع أطفاله الثلاثة (أعمارهم بين 8 – 12 عاماً)، في جمع القمامة، مقابل حصولهم على مكان للنوم، في منزل تقطنه أربع عائلات، ويضم 17 شخصاً، في حي “مساكن برزة”.
وأوضح أن المنزل، الذي يقطنه مع عائلته يتألف من أربعة غرف، واحدة للرجال، وأخرى للنساء، والأطفال، في حين خصص صاحب المنزل غرفتين لما تجمعه العائلات من القمامة من مواد بلاستيكية، وكرتون، وقطع حديدية.
وبين أن العائلات الموجودة في المنزل، تعمل ضمن نظام ورديات حددها صاحب المنزل، إذ يخرج الأطفال تحت عمر 15 عاماً برفقة أحد الرجال من الساعة التاسعة صباحاً، حتى الساعة التاسعة ليلاً، في حين يبدأ عمل الرجال، والنساء من التاسعة ليلاً وحتى ساعات الصباح الأولى.
ولفت “أبو (ز.م)” إلى أن العائلات تقوم بجمع المواد البلاستيكية، وغيرها من الحاويات، والشوارع في منطقة مساكن برزة، ونقلها إلى ساحة المنزل، لتبدأ عملية فرز المواد، ووضعها في الغرف المخصصة لذلك.
وأشار إلى أن صاحب المنزل يفرض على العائلات تأمين نصف طن من البلاستيك، وما يستطيعون جمعه من باقي المواد أسبوعياً، لمنح كل عائلة مبلغاً يتراوح بين 100 إلى 200 ألف ليرة سورية (نحو 50 دولاراً أمريكياً).
وأكد أن صاحب المنزل (ا.ح) لديه عدد من المنازل المشابهة في العاصمة دمشق، وخاصة ضمن الأحياء الفقيرة، والتي تضم عائلات مهجرة، أو نازحة.
رفض “أبو (ز.م)” الإفصاح عن طبيعة عمل المدعو (ا.ح) صاحب المنزل، وقال إنه لا يستطيع التحدث عن ذلك خشية منه، واكتفى بعبارة “ما بقدر احكي شي غير إنه سيارته بلا نمر ومفيمة”، في إشارة إلى أنه الذي يدير منازل لجمع القمامة، من أصحاب النفوذ في الدولة.
دمشقُ الأسوأُ في العالمِ
حازت العاصمة السورية دمشق على لقب “أسوأ مدينة للعيش في العالم” وفق دراسة أجرتها مجلة “ذي إيكونوميست” عن جودة الحياة في 140 مدينة لعام 2021، والتي تشمل تقييماً، ومقارنة جودة الحياة في المدن حول العالم من خلال مؤشرات عدة، من بينها: استقرار التنمية، والثقافة، والبيئة، والرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية.
واحتفظت دمشق بمكانتها في آخر القائمة بوصفها أرخص مدينة في العالم، وذلك بسبب انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وبالتالي انهيار الأسعار فيها قياساً بالعملة الخضراء، في حين تعاني العاصمة السورية من معدلات تضخم مرتفعة للغاية.
وتشهد سوريا، وخاصة مناطق سيطرة النظام خلال العامين الماضيين، أزمات اقتصادية عدة، فاقمت الوضع المعيشي، وقلصت القدرة الشرائية للسكان وسط انعدام فرص العمل، ما انعكس سلباً على حياة معظم سكان دمشق.
وفي حين يبلغ متوسط الرواتب للعاملين في مؤسسات النظام نحو 60 ألف ليرة (20 دولاراً أمريكياً) وفي القطاع الخاص ما يقارب الــ 150 ألف ليرة (50 دولاراً)، تحتاج الأسرة إلى 650 ألف ليرة، حسب صحيفة “الوطن” التي أشارت إلى أن 70% من الناس يقتصرون على وجبة، أو اثنتين كحد أقصى.
وكالات
