روسيا تتحمّلُ تبعاتِ الوجودِ التركيِّ في سوريا

نوري سعيد_

إصرار روسيا على إبعاد تركيا عن حلف الناتو، واستمرار ضخ الغاز في سوريا، وهذه هي قمة البراغماتية (المصلحة) لدولة تعدّ نفسها حريصة على وحدة وسيادة سوريا، هذا لا يعني بالطبع أننا ننسى الجانب الأمريكي، فنحن ندرك أن صداقة أمريكا ورطة وعداوتها كارثة، ولا توجد صداقات، أو عداوات دائمة في السياسة، وبالأخص مع دخولنا “الألفية الثالثة” وزوال المعايير الأخلاقية في السياسة، إذ لولا حصول تركيا على الضوء الأخضر من روسيا في عفرين، ما استطاعت احتلالها، بمعنى عفرين عرّت ادعاءات روسيا في المحافظة على سيادة الأراضي السورية، وبالمقابل لولا ترامب ما احتلت تركيا سري كانية وتل أبيض/ كري سبي،  وبالإضافة إلى ذلك، جعلت روسيا من تركيا وإيران دولتين ضامنتين بموجب “مرجعية أستانا” التي وجدت لتكون بديلاً ل”جنيف”، رغم أن الدولتين طرفان في الصراع الدائر في سوريا، وتعملان على خلط الأوراق، وفرملة أي محاولة للحل، كما أن الوجود التركي يعدُّ عدوانياً واحتلالياً وتوسعياً، إلى جانب ذلك قامت روسيا بجمع الفصائل الإرهابية كافة “داعش وأخواتها والمرتزقة” في إدلب لتسهيل القضاء عليهم، كما فعلت مع الشيشان، ولكن كما يبدو (ليس كل مرة تسلم الجرة) إذ رغم الغارات الروسية المتكررة، والعنف الذي تمارسه في إدلب لم تستطع حسم الموقف، وتحقيق الانتصار، وفي محاولة منها للخروج بماء الوجه ومع علمها المسبق أن لتركيا علاقات وطيدة مع تلك الفصائل، اشترطت على تركيا فرز الفصائل الراديكالية عن المعتدلة، واخراج الأولى من إدلب.

وهنا تقول: لا تركيا ولا حتى روسيا، تستطيعان ذلك لأن جبهة النصرة، التي لها باع طويل في إدلب تابعة لتنظيم القاعدة على المستوى العالمي، وعليه روسيا تتحمل تبعات الوجود التركي في روسيا، وعليها أن تقوم بإخراجها، لأن تركيا إذا احتلت أرضاً لا تخرج منها مهما كلفها ذلك من ثمن، ولهذا لا يجوز لروسيا تقديم النصائح لقوات سوريا الديمقراطية، أن أمريكا سوف تغادر سوريا، ولا يجوز الوثوق بها كما فعلت ذلك في أفغانستان، لكنها تتناسى أن (قسد) ليست طالبان لأنها ألحقت الهزيمة العسكرية بداعش في الباغوز، كما أن أكثر من مسؤول أمريكي صرح أنهم لن يخرجوا من المنطقة طالما داعش تمثل خطراً، ومن المخجل في السياق ذاته، أن يردد وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أن أمريكا تنوي إقامة دولة كردية في المنطقة، ومع أنه من حقنا نحن الكرد أن يكون لنا دولة، لكننا نُطمئن لافروف: أن الحركة الكردية في سوريا لم تطالب لا بالانفصال، ولا حتى بدولة بل بسوريا ديمقراطية، لا مركزية تعددية وأن تنال الشعوب السورية كافة، بما فيهم الكرد حقوقها الثقافية والسياسية، وأن يثبت ذلك في الدستور، وأخيراً، إذا كانت روسيا تعدّ نفسها حليفاً صادقاً لسوريا، فلماذا لا تتصدى للطائرات الاسرائيلية التي تخرق الأجواء السورية؟ ولماذا يصرح رئيسها فلاديمير بوتن: أن روسيا تراعي المصلحة الاسرائيلية في سوريا؟ فهل يستطيع بوتن توضيح ما تعني المصالح الاسرائيلية؟ فمصلحة إسرائيل بكل بساطة تمكن في تحويل سوريا إلى دولة لا حول لها ولا قوة، وللعلم فإن تركيا هي إحدى الأدوات لتنفيذ ذلك من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير السيء الصيت، وهي تريد تقسيم سوريا باحتلال الشمال السوري من عفرين غرباً وحتى دجلة شرقاً وبعمق 30كم، وأعتقد أن أي طرف يعدّ نفسه حليفاً وحريصاً على وحدة، وسيادة سوريا لن يقبل بالمخطط التركي العدواني التوسعي، فهل روسيا ستفعل ذلك، وتقوم بإخراج المحتل التركي لنكون لها من الشاكرين؟ أم أنها لن تفرط كغيرها بمصالحها، ولو كان ذلك على حساب دماء شعبنا السوري المسكين؟ وإرضاءً للمحتل التركي، انطلاقاً من المثل الشعبي العربي (مئة أم تبكي ولا أمي) أو (فخار يكسر بعضو)، وتتركنا رغم أوضاعنا المتردية فريسة للطورانيين الجدد هي وأمريكا التي لا تقل براغماتية عنها.

ولهذا لا خيار لنا كسوريين سوى التوحد، ونبذ الخلافات فيما بيننا، إذ لا أحد يريد لنا الخير، ولا يجوز أن نبقى مكتوفي الأيدي، ونحن نشاهد وطننا ينهار، سوريا التي عمرناها كل شبر بنذر، سوريا بوابة التاريخ، وبلد التآخي، والعيش المشترك، ستبقى كذلك رغم أنف الجميع.