سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ديمقراطية التوافق… فخ إخواني لليبيين

عبد الحميد توفيق (كاتب)-

كلما خَطَت الأطراف الليبية خطوة إلى الأمام نحو التوافق والتفاهم برعاية دول فاعلة والأمم المتحدة، تبرز تشكيكات إخوانية في جدواها، إذ قد ترى هذه التيارات أن الخطوات التوافقية لا تنسجم مع أهدافها الرامية للهيمنة على القرار الليبي بأبعاده ومكوناته الداخلية والخارجية.
تجاوزَ التذمر في الآونة الأخيرة حدود الأطراف الليبية والمجتمع الليبي وتعداه ليصل إلى أروقة الدبلوماسية الدولية، خاصةً العواصم المنخرطة مباشرةً بالشأن الليبي.
منذ إقرار مجلس النواب الليبي صيغة توافقية لقانون انتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر، انتقلت الشخصيات الإخوانية الليبية إلى مرحلة تصعيدية مكشوفة ضد قرار البرلمان ولم تترك سبيلاً للطعن فيه إلا وسلكته لتعطيله بدوافع ذاتية لم تعد خافية على أحد، مرتبطة بخشيتهم من خسارة آخر محاولة لهم لخلط الأوراق بعد سلسلة النكسات التي تعرضوا لها، حتى أن بعض الأسئلة التي أفرزتها مواقفهم المتواترة في التشكيك والتعطيل ذهبت إلى حدود الغوص في جوهر ما يبطنونه ويخفونه من جراء سلوكهم المتعارض مع رغبات غالبية الليبيين، سواء على المستوى الشعبي أو على المستويات الحزبية والوطنية والسياسية.
فهل تسعى ذراع تنظيم الإخوان في ليبيا إلى تفجير الأوضاع الداخلية بعد فشلها في الاستيلاء على القرار في البلاد؟
ميزان القوى لم يعد يصب في مصلحة الإخوان عسكرياً ونزعة الهيمنة الحزبية لتنظيمهم أخفقت بشكل لا جدال فيه، سواء في البرلمان أو حتى في تأثيرهم على إدارة شؤون السياسة الليبية خارجياً، فالبرلمان هو من أقرَّ قانون الاقتراع الشعبي المباشر للرئيس المُقبل وهذا الموقف لا يعكس تصدعاً داخلياً فحسب، إنه تعبيرٌ بالغ الأهمية عن روح الإحساس بالمسؤولية الوطنية من قبل كل مَن صوّت لصالح القانون، وبرهنةٌ على هزيمة مشروعهم الذي يجهدون لتمرير أولى خطواته عبر طرح مقولة “ديمقراطية التوافق”، التي لا تخلو من بريق شكلي قد يتأثر به البعض دون إدراك ما يضمره تيار تنظيم الإخوان الليبي من مكائد.
 لا تقتصر حال تطبيقها على الطبقة السياسية من أحزاب وقوى وتيارات معارضة له، بل تتجاوزها إلى ضرب الوحدة الاجتماعية الوطنية وتكريس الانقسامات الداخلية بصيغها القبلية والعرقية والإثنية، وصولاً إلى تغييب ركائز الهوية الوطنية الجامعة وقطع الطريق على قيام دولة وطنية بمفهومها القانوني والسياسي والدستوري، خاصةً أن ليبيا لم تتعافَ بعد من جروح الأعوام العشرة التي ألمّت بها، ولم تتمكن حتى الآن من إقامة مؤسسات مستقلة بعيداً عن المؤثرات الحزبية والسياسية والميليشياوية داخل سلطاتها الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذية.
في التطبيق العملي للديمقراطية التوافقية يسقط حتماً قانون انتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب ويعود اختياره إلى زعامات القوى والتيارات الممثلة للشعب، مما يتيح لزعامات تنظيم الإخوان فرص اللعب والتلاعب في كواليس هذه العملية على قاعدة أن “التوافق” شرط للتنفيذ، ولعل الجانب الأكثر تعقيداً في دهاليز “الديمقراطية التوافقية” يكمن في دور وواجب جيش الدولة على المستوى الوطني العام، حيث يتحول إلى مضمار للمساومة بين القوى والتيارات المتوافقة، مما قد يعطل وظيفته الوطنية الجامعة.
الإرهاصات الأولية تؤكد وجود قواسم مشتركة كثيرة بين الشعب الليبي وغالبية القوى والأحزاب السياسية بشأن تنفيذ استحقاق ديسمبر المقبل وانتخاب الرئيس مباشرةً، باستثناء تنظيم الإخوان ومجاميعه، لأنهم يدركون أن وصول رئيس منتخب مباشرةً من الشعب يعني سلطة قوية ونظاماً رئاسياً قادراً على معالجة تحديات الداخل العالقة، ومنها حل الميليشيات وإنهاء فوضى السلاح وإخراج القوات الأجنبية من البلاد، ما يعني وضع حد لممارساتهم وإغلاق الباب أمام النوافذ الخارجية التي تغذيهم، لذلك سيستمرون في اختراع طروحات لتعطيل أي مسار وطني لا يُلبي رغباتهم ولا يحقق أهدافهم دون اكتراث لمصالح الشعب الليبي.
تُبدي الدبلوماسية الليبية الحالية قدراً كبيراً من الحزم في مواجهة المشكلات التي تعترض سبل الانتقال الليبي إلى بر الأمان والسيادة الكاملة، وعلى رأس أولوياتها إخراج جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد والتفاعل مع المواقف الإقليمية والدولية انطلاقاً من المصلحة الوطنية الليبية بعيداً عن المحاصصات الحزبية، ودون تجاهل لمصالح اللاعبين الآخرين على قاعدة الاحترام المتبادل.