سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

رَحَلَتْ داعشٌ وبَقِيَتْ تركيّا

 محسن عوض الله
الزمان: 29 حزيران 2014، الحدث: أبو محمّد العدناني المتحدّث باسم داعش يعلن قيام الخلافة الإسلاميّة وتنصيب أبو بكر البغداديّ خليفة للمسلمين.
الزمان: 23 آذار 2019، الحدث: مصطفي بالي مدير المركز الإعلاميّ لقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة يُعلن إسقاط دولة الخلافة المزعومة “داعش”.
قرابة خمس سنوات؛ فارق زمنيّ بين الحدث الأوّل والثاني، خمس سنوات أنقذوا العالم من إرهاب متوحّش لا علاقة له بالأديان يتمسّح بالإسلام وهو أبعد ما يكون منه، سنوات ما كانت لتنتهي لولا أولئك الشبّان والفتيات الذين جعلوا من أنفسهم حائطَ صدّ منيع لحماية الإنسانيّة من هؤلاء المرتزقة المجرمين، رجال ونساء حملوا أرواحهم بين أيديهم حماية لأرضهم ووطنهم وللعالم من هذا الفكر العنصريّ المتطرّف، الذي لا يرى الآخر سوى عدوّ يجب القضاء عليه. سنوات ساهم فيها داعش بسرقة الثّورة السّوريّة وتحويل مسارها من حِراك شعبيّ سلميّ، لمَقْتَلَةٍ شعبيّة مسلّحة، سقطت فيها كلّ مكوّنات شعوب سوريّا، لم ينجُ أحد من جرائم هؤلاء الإرهابيّين، ضحاياهم من كلّ المكوّنات، عرباً وكرداً، مسلمين وإيزيديّين ومسيحيّين، سنّة وشيعة وعلويّين.
بدعم من قوى إقليميّة، نجح “داعش” في السيطرة على مساحات كبيرة من سوريّا والعراق، وأعلن دولته المزعومة التي حظيت على مدار عمرها القصير، بدعم لوجستيّ وعسكريّ من حكومة أنقرة، وفق وقائع مثبّتة، لا تقبل التشكيك أو النفي، وسبق الكشف عنها في مقالات سابقة ولا يتّسع المجال لذكرها الآن. حيث سعت تركيّا، التي أعتبُرها أعتى أعداء الشعب السّوريّ، لسرقة الثّورة السلميّة، بعد أن فتحت حدودها أمام المسلّحين من كلّ أنحاء العالم للدّخول لسوريّا باعتبارها أرضَ جهادٍ، وحرّضت أنقرة أَفرُعَ جماعة “الإخوان المسلمين” الموالية لها على رفع شعار “لبّيكِ سوريّا”، لتتحوّل قبلة الجهاد من فلسطين المحتلّة، إلى أرض الشّام، في خطوة خدمت إسرائيل ولم تحرّر سوريّا.
سنوات، أطالت أمدَ الحرب، وعمر النظام الذي كاد أن يسقط لولا هؤلاء المرتزقة الذين منحوه  قبلة الحياة، وجعلوا بقاءه مقبولاً دوليّاً، بعد أن كان رحيله رغبة أمميّة، سنوات، سقط فيها خلال المواجهات بين داعش المجرم، وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة وحدها أكثر من 11 ألف شهيد، فضلاً عن 21 ألف مصاب، كثير منهم فقد جزءاً من جسده. تخيّل معي، لو لم تشهد سوريّا ما يعرف بـ”داعش”، أو “جبهة النصرة”، أو غيرها من التنظيمات التي صنعتها أنقرة، كيف كان سيكون حال الثّورة السّوريّة اليوم؟ كيف سيكون وضع سوريّا وشعبها؟ لو لم تظهر “داعش” وأخواتها، لنجحت الثّورة السّوريّة في إسقاط النظام، ولأصبح بشّار ونظام البعث جزءاً من التاريخ والماضي، ولما تدخّلت القوّات الرّوسيّة والإيرانيّة لإجهاض الحِراك السلميّ، ولما احتلّت تركيّا 400 ألف كم2 من مساحة سوريّا، ولما رُفِعَ العلم التركيّ فوق الأرض السّوريّة، ولما سقط مئات الآلاف من الشهداء منذ 2011 وحتّى الآن، ولما ترَك ملايين السّوريّين بلادهم بحثاً عن ملاذ آمن. لو لم تظهر “داعش”، لما قُتل الطفل حمزة الخطيب ابن مدينة درعا في المعتقل، وما ابتلع البحر “آلان” ذو الثلاث سنوات ابن مدينة كوباني وهو يهرب من المحرقة، وما حُرِم قرابة 2 مليون طفل سوريّ من التعليم بحسب اليونيسيف. أسوأ ما فعلته تركيّا بسوريّا، أنّها صنعت تلك التنظيمات المجرمة لتفرّق وحدة سوريّا، وتنشر الخلاف بين مكوّنات شعوبها، قامت تركيّا عن طريق “داعش” بتكفير الكرد، ووصفهم بـ”الملحدين”، واستباحت من خلال ميليشيّات مجرمة، موالية لها مدناً كرديّة كما حدث بعفرين.
قتلت تركيّا النخوة بنفوس بعض السّوريّين الموالين لها، فلم يُراعوا حرمة فتاة كـ”أمينة عمر” الشهيرة بـ”بارين كوباني”، فقتلوها وانتهكوا حُرمة جثمانها، وفق أيديولوجيّة “داعشيّة تركيّة”، ترى تلك الفتاة المُدافعة عن أرضها ووطنها وعرضها مُلحِدة كافرة؟!
ختاماً ربّما تكون “داعش” قد سقطت، وانتهي حيّز وجودها الجغرافيّ، ولكن بقي خطرها، وفكرها السرطانيّ موجوداً ومنتشراً، وبقي ما هو أَشَرُّ من ذلك، بقيت أنقرة وحكومتها المعادية لكلّ حقّ كرديّ، والتي لا تمانع من تدمير سوريّا عن بِكرة أبيها في مواجهة من تسمّيهم “الإرهابيّين الكُرد”، رغم أنّ هؤلاء “الإرهابيّين” يحظون باحترام العالم أجمع بعد أن أسقطوا دولة الخلافة الإرهابيّة. يجدر بالعالم، إن كان جادّاً في محاربة الإرهاب، وهو أمر مشكوك فيه من وجهة نظري، أن يدرك أنّ سقوط “داعش” ونهاية دولة الإرهاب، لن يكتمل دون وقفة جادّة ضدّ حكومة أنقرة الدّاعمة لكلّ الفصائل والتنظيمات الإرهابيّة بسوريّا. وعلى قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة أن تدرك أنّه إذا كانت “داعش” قد سقطت في الباغوز؛ فقد بقي جيبها الأخير في عفرين ينتظر التحرير؛ فدقّوا الطبولَ ولا تخلعوا بزّة الحرب.