بينما تستمر تركيا بسحب نقاطها من “خفض التصعيد”، خرج إلى العلن اتفاق بين أذربيجان وأرمينيا وُصِف بأنه استسلام من قبل الأخيرة برعاية روسية، وتزامن ذلك مع هجمات تركية على منطقة عين عيسى، وهذه الأحداث المترافقة تطرح أسئلة حول ما إذا كان ذلك حصل نتيجة صفقة بين أنقرة وموسكو وما حدود هذه الصفقة؟
واصلت جيش الاحتلال التركي عملية الانسحاب من نقاط محاصرة في أرياف إدلب وحماة وحلب، ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج عشرات الشاحنات من النقاط التركية المحاصرة في أرياف إدلب وحماة وحلب من قبل قوات الحكومة السورية وتوجهها إلى مناطق المجموعات المرتزقة.
انسحبت القوات التركية من النقطة الواقعة بين الشيخ عقيل وقبتان الجبل باتجاه محيط الأتارب في ريف حلب الغربي، كما انسحبت من النقطة العسكرية في “معر حطاط”، بالإضافة إلى الانسحاب من نقطة لها في شير مغار بجبل شحشبو شمال غرب محافظة حماة، وكانت قد انسحبت في مطلع تشرين الثاني، من نقطة لها في مورك بشكل كامل.
وعقب التفاهمات الروسية التركية الإيرانية تحت غطاء اتفاق أستانا تم تثبيت 29 نقطة مراقبة تتوزع على 12 نقطة تركية ضمن مناطق المرتزقة، و10 نقاط روسية و7 نقاط إيرانية ضمن مناطق قوات الحكومة السورية. ومع سيطرة قوات الحكومة السورية وبدعم روسي خلال الحملة الأخيرة أواخر عام 2019، وتقدمها في مناطق واسعة بأرياف حلب وحماة وإدلب، بقيت العديد من النقاط التركية ضمن مواقعها وأصبحت محاصرة من قبل قوات الحكومة، وأبرز هذه النقاط “تل الطوقان، والصرمان، وجبل عندان، والراشدين، وتل العيس، وتل الصوان شرق مورك، ومعر حطاط ونقاط حول مدينة سراقب”.
وطوال الفترة الماضية كان أردوغان ومسؤولوه قد أطلقوا التهديدات وطالبوا قوات الحكومة السورية بالانسحاب إلى ما خلف النقاط، إلا أن ما حصل كان عكس ذلك، إذ بدأت قوات الاحتلال التركي بالانسحاب من تلك النقاط.
وترافقت هذه الانسحابات، مع تكثيف الاحتلال التركي لهجماته على منطقة عين عيسى في شمال وشرق سوريا. وتلا ذلك، رعاية روسيا لاتفاق بين أذربيجان المدعومة من أنقرة وأرمينيا المدعومة من موسكو حول الصراع في قره باغ، والذي وُصف بأنه استسلام من قبل أرمينيا.
كل هذه الأحداث المترافقة مع بعضها، تثير تساؤلات هامة حول ما إذا كان ذلك نتيجة صفقة جديدة بين روسيا وتركيا اللتان جعلتا من سوريا وليبيا وقره باغ ساحة تقايض واحدة، بالإضافة إلى حدود هذه الصفقة، وإذا ما انتهت بالمقايضة بين إدلب وقره باغ؟
لماذا سحب الاحتلال التركي نقاطه؟
وحول أسباب الانسحاب التركي قال المحلل السياسي الكردي جوان يوسف: “سحب تركيا قواتها من نقاط “خفض التصعيد” لا يشي بملامح مرحلة جديدة وإنما يأتي في سياق التفاهم الروسي – التركي في الخامس من آذار الماضي وهو التفاهم الذي استند أساسًا إلى اتفاقات سوتشي والتي أعطت بموجبها روسيا مهلة زمنية لتركيا لتقوم بتفكيك المنظمات المصنفة روسيًّا بالإرهابية، وهي أساسًا قاعدة اتفاقية سوتشي، لكن عمليًّا لم تفِ بالتزاماتها، ولذلك قامت قوات النظام مدعومة من روسيا بشن هجوم واسع النطاق على مناطق خفض التصعيد واستولت على خط الـ M5 في شباط الماضي”.
وأضاف: “تركيا انسحبت من مورك وبعض النقاط الأخرى لعاملين: الأول سياسي، كما ذكرت، يتعلق بتفاهم آذار الماضي وربما يضاف إليه مقايضة أخرى تتعلق بقره باغ أو M4 رغم أنه الاحتمال الأضعف. أما العامل الثاني فهو عسكريٌّ يتعلق بإعادة انتشار جيش الاحتلال التركي وإخراج نقاط المراقبة من الحصار الذي فُرض عليها نتيجة إحاطتها بقوات الأسد، مما جعل خطوط إمدادها تحت رحمة النظام وروسيا وربما هذا ما يفسر قيام تركيا بدعم قواتها وتعزيزها بالأسلحة في جنوب إدلب”.
وبدوره رأى الصحفي والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ أن “أنقرة استثمرت بملف نقاط المراقبة وستبقى أيضًا مقابل توسع روسي في الشمال الغربي، إضافة إلى وجود إمكانية محاولات أخرى في الشمال الشرقي لتوسيع رقعة السيطرة بالتفاهم مع تركيا، مقابل بقعة محدودة لأميركا يمكن أن تتسع أو تصغر بحسب السياسة التي ستكون عليها الإدارة الأميركية الجديدة تجاه التفاهات الروسية – التركية في سوريا بالمقام الرئيسي”.
هل تمت الصفقة؟
وحول ما إذا كانت هناك صفقة بين الطرفين قال الحافظ: “هناك فصل في الملفات المشتركة بين الجانبين الروسي والتركي، ورغم ذلك فإن تلك الملفات لا خلافات كبرى عليها بل حتى إن روسيا أقفلت باب الأزمة الأذرية – الأرمينية كما تشتهي تركيا، ولو مؤقتًا، ما يعني أن الطرفين متناغمان ضمن قواعد حركات سياسية وعسكرية محسوبة لدى كليهما”.
وأضاف: “الصفقة السياسية أمر حاصل بمجرد الانسحاب التركي من بعض نقاط المراقبة، فالانسحاب في هذا التوقيت ليس من أجل منع عمل عسكري جديد في الشمال الغربي، وإنما هو ورقة سياسية قدمتها تركيا لروسيا بعد مماطلات ووعود كثيرة”.