سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

رؤية الفيلسوف عبد الله أوجلان للإسلام الكوني والإسلام الرسمي

د. علي أبو الخير_

ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال، وسألت نفسي كيف أحكم على إسلام أحد من البشر، فضلاً عن كونه زعيماً إنسانياً على المستويات السياسية والثقافية والدينية بشكل عام وشامل، وما حفزني على كتابة هذا المقال عن القائد عبد الله أوجلان، هو الحملة التركية الظالمة الكاذبة، التي دأبت على تشويه ثقافته، وتتهمه ومعه أعضاء حزب العمال الكردستاني بالإلحاد والشيوعية والكفر، لا لشيء إلا لكونهم معارضين، يطلبون حماية شعبهم وذاتهم ولغتهم وثقافتهم، فتم اتهامهم بالكفر واستغلوا فتاوى من بعض شيوخ الدين الأتراك، فلم يتورع قادة الترك وشيوخ الترك عن الكذب عن الناس.
تحليل القائد أوجلان للاشتراكية والرأسمالية
 عندما نكتب عن الإسلام الكوني والإسلام الرسمي عند القائد أوجلان، نستطلع تجارب المسلمين، لأن المسلمين في العصر الحديث اختلفوا كعادتهم، حول النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخذوه منهاجاً للسلطة والشعوب معاً، فعندما كان المد الاشتراكي منتشراً، زعم فريق من مفكري السلطان أن الإمام علي بن أبي طالب كان ذا نزعة اشتراكية، وأنه قال (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، وزعموا أن الصحابي أبا ذر الغفاري كان أول اشتراكي في الإسلام، ثم ادّعى شيوخ السلطان أن الاشتراكية من الإسلام واستندوا إلى حديث منسوب للنبي (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) ، وجاءت كتب تروج لاشتراكية الإسلام، وعندما سقطت الاشتراكية ومعها الشيوعية بشكل عام، ذهب رجال الدين من المنتمين أيضاً للسلطة وزعموا أن الرأسمالية تقترب من الإسلام، لأن الإسلام لم يحرم الغنى، وتفاني الجميع في الدفاع عن الرأسمالية من كل الاتجاهات: السلطة ـ الإخوان المسلمون ـ التيارات الدينية الرسمية، كلها زعمت أن الرأسمالية من مفردات الإسلام، وجميعها لخدمة المشروع الأمريكي الأوربي الإمبريالي… وكله إفك وزور لا يستقيم مع دعوة الإسلام الداعي للسلام والتعارف بين البشر، لا الصدام والتناحر والحروب، والنبي عليه السلام لم يقم بحرب هجومية، وكلها كانت دفاعاً على أصل الدعوة، الدعوة الكونية حسب وصف أوجلان نفسه.
الإسلام الكوني والإسلام الرسمي 
قبل الحديث عن رؤيته الشاملة، لا ننسى أن نقول إن القائد عبد الله أوجلان ابن الكرد، مسلم متمسك بدينه كشأن كافة الكرد، والكرد مسلمون متمسكون بإسلامهم، ذوو نزعة صوفية روحية، لهم إسهاماتهم في الحضارة الإسلامية والانقسامية، وثقافتهم ممتدة عبر الزمن، وفي هذه البيئة الكردية نشأ الفيلسوف عبد الله أوجلان.
الإسلام الكوني 
للقائد عبد الله أوجلان نظرة حول دين الإسلام، كتبنا عن رؤيته للقومية والإسلام، واليوم نكتب عن رؤيته للإسلام كدين وحضارة، فهو يرى أن الإسلام دين عدل وأن العدل غير موجود في بلاد المسلمين، وينطلق مفهومه من منطلق إسلامي، نجده في ثنايا كتبه من مانيفيستو الحضارة والأمة الديمقراطية وغيرهما، فهو لم يتأثر بالماركسية ولا  الرأسمالية، فقد انتقدهما وبشده، وفي رؤيته للإسلام نجد ملخصها ما جاء في رسالته إلى مؤتمر الإسلام الديمقراطي المنشورة في موقع https://pydrojava.org/ بتاريخ 19 أيلول 2018: ” إن الإسلام الرسمي يلعب دوره على نطاق واسع يمتد من الفاشية وحتى الليبرالية، وبالتالي، فهو بمثابة الإسلام المضاد.. إن الجماعات الرسمية و”اللاسياسية” على السواء، وكذلك الممارسات الإسلامية التي تم تجربتها مؤخراً في تركيا قد جعلت المجتمع وجهاً لوجه أمام أعنى أنواع الرأسمالية النهابة والسلطوية والمعادية للبيئة.
لذلك؛ فإن البديل الأمثل لهذا الواقع القائم يكمن في الإسلام العادل والحر والديمقراطي، والذي يتعين عليه أن يعرّف نفسه ويسعى إلى مؤسسة ذاته بصورة دائمة، “فالإسلام الحر الحقيقي يشمل الكون جميعه، حيث “يعبّر الجانب الكوني عن نفسه بقوةٍ من خلال وحدانية الله، التي يصل بها إلى الآفاق الكلية القصوى، فكونية الإسلام وتستمد قوتها من وحدانية الله، ولكن، لم يتم التركيز بنفس الدرجة من الأهمية على “الواحديات” المبنية على تلك الأرضية الكونية، بل أُهمِلَت وتخللتها العديد من الأخطاء والنواقص، مما تسبب في الكثير من التفسيرات المتضاربة والممارسات المتصادمة..”، وهي رؤية صائبة وحقيقية، لأن وحدانية الله تنفي أي سلطة تمارس الوحدانية الفردية، والله الواحد لا شريك له في الملك، ولكن يوجد من الحكّام من ملوك ورؤساء من اتخذوا صفة الوحدانية، وهو ما ينفي عنهم صفة الحكم الرشيد، الإسلامي النزعة، الإنساني الرؤية، هذا ما فهمناه من أقوال المفكر أوجلان.
الإسلام الرسمي
أمّا عن الإسلام الرسمي الذي يعتمد على المؤسسات الدينية الرسمية المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي، فوصفه القائد أوجلان، وصفاً صادماً، وهو “إسلام مخصي”، وإسلام كاريكاتوري مناقض لذاته ومفرّغ من محتواه أكثر بكثير مما هو عليه الإسلام غير الرسمي”، وإسلام مخصي يعني أنه لا يلد ولا ينتج شيئاً نافعاً.
القائد أوجلان إذن بحث بصدق عن الإسلام الذي ينشر العدل ويمنع الطبقية، ويحارب تجّار الدين، وهو يكتب وينادي بالعودة للإسلام النقي الصافي، بعيداً عن تجارب الدولة التركية التي انحازت للمشروع الإسلامي الفوضوي الرأسمالي”، وهو مشروع لا يمت للإسلام بصلة، لأن الإسلام عند القائد عبد الله أوجلان هو الإسلام الحر العادل القرآني الذي يهتم بالإنسان من كافة الأديان والمذاهب، بل يشكل كل الكائنات الحيّة بصفة عامة، والكائن الإنسان بصفة خاصة”، ويرى أن الإسلام اكتسب الصفة العالمية بفضل لغته وفلسفته، وهذه حقيقة لا تحتمل الشك.. أما الجانب الآخر المثير برأيي (رأي القائد أوجلان) في هذه الفلسفة التي اعتبرها مهمة جداً، فهي الحقيقة التي يعبّر عنها الإسلام الحديث ويجسدها من خلال مصطلح “الوحدانية”.
إن الله جل شأنه يقول في كتابه العزيز “إنا أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان”، أي التوحيد والعدل، وهما ما فسرهما المفكر أوجلان بصورة إنسانية شاملة، بعيداً عن فلسفات تضر ولا تنفع، كما كتبنا في ثنايا المقال…