دولة المؤامرات “تركيا” تنتهز الإنسانية في سبيل تحقيق أهدافها القوموية

دجوار عليشر_

تعدُّ الازدواجية في الموقف التركي تجاه الانتفاضة الفلسطينية من بين القضايا السياسية المعقدة والمثيرة للجدل في الشرق الأوسط. حيث تجد الدولة التركية نفسها في وضعية حساسة، وتحاول أن تلبي مصالحها السياسية الداخلية والخارجية في هذا الصراع المعقد وهي غير راغبة في انتهائه.

بصفة عامة، يمكن اعتبار الازدواجية التركية في الانتفاضة الفلسطينية نتيجة للمصالح السياسية والاقتصادية المتناقضة والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الدولة. يتطلب فهم هذه الازدواجية تحليلًا عميقًا للعوامل المختلفة، التي تؤثر على سياسات تركيا وتواجهها في صياغة مواقفها تجاه القضية الفلسطينية.

حيث أن ما تشهده الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة يوحي إلى تفسخ كبير على صعيد الدول، التي كانت تدعي بأنها داعمة، حيث تشهد الساحات تناقضات عدة في مدى حقيقة هذه الانتفاضة، ومدى صدقها في هدفها المزعوم إلا أن جميع المعطيات توضح وبصورة جلية أن الانتفاضات الفلسطينية وسيلة للتعبير عن الغضب والاستياء من الاحتلال الإسرائيلي، والسياسات القمعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه إسرائيل في تحويل هذه الانتفاضات إلى سبب لتحقيق أهدافها السياسية.

إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، تستغل الانتفاضات الفلسطينية لتبرير سياساتها العدوانية والتوسعية. فهي تستخدم العمليات العسكرية والقمع الوحشي ضد الفلسطينيين وتبرر ذلك بحجة الحفاظ على أمنها القومي، وهذا يأتي في السياق نفسه، حيث أن تركيا تستغل السياسة نفسها في إفشال مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وإبادة شعوبها.

استغلال الانتفاضة الفلسطينية للتعتيم على جرائم تركيا

الأنظمة السلطوية مبنية على أساليب المؤامرات حيث أن الأحداث الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط لا يغيب فيها عن الأذهان بدء الانتفاضة الفلسطينية بالتزامن مع العدوان التركي الذي طال البنية التحتية وسبب إبادات جماعية واستهدف الأطفال والنساء في معظم شمال شرق سوريا تحت الغطاء الإعلامي الذي سببته انتفاضة حركة حماس حيث أن تركيا قامت بأبشع المجازر في شمال وشرق سوريا.

إن الدور الإعلامي في الواقع الاجتماعي الذي تعيشه ساحات الصراع أصبح الدور الريادي في إيضاح الجرائم حيث ذكرنا بأن الازدواجية التركية في سياستها تجاه القضايا التي تتعلق بالحصول على السلام والحرية يبرز أمام ناظرنا حيث أن تركيا استغلت الانتفاضة الفلسطينية وصداها الإعلامي لترتكب أبشع المجازر بحق شعوب شمال شرق سوريا بهدف إفشال الإدارة الذاتية.

أردوغان راعي الإرهاب والداعي له

في سياق الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت شعب غزة وتسببت بانقطاع الماء والكهرباء وانخفاض تأمين أقل ما يمكن وهبه من سبل العيش خرج دجال الأناضول أردوغان ليتحدث عن الإنسانية، التي يتوجب على إسرائيل العمل بها في حربها على قطاع غزة مشيراً إلى أن قطع المياه والكهرباء وانخفاض سبل العيش يوحي إلى اللا إنسانية، على الرغم من ذلك فقد استهدف الطيران التركي الغازي البنية التحتية في شمال وشرق سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي واستهداف محطات الكهربائية والجسور المائية والعديد من المعامل التي كانت تؤمن قوت اليوم لملايين السكان الذين تضرروا في الحرب السورية من عام 2011 وإلى يومنا هذا.

يظهر للعلن أن السياسة التركية القائمة على قتل وسفك دماء الأبرياء تثبت من جديد أنها تتقن فن ارتداء الأقنعة وما يجري اليوم من تصريحات استنكار للحرب الإسرائيلية الفلسطينية، هي صورة جديدة تود تركيا إضفائها على اللا شعور وانعدام الإنسانية لديها.

القضية الفلسطينية قضية معقدة وحماس شريك فعال في تحقيق المطامع الإسرائيلية

اندلاع هذ النوع من الانتفاضات يخلق تناقضات عديدة في العقل البشري حيث أنه لا يخفى عن الجميع امتلاك إسرائيل أحدث التكتيكات والتكنيك العسكري ناهيك عن امتلاكها قوة استخباراتية عالمية (الموساد الاسرائيلي) ما يجب طرحه كيف لحركة مثل حركة حماس المحاصرة منذ زمن طويل تثبيت الآلاف من قواعد الصواريخ وكسر الأسوار، التي كانت تحاصر قطاع غزة وشنها هجوماً كالهجوم الذي شهدناه ، ويجذر بالذكر التناقض الأكبر حيث أن القوات الجوية الإسرائيلية لم تتدخل في صد تلك الهجمات إلى أن توغلت القسام التابعة لحركة حماس إلى الداخل الإسرائيلي مخلفة المئات من القتلى والجرحى والأسرى.

قيام حركة حماس بهذا النوع من الانتهاكات التي جرت من قتل وتعنيف النساء والمدنيين لا يشير إلى أن حماس تنتقم من ظلم إسرائيل، بل يشير بأن حركة حماس تم تسيسها لدعم حجج إسرائيل في ارتكابها أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني تحت غطاء القضاء على الإرهاب، حيث لم تشهد الانتفاضات الفلسطينية أي نوع من هذه الانتهاكات منذ بدئها إلى يومنا هذا مشاهد الذبح والتعنيف الجسدي ليست من مبادئ الانتفاضة الفلسطينية بل هو تحريف عن مسار الانتفاضة وإفراغ القضية من مضمونها، وإخراجها عن خط تحقيق حقوقها المشروعة.

ما ذكرناه آنفاً يشير إلى أن الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة ما هي إلا اداءات قامت إسرائيل بزجها للوسط العالمي في سبيل تحقيق مآربها في اجتياح غزة برياً، حيث ذكرنا سابقا بأن إسرائيل تحول الانتفاضات الفلسطينية وتجعل منها سبباً في تبرير همجيتها بحق الفلسطينيين.

الدور والفوائد التركية في تحقيق الهدف الإسرائيلي

الحرب الإسرائيلية تشن تحت غطاء الحفاظ على الأمن القومي ونشاهد التقرب نفسه في السياسة التركية حيث أنها تحارب مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال شرق سوريا خوفاً من نجاح هذه المشروع وتوسعه في الشرق الأوسط، ناهيك عن الحديث عن انتهاء اتفاقية لوزان التي أبرمت في عام 1923 والتي اقتضت إلى تقسيم وتهميش العديد من الدول، ورسم حدود جديدة حيث أن انتهاء هذا النوع من الاتفاقيات يلوح إلى وجود مؤامرة مشابهة، لأن المدة المزعومة انتهت إلا أن الذهنية لا تزال مستمرة، فكل ما في الأمر أن الدولة التركية تستغل حرب إسرائيل على فلسطين واحتلالها لتقوم هي أيضاً باحتلال البقع الجغرافية، التي دخلتها في سوريا والعراق وإعادة رسم الحدود على هذه الأسس.

الحل للقضية الفلسطينية يكمن في العصرانية الديمقراطية لقائد الشعوب عبد الله أوجلان

حيث شهدت تقييمات عديدة لقائد الشعوب عبد الله أوجلان حول الصراع القائم في الساحة الفلسطينية حيث نوه في واحد من مجلداته، إلى إن أقوى وأصح خياراً لشعوب العالم والشعوب العربية، هو براديغما العصرانية الملائمة للحقائق والوقائع التاريخية والاجتماعية لشعوب الشرق الأوسط جمعاء. والعصرانية البديلة من أجل الشعوب، هي العصرانية الديمقراطية التي لطالما كافحت ضد الحداثة الرأسمالية ولاتزال مستمرة في نضالها، والتي تتمثل بمشروع الأمة الديمقراطية.

كما وطالب إسرائيل بدورها بأن تضع تجاوز الحداثة الرأسمالية نصب عينيها، إن كانت تود الخلاص من حالة الأسر للنظام الذي أوجدته. وتعدُّ العصرانية الديمقراطية خياراً يشكل طريق الحل المستدام والوطيد ضمن معمعة الشرق الأوسط. ليس لأجلل القضية الفلسطينية وحسب، بل ومن أجل إسرائيل المحاطة بالوحوش القوموية والدينية المتشددة، التي خلقتها بكلتا يديها.