قرابة خمس سنوات؛ فارق زمنيّ بين الحدث الأوّل والثاني، خمس سنوات أنقذوا العالم من إرهاب متوحّش لا علاقة له بالأديان يتمسّح بالإسلام وهو أبعد ما يكون منه، سنوات ما كانت لتنتهي لولا أولئك الشبّان والفتيات الذين جعلوا من أنفسهم حائطَ صدّ منيع لحماية الإنسانيّة من هؤلاء المرتزقة المجرمين، رجال ونساء حملوا أرواحهم بين أيديهم حماية لأرضهم ووطنهم وللعالم من هذا الفكر العنصريّ المتطرّف، الذي لا يرى الآخر سوى عدوّ يجب القضاء عليه. سنوات ساهم فيها داعش بسرقة الثّورة السّوريّة وتحويل مسارها من حِراك شعبيّ سلميّ، لمَقْتَلَةٍ شعبيّة مسلّحة، سقطت فيها كلّ مكوّنات شعوب سوريّا، لم ينجُ أحد من جرائم هؤلاء الإرهابيّين، ضحاياهم من كلّ المكوّنات، عرباً وكرداً، مسلمين وإيزيديّين ومسيحيّين، سنّة وشيعة وعلويّين.
سنوات، أطالت أمدَ الحرب، وعمر النظام الذي كاد أن يسقط لولا هؤلاء المرتزقة الذين منحوه قبلة الحياة، وجعلوا بقاءه مقبولاً دوليّاً، بعد أن كان رحيله رغبة أمميّة، سنوات، سقط فيها خلال المواجهات بين داعش المجرم، وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة وحدها أكثر من 11 ألف شهيد، فضلاً عن 21 ألف مصاب، كثير منهم فقد جزءاً من جسده. تخيّل معي، لو لم تشهد سوريّا ما يعرف بـ”داعش”، أو “جبهة النصرة”، أو غيرها من التنظيمات التي صنعتها أنقرة، كيف كان سيكون حال الثّورة السّوريّة اليوم؟ كيف سيكون وضع سوريّا وشعبها؟ لو لم تظهر “داعش” وأخواتها، لنجحت الثّورة السّوريّة في إسقاط النظام، ولأصبح بشّار ونظام البعث جزءاً من التاريخ والماضي، ولما تدخّلت القوّات الرّوسيّة والإيرانيّة لإجهاض الحِراك السلميّ، ولما احتلّت تركيّا 400 ألف كم2 من مساحة سوريّا، ولما رُفِعَ العلم التركيّ فوق الأرض السّوريّة، ولما سقط مئات الآلاف من الشهداء منذ 2011 وحتّى الآن، ولما ترَك ملايين السّوريّين بلادهم بحثاً عن ملاذ آمن. لو لم تظهر “داعش”، لما قُتل الطفل حمزة الخطيب ابن مدينة درعا في المعتقل، وما ابتلع البحر “آلان” ذو الثلاث سنوات ابن مدينة كوباني وهو يهرب من المحرقة، وما حُرِم قرابة 2 مليون طفل سوريّ من التعليم بحسب اليونيسيف. أسوأ ما فعلته تركيّا بسوريّا، أنّها صنعت تلك التنظيمات المجرمة لتفرّق وحدة سوريّا، وتنشر الخلاف بين مكوّنات شعوبها، قامت تركيّا عن طريق “داعش” بتكفير الكرد، ووصفهم بـ”الملحدين”، واستباحت من خلال ميليشيّات مجرمة، موالية لها مدناً كرديّة كما حدث بعفرين.
السابق بوست