سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

زواج القاصرات.. بين هيمنة التقاليد وغياب الوعي

روناهي/ الحسكة –

تزداد ظاهرة زواج القاصرات في أرياف الحسكة؛ بسبب هيمنة العادات والتقاليد العشائرية وكإحدى تبعات الحرب والظروف الاقتصادية المتردية، فيما تسعى هيئة المرأة في إقليم الجزيرة إلى مكافحة هذه الجريمة.
منذ بدء الأزمة السورية منذ 12 عاماً؛ ظهر تراجع في سلوك المجتمع عموماً، وعادت الحالات المرضية القديمة بشكل كبير، وهذا في أرجاء سوريا كلها، حتى في شمال وشرق سوريا، التي تتوفر فيها نظرياً قوانين واقية نسبياً.
ولربما المشكلة ليست بالقوانين، بل بصعوبة تطبيقها وسط الأوضاع الاقتصادية المأساوية، وتراجع مستوى التعليم في كل أرجاء سوريا، وغياب الأمن واستثمار المتطرفين للمأساة باسم الدين.

أضرار زواج القاصرات النفسية والجسمانية
وأبرز المشكلات التي طفت على السطح كانت زواج القاصرات؛ فبحسب دراسات اجتماعية، يؤدي زواج الطفلات لتفشي العنف الأسري وسوء تربية الأطفال، فكيف لطفلة أن تتحمل مسؤولية تربية أطفال مثلها، ناهيك عن المشكلات الصحية التي تتعرض لها بسبب الإنجاب دون توقف، وكثيراً ما أدى ذلك لوفاة الأم الطفلة.
وقد وثّقت منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، العاملة في شمال وشرق سوريا، 82 حالة لزواج القاصرات خلال عام 2019 والنصف الأول من العام 2020، في عموم الحسكة.
هذا الرقم وإن بدا أقل من مثيلاته في باقي مناطق سوريا، لكنه لا يحصي الحالات جميعها؛ بسبب التكتم عليها في بعض المناطق، فظاهرة زواج القاصرات تنتشر في أرياف وقرى مقاطعة الحسكة بشكل أكبر من انتشارها في مراكز المدن.
وتشهد المناطق الريفية، لاسيما العشائرية منها، تكتماً فيما يتعلق بمواضيع اجتماعية معينة، بالإضافة لخشية العائلات من محاسبتها من جهة مؤسسات الإدارة الذاتية التي تمنع قوانينها زواج القاصرات.
ويرجع سبب ازدياد الحالات، في ريف الحسكة على وجه الخصوص للعادات والتقاليد وغياب الوعي لدى المجتمع، وتردي الوضع الاقتصادي في المنطقة.
فيما تحاول الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، منع هذه الظاهرة في أماكن سيطرتها، وأصدرت قانوناً في عام 2014 منعت فيه الزواج دون سن الثامنة عشرة.
لكن أغلب عمليات تزويج القاصرات تتم عن طريق الكتّاب ورجال دين، ويتم تثبيته في محاكم تابعة لحكومة دمشق التي لا يمنع قانونها زواج القاصرات، بحسب ناشطات في مجال حقوق المرأة.
وتسبب الظاهرة الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية بالنسبة للفتيات، وتدوم تبعاتها عليهنَّ مدى الحياة، كما تُعدُّ من الأسباب المؤدية لارتفاع معدلات الطلاق، لعدم قدرة الزوجين على فهم مؤسسة الزواج بسبب صغر سنهما، حسب منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة.
زواج القاصرات معاناة وظلم اجتماعي
كما أن زواج القاصرات له تأثيرات سلبية كثيرة، منها حرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والتعليم وفرض مسؤوليات كبيرة عليها في سن المراهقة، فيما العائلات تبرر هذا الزواج بصعوبة وتردي الوضع الاقتصادي، متجاهلةً حالات الطلاق التي قد تحدث لأولادهم وتبعاته مستقبلاً.
رئيسة هيئة المرأة في إقليم الجزيرة؛ “أفين باشو” أشارت، في الصدد، إلى أنه جرى تصديق المبادئ العامة والأحكام الخاصة بالمرأة بعد عرضها على المجلس التشريعي في إقليم الجزيرة عام 2014، والتي جرى العمل بها في محاكم الشعب، وكذلك تم تقديم قانون الأسرة للمجلس التشريعي عام 2022، من قبل هيئة المرأة، وما تضمنه من قوانين ارتكزت على تجريم زواج القاصرات، لما له من آثار سلبية على المجتمع بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص.
ونوهت أفين إلى تنظيم هيئة المرأة لحملات التعريف بهذه القوانين في عموم إقليم الجزيرة، وقد جرى هذا الأمر على مدار سنوات، وبالتنسيق مع التنظيمات النسائية الموجودة في المدن والبلدات المنتشرة في الإقليم.
التعريف بالمبادئ العامة والأحكام الخاصة بالمرأة
وأكدت كذلك على تنظيمهم “زيارات مكثفة للأسر في الجزيرة للتعريف بأهمية بلوغ الفتاة سن 18 قبل الزواج، إضافة إلى تنظيم سلسلة من الاجتماعات التعريفية بالمبادئ العامة والأحكام الخاصة بالمرأة وقانون الأسرة”، مؤكدة أنه تم التركيز على المواد المتعلقة بزواج القاصرات، وما تحمله طيات هذه القوانين من حقوق وواجبات.
ونوهت أفين إلى، أنهم قاموا كذلك بتنظيم ورشات عمل عن هذه القوانين، وزيارات لتنظيمات نسائية عديدة وعقد محاضرات خاصة عن المواد المتعلقة بزواج القاصرات؛ “لأنها من المواد الأساسية، التي تحاول حل مشكلة مجتمعية كبيرة، وإيقاف تفشيها عبر حماية القاصرات من الزواج المبكر”.
كما أضافت أنه تم نشر بروشورات بهذا الخصوص، “هذه النشاطات كلها، تتم بالتعاون والتنسيق بين هيئة المرأة والتنظيمات النسائية في إقليم الجزيرة”.
رئيسة هيئة المرأة في إقليم الجزيرة؛ “أفين باشو” أكدت في ختام حديثها، “إن الأحكام والقوانين، التي تم اعتمادها في إقليم الجزيرة بدأت اليوم تناقش في بقية أقاليم ومقاطعات شمال وشرق سوريا، كي تصبح نواة لتغيير بعض العادات والتقاليد السلبية التي تشكل غطاء للانتهاكات الممارسة بحق القاصرات”.