لا يستطيع محمد الخضر، وهو سائق سيارة أجرة، المواءمة بين دخله اليومي وتأمين احتياجات أسرته خلال رمضان هذا العام. ويحصل “الخضر” (30 عاماً) على عشرة آلاف ليرة سورية يومياً من عمله كسائق تكسي، إلا أنها لا تكفي عائلته المكونة من أربعة أطفال إلى جانبه هو وزوجته.
ويقول سكان في مدينة الرقة، إن أسعار المواد الغذائية والأساسية ما زالت مرتفعة بشكل كبير رغم استقرار سعر صرف الدولار مؤخراً، بينما يشير آخرون لعوامل إضافية كإغلاق حكومة دمشق للمعابر مع المنطقة.
غلاء مفرط
وقال رب العائلة الذي يسكن حي الدرعية، لنورث برس، إن أسواق المدينة تشهد “غلاء مفرطاً، ويقوم التجار باستغلال الوضع الاقتصادي رغم تحسن قيمة الليرة السورية”. وأضاف أن استمرار التجار باحتساب أسعار السلع وفق صرف الدولار الشهر الماضي “أثقل كاهل السكان وأتعبهم”، على حد وصفه.
وجاء بروز الدولار في التداول المالي والتجاري في سوريا، بعد انهيارات حادة ومتواصلة لليرة السورية. وخلال نيسان استقرت الليرة السورية عندما قارب ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد، بعد أن لامس حاجز خمسة آلاف ليرة سورية للدولار الواحد في آذار الفائت.
ويطالب “الخضر” “الجهات المسؤولة” بضبط الأسواق وتنظيم رقابة صارمة وتطبيق مخالفات بحق “المستغلين”، وذلك بسبب سوء الوضع المعيشي المتدهور للسكان.
ورغم أن مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تتعامل بالليرة السورية، إلا أن التجار والبائعين في الأسواق اعتادوا منذ سنوات على احتساب الأسعار وفق سعر صرف الدولار الأميركي.
اتهامات لتجار
وشكلت موجات ارتفاع سعر صرف الدولار صدمة اقتصادية في الأسواق السورية، وأضعفت القدرة الشرائية لغالبية السكان الذين باتوا يتهمون التجار باستغلال الفرص لجني أرباح غير معقولة. وتحتوي مدينة الرقة على عدة أسواق رئيسة لبيع المواد الغذائية بالجملة والتجزئة، يقصدها السكان وأصحاب الدكاكين في الحارات والأحياء. وقال أحمد الحمود (45 عاماً)، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية بالقرب من دوار الدلة بالرقة لنورث برس، أنه لا ذنب لتجار الرقة في ارتفاع أو هبوط سعر الصرف.
وأضاف الحمود أن غالبية التجار ملتزمون بسعر صرف الدولار اليومي: “رغم وجود بعض ضعاف النفوس، لكن هذا لا يعني التعميم واتهام التجار باستغلال الناس”.
ومن جهته، رأى دحام المشرف (35 عاماً)، وهو من سكان حارة البدو، أن غالبية التجار يلجؤون لرفع أسعار بضاعتهم ما أن ارتفع سعر صرف الدولار، لكن ينتظرون كثيراً لخفضها في حال انخفض سعر الصرف.
وأضاف: “إن مسألة ضبط الأسعار هي مسالة أخلاقية بالدرجة الأولى وتعود لحسن تعامل التاجر مع أبناء مدينته وزبائنه”.
وتشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر بعد عقد من الحرب والأزمات.
ويقصد بخط الفقر تأمين احتياجات الفرد في اليوم الواحد والتي يحددها البنك الدولي بـ 1.90 دولار أميركي، بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية للسكان بسبب ظروف الحرب
عوامل أخرى
ويذكر قائمون على عمل الأسواق في الرقة ومراقبون لها، تأثيرات لعوامل أخرى على أسعار السلع والبضائع، من بينها ظروف الإغلاق بسبب تفشي كورونا وإغلاق حكومة دمشق للمعابر مع المنطقة.
وتنظم وحدة حماية المستهلك في اللجنة الاقتصادية بمجلس الرقة المدني جولات ميدانية على الأسواق والمحال التجارية، بينما تعمل لجان أخرى في الأسواق باسم الصناعيين والتجار. وقالت رودين مصطفى، الرئيسة المشاركة لغرفة التجارة بالرقة: “إن إغلاق المعابر من قبل حكومة دمشق سبب ارتفاع أسعار كثير من المواد الغذائية والألبسة”.
وغرفة التجارة بالرقة هي إحدى المنظمات المدنية التي تعتبر نفسها ممثلة عن شرائح اقتصادية واجتماعية في المدينة وريفها، باعتبارها خارج هيكلية الإدارة الذاتية والأحزاب السياسية. ويقول مسؤولوها إنها صلة وصل بين الإدارة الذاتية، التي تصدر القرارات، وشرائح السكان.
وأضافت “مصطفى” إن غرفة التجارة ستعمل خلال الفترة المقبلة على عقد اجتماعات لتجار المدينة لدعوتهم للمساهمة بتحسين الوضع الاقتصادي للسكان.