سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

روسيا تلجأ إلى تركيا والشركاءِ التجاريين لتخفيفِ تأثيرِ العقوباتِ

أعلنت روسيا وتركيا، الجمعة، أنّهما ستعززان تعاونهما الاقتصاديّ، وسط مخاوف غربية من أن موسكو تبحثَ عن سبلٍ جديدةٍ للالتفافِ على العقوباتِ المفروضةِ بسبب غزوها لأوكرانيا، واتفق الرئيس الروسيّ بوتين ونظيره التركيّ أردوغان، على تعزيزِ التجارةِ الثنائيّة واتخاذِ خطواتٍ للعملِ بشكلٍ أوثق في قطاعاتِ النقلِ والزراعةِ والصناعة والماليّة، وفقاً لبيانٍ مشتركٍ صدر بعد أربعِ ساعاتٍ من المحادثاتِ في منتجعِ سوتشي الروسيّ على البحر الأسود، وكانت هذه المرة الثانية التي يلتقي فيها الرجلان خلال ما يزيد قليلاً عن أسبوعين.
اتفاقٌ تجاريّ وماليّ لاحتواءِ العقوبات الغربيّة
 
تتزايد المخاوف لدى الغرب وأوكرانيا من أنَّ موسكو تسعى للحصول على مساعدة أردوغان لتجاوزِ القيود المفروضة على قطاعات البنوك والطاقة والصناعة، والتي تتعمق أكثر في اقتصادها، رغم أنَّ تركيا دولة عضو في الناتو، إلا أنّها لم تنضم إلى الدول الأعضاء الأخرى في فرض العقوبات.
لم يُشِرِ البيانُ إلى الاتفاقِ التجاريّ والاقتصاديّ الثنائيّ الذي دعا إليه بوتين مسبقاً، ولم يردِ المتحدثُ باسم الكرملين ديمتري بيسكوف مساء الجمعة على أسئلة بشأنِ ما إذا كان قد تمَّ توقيعُ اتفاقٍ.
دعا اقتراح روسيّ تم اعتراضه قبل الاجتماع من قبل المخابرات الأوكرانيّة حكومة أردوغان بالسماح لروسيا بشراء حصص في مصافي النفط والمحطات والخزانات التركيّة – وهي خطوةٌ يقول الاقتصاديون إنّها قد تساعد بإخفاءِ مصدرِ صادراتها بعد بدءِ الحظرِ النفطيّ للاتحاد الأوروبيّ بالكامل العام المقبل، كما طلبت روسيا من العديد من البنوك التركيّة المملوكة للدولة السماح بحساباتٍ مراسلة لأكبر البنوك الروسيّة، والتي يقول اقتصاديون وخبراء العقوبات إنّها ستكون انتهاكاً صارخاً للعقوباتِ الغربيّةِ، وأن يُسمح للمنتجين الصناعيين الروس بالعملِ خارجَ المناطق الاقتصاديّة الحرةِ في تركيا.
ولم يكن هناك ما يشير بعد المحادثاتِ إلى موافقةِ تركيا على مثل هذه الترتيباتِ، التي من شأنها أن تتركَ البنوك والشركاتِ في البلادِ عرضةً لخطرِ عقوباتٍ ثانوية وتقطع وصولها إلى الأسواقِ الغربيّة، وقال ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي إنَّ البلدين توصلا إلى اتفاقياتٍ جديدة في المجالين المالّي والمصرفيّ لكنه لم يذكر تفاصيل.
قال مسؤول تركيّ كبير، لم يكشف عن هويته، لمناقشةِ اجتماعٍ دبلوماسيّ حسّاسٍ، صباح الجمعة إنَّ البلادَ لا تزالُ “ملتزمةٌ باستقلالِ أوكرانيا وسيادتها”، وأضاف “تركيا “من حيث المبدأ… تنضمُّ إلى العقوباتِ التي تفرضها الأمم المتحدةِ حصريّاً”.
وقال مسؤولون حكوميون غربيون، تحدثوا أيضاً شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموقف، لصحيفة The Post إنهم لم يكونوا على علم بالاقتراح الذي تم اعتراضه، لكنهم قالوا إنهم يخشون أن تسعى روسيا للالتفاف على العقوبات المرتبطة بالحرب والضرر المتنامي على اقتصادهم.
وقالوا: إنّ المسؤولين الروس يجوبون العالم بحثاً عن أشخاص يرغبون بالقيام بأعمال تجاريّة مع مؤسساتهم الماليّة، مشيرين إلى أنَّ تركيا من بين مجموعة من الدول التي يتم الاتصال بها بسبب تساهلها بتنفيذ العقوبات.
مع عزل روسيا عن جزء كبير من الاقتصاد العالميّ، فإن مثل هذه المبادرات هي علامةُ مخاوفَ النظامِ المتزايدة، كما يقولُ هؤلاء المسؤولون والاقتصاديون الغربيون، وسخر بوتين من العقوبات الغربيّة ووصفها بأنّها فاشلة، فقد دعم التدفقَ المستمرّ للإيراداتِ من مبيعاتِ الطاقة الروبل الروسيّ والنظام الماليّ للبلاد، ويتوقع صندوقُ النقدِ الدوليّ الآن أن ينخفضَ ​​الاقتصادُ الروسي بنسبة 6% فقط هذا العام، لكن الاقتصاديين يقولون إنّ العناوين الرئيسيّة تُخفي انهياراً في قطاع كبير من التصنيع الروسيّ، ويطلقون على القطاعِ المصرفيّ “نظام الزومبي”، مع حظرِ سحبِ الودائع بالعملة الصعبة. ورغم أنَّ روسيا سعت إلى تحويلِ التدفقاتِ التجاريّة عبر دول مثل الهند والصين، إلا أنَّ الحظر الذي فرضه الغرب على واردات المكوناتِ عالية التقنية أدى لتوقفِ بعض الصناعات.
ضرورة وجود أقنية ماليّة بديلة
 
قال سيرغي جورييف، الأستاذ في معهد الدراسات السياسيّة الفرنسيّة وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبيّ لإعادةِ الإعمار والتنمية: “سيكون الوضع أكثر قتامة العام المقبل”. “لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور عندما يبدأ حظرُ النفطِ الأوروبيّ، نحن في وضعٍ مجهول”.
تظهر الأرقام الجديدة الصادرة الأسبوع الماضي من قبل وكالة الإحصاءات الحكوميّة الروسيّة، Rosstat، مدى الضرر الذي أصاب بعض القطاعات. انخفض إنتاج السيارات، وهي الصناعة الأكثر اعتماداً على المكونات الأجنبيّة، بنسبة 89% في حزيران على أساس سنويّ، بينما انخفض إنتاج أجهزة الكمبيوتر وأشباه النواقل بنسبة 40% على أساس سنويّ، وانخفض إنتاج الغسالات بنسبة 59% تقريباً.
قال مكسيم ميرونوف، أستاذ المالية في كلية IE للأعمالِ في مدريد: “من الواضح أن الأمور ستصبح أكثر وأكثر صرامة”، وأشار إلى أنّ الإعلان هذا الأسبوع عن أنَّ أحد مصانع السيارات الرئيسيّة لشركة AvtoVAZ المملوكة للدولة سيقللُ من قوةِ العمل لديها يشير إلى عدمِ وجود خيارات أخرى للشركةِ والحكومة. “التخفيضات بدأت وقد تؤدي لتوتر اجتماعيّ”.
قال سيرغي ألكساشينكو، النائب السابق لرئيس البنك المركزيّ والمقيم الآن في المنفى بالولايات المتحدة، إنّه من الضروريّ لروسيا إيجاد قنوات ماليّة بديلة لبنوكها، وأضاف: “إنّها مسألة أموال”، مشيراً إلى أنَّ إيران، بمساعدة روسيا وتركيا، تمكنت سابقاً من الالتفافِ على العقوباتِ الغربيّة “إذا دفعت الكثيرَ، سيكون هناك بعض البنوك على استعدادِ لتحملِ المخاطرِ”.
كان نظام بوتين يأمل سابقاً بتجاوز العقوبات من خلال إنشاء أنظمة دفع بديلة من خلال البنوك الصينيّة، وفقاً لمسؤول حكوميّ روسيّ على صلةٍ جيدةٍ، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من المساءلة، ومع ذلك، فقد امتنعت البنوك الصينيّة عن تولي هذا الدور بسببِ خطرِ فرض عقوباتٍ ثانويّةٍ، ورغم زيادةِ وارداتِ البلاد من النفطِ والغاز الروسيّ، فإنّها لا تستطيع تلبية جميع احتياجات روسيا من المعدات.
ما المقابل..؟
 
قال مسؤولون غربيون إنّه أصبح واضحاً أنَّ الصين لم تكن قناةً مناسبةً لروسيا للتخفيف من تأثيرِ العقوباتِ، ما أجبر الكرملين على البحث بشكلٍ يائس عن شركاء آخرى. وفي علاقةِ أردوغان المعقّدة مع بوتين، التي تميّزت بفتراتٍ من الصراعِ والتعاونِ، كان لروسيا نفوذٌ كبيرٌ في الماضي وأظهرت استياءها عبر قطعِ تدفقِ السياحِ إلى تركيا أو حظرِ استيرادِ المنتجاتِ الزراعيّة التركيّة، ومنذ بداية الحرب الأوكرانيّة، نصبت تركيا نفسها كوسيطٍ بين موسكو وكييف، وهو الدورُ الذي بدا أنّه يؤتي ثماره الشهر الماضي عندما توسطت تركيا والأمم المتحدة في اتفاقٍ لاستئنافِ شحناتِ الحبوبِ من الموانئ الأوكرانيّةِ المحاصرة، وشكر بوتين أردوغان الجمعة على دوره بتنظيمِ ذلك.
ويريد أردوغان موافقة بوتين على شن هجمات مزمعة ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، وتحتفظ روسيا بقواتٍ بالمنطقة في إطار دعمها للرئيس السوريّ بشار الأسد، ولم يتضح ما إذا كان قد تمَّ إحراز أيّ تقدمٍ بشأن هذه القضية خلال الاجتماع الأخير للرؤساء.
وفقاً لاثنين من رجال الأعمالِ في موسكو، يتمُّ بالفعلِ إعادةُ بناءِ سلاسل التوريد بالتجزئةِ في روسيا بمساعدة تركيا، وقال صاحبُ سلسلة متاجر التجزئة الكبرى إنَّ منافذَ البيع الخاصة به أعادت تنظيم الإمداداتِ بالكاملِ من خلالِ مراكز جديدة في تركيا وإسرائيل والصين وأذربيجان، وأظهرت بياناتٌ حديثةٌ صادرةٌ عن معهدِ الإحصاءِ التركيّ أنَّ الصادراتِ التركيّة الشهريّة إلى روسيا ارتفعت بنحو 400 مليون دولار بين شباط وحزيران.
لكن بغضِّ النظرِ عن السلعِ الاستهلاكيّة، يشكُّ خبراءُ العقوباتِ والمسؤولون الغربيون بأن تصبحَ تركيا مركزاً لإمداداتِ المعداتِ التي تزيدُ الحاجةُ إليها دون مواجهةِ خطرِ عقوباتٍ ثانويّةٍ، وقال هؤلاء المسؤولون إنَّ على البلادِ الاختيار، علماً أنَّ أيَّ عملٍ تقومُ به مع روسيا يخاطر بوضع اقتصادها وقطاعها الماليّ تحت المجهرِ وسيصعّبُ التعاملَ مع بقيةِ العالمِ.
وكالات