سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

دور الكرد في ازدهار مدينة حلب

برادوست ميتاني_

الأوابد والعمران 
كتب المؤرخ ابن شداد في كتابه الأعلاق الخطيرة عن الدور البناء للكرد في حلب لبناء المدارس والحمامات والمساجد وغيرها من المرافق الاجتماعية من الزمن الأيوبي، وقبله وبعده لقد قام أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي المتوفى في العام 1168ميلادية ببناء ثلاث مدارس في حلب، منها التي كانت بمقام جامعة وعرفت باسم الأسديّة.
فكان للكرد حصة كبيرة في بناء المساجد والمدارس وأقنية المياه ففي القرن العاشر الميلادي، لم يكن في حلب سوى عدد من المساجد لا تتعدى الأربعة، ومسجد منها في حي الظاهريّة، وهو الحي الذي بناه الملك الكرديّ الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي لجيشه من الكرد والتركمان حين فتح مدينة حلب. كما توجد في حي باب النيرب تربة العلمي الأيوبي.
 يقول المؤرخ “ابن العديم” وهو أحد معاصري الفترة الأيوبية في حلب: إنّه كان لأهل حلب صهاريج في دورهم، يخزنون الماء فيها، ويبردونه فيها ماعدا بعض الأماكن المرتفعة في حلب كالعقبة وقلعة الشريف، فإنّ صهاريجهم من المطر، وكانت قناة حلب، أو قناة الملك غازي تأتي من حيلان، وهي قرية شمال حلب وتبعد عنها 12 كم.
تم إنشاء سبيل قناة كيخيا و”التي أزيلت في أواخر عشرينات القرن الماضي” (مدرسة الزهراوي) على يد الكرد، وكذلك قنطرة سبيل قناة كيخيا وباب وكشك “قناة رستم” ومنها خرجت عائلة رستم وعائلة قاسمو وعائلة محي الدين. كما كانت المدرسة الأحمدية نسبة إلى القاضي الكردي أحمد أفندي بن طه زادة (1698-1763) الشخصية الهامة في تاريخ الكرد، وكان لها دور كبير في نشر العلم.
جسر الأشرفية المشهور
كان ماركو بولو يصفُ أحد الجسور في الأشرفية، حجراً حجراً، فسأله قبلاي خان ولكن، إلى أي من هذه الحجارة يستند الجسر؟
فقال: الجسر لا يستند إلى هذا الحجر أو ذاك، بل إلى القوس الذي تصنعه الحجارة.
بقي قبلاي خان صامتاً، مفكراً، ثم أضاف، لماذا تحدثني عن الحجارة؟ القوس هو ما يهمّني.
– دون الحجارة لا وجود للقوس. (“المدن المتخيّلة”، ايتالو كالفينو).
ولا يفوتنا هنا ذكر مزار الشيخ مقصود الكردي الأصل، والذي سمي الحي باسمه، فهو يقع على أطراف القسم الشرقي من حي الشيخ مقصود، وهو الآن خط تماس بين وحدات حماية الشعب والمرأة من جهة، وقوات حكومة دمشق من جهة أخرى
أما الأسرة الكردية “بني خشاب” فقد نهضت بحلب في بناء المساجد والمشاهد المقدسة منها مشهد الحسين، كما كانت لهم مكتبة عامرة تحمل اسم مكتبة “بني الخشاب” وقد بنوا الحمامات العامة والخاصة أيضاً، ولهم في حلب القديمة تربة خاصة لهم تحمل اسمهم، وكذلك درب في حلب يحمل اسم درب بني خشاب في حي الجلوم، كما أنهم بنوا منارة الجامع الأموي الكبير في حلب عام 1089م، وذلك على يد القاضي أبو الفضل الخشاب.
يذكر الغزي في كتابه “نهر الذهب في تاريخ حلب” أن هذه الأسرة الكردية أسرة بني خشاب لها الزاوية الخشابية، التي بناها محمد بن يحي بن الخشاب، وهي حوش في شرقيها رواق فيه قبران أصبحت هذه الزاوية مهملة في الوقت الحاضر يسكنها بعض الفقراء بالرغم من أن المرحوم حسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب جددها.
مدّت الأميرة ضيفة خاتون الأيوبية قساطل المياه، وبنت المدارس، والخانقاهات (وتعني الفنادق)، ومما بنته مدرسة الفردوس، ووقفت عليها أوقافاً عظيمة ورتبت فيها القرّاء والفقهاء والصوفيّة. كما حصّنت حلب فكانت منيعة في وجه المغول والسلاجقة، والصليبين، ومملكة خوارز مشاهیان.
 ملامح كردية من الحالة الاجتماعية المميزة 
 “بعض الأسر على سبيل المثال وليس الحصر”
بنو حمدون
تصاهر الكرد مع مدينة حلب مع من جاورهم من حكام وأمراء ومتصرفين، إذ أرسل أمير الدولة الدوستكية الكردية أبو علي حسن جماعة من أشراف بلاده إلى مدينة حلب عند أميرها أبي الفضائل ابن سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني ليخطبوا أخته الأميرة ست الناس، وفيما يلي لمحة من “كتاب الكرد في موسوعة حلب المقارنة” للباحث محمد عبدو علي ص19-20-21:
“كان للحمدانيين في حلب 944م علاقات قوية مع الكرد في الموصل، وكذلك في ميا فارقين، لأن والدة سيف الدولة الحمداني كانت كردية من ميا فارقين في شمال كردستان، وقد اعتمد سيف الدولة كثيرا على أخواله في التصدي للبيزنطيين وحماية القلاع والحصون كما أنه بعد وفاته دفن في ميا فارقين حيث قبر والدته ووجود أخواله.
وعن أصل الحمدانيين ثمة رأي آخر حيث يكتب أ. محي الدين شدادو في صفحته الإلكترونية في مقالة له بعنوان أصول الأسرة الحمدانية: الحمدانيون كانوا كرداً علويين أتوا من ميافارقين شمال آمد، ومازالت ميا فارقين سكانها كرد علويون انتقلوا إلى الرقة، ثم بالس (مسكنة بين الرقة وحلب)ُ ثم إلى قنسرين فحلب ويقول بناء على كتاب لمحات من تاريخ بني حمدان، أن سيف الدولة يتكلم مع خدمه وحاشية القصر في حلب بلغة لا يفهمها الجمع، هنا يقول أ .محي الدين شدادو في مقالته أن تلك اللغة، التي لم يفهمها من حوله، على زعم مؤلف كتاب “لمحات من تاريخ بني حمدان” دون أن يذكر اسمه أنها كانت اللغة الكردية، ولكن مؤلف ذلك الكتاب حديث في العهد السوري، ومازال حياً يرزق والكتاب مازال في مكتبات حلب، ولأنه عربي الهوى، لم يذكر اسم اللغة الكردية قصداً. يقول أ. شدادو أن سيف الدولة الحمداني كان يقضي صيفه في ميا فارقين، التي تعيش فيها والدته، ولازال فيها قبره بناء على وصيته، بأن يدفن فيها، وأن اسم العائلة حمدون، وليس حمدان.
بنو مرداس
سقطت حلب من يد الحمدانيين عام 1001م وذلك بسيطرة المرداسيين عليها وتأسيس إمارتهم فيها، ويذكر العلامة محمد أمين زكي بأن المرداسيين هم كرد وقد رحلوا شمالا بعد سقوط إمارتهم في حلب، وأن عامل حمص شبل الدولة نصر بن مرداس أتى بمجموعة من الكرد سنة 1031م، وأسكنهم في الحصن، الذي سمي باسمهم “حصن الأكراد” وهذا مذكور في كتاب عشائر الشام ص657، وقد جاء بهم ليحمي عشيرته الكردية من البيزنطيين وقد جمع مسلم العقيلي صاحب حلب والموصل، قبائل العرب والكرد واستعاد بها حلب وبعض الحصون من السلاجقة1082م.
هناك عشيرة كردية كبيرة بشمال كردستان وتركيا تحمل اسم مرديسي وفي هذا السياق نقول، إن معنى اسم مرداس في اللغة الكردية هو القوي الشجاع. للدور الكردي في حلب بناء على كتاب الكرد في موسوعة حلب المقارنة للباحث أ. محمد عبدو علي ص19-20-21 في مقالة للأستاذ بافي رامان وفي صفحته أنه ورد في كتاب العلاقات الصليبية ص157، أيضاً أن دولة كردية، وهي الدولة الأرتكية الكردية عام 1117م أُسِّست في حلب. 
بنو خشاب
هي أسرة كردية حكمت حلب أربعة قرون .تنتسب هذه العائلة الكردية الحلبية إلى جدهم عيسى بن خشاب، الذي جاء إلى المدينة في القرن العاشر الميلادي من قلعة حصن الأكراد أيام سيف الدولة الحمداني عن كنية العائلة، فهي الحلبي الكردي ولكنها تحولت فيما بعد إلى بني خشاب، عندما كتب عنهم ابن العديم، وهو ابن العائلة التي عاصرت هذه العائلة، فقد كان يذكرهم  باسم عائلة الحلبي الكردي، وهذا ما تم خلال الكتابة عنهم في نزوح العائلة من حصن الأكراد بعنوان: ترجمة حفيد جد الأسرة الفقيه أحمد بن الحسن بن عيسى، إذ قال عنه أبو الفتح الحلبي الكردي اتسمت العائلة بعلو المكان اجتماعيا، حيث يؤكد ذلك العديد من المؤرخين. فقد ذكرهم ابن شداد قائلاً: بألقاب منها رؤساء حلب، وكبرائها وأعيانها، أما الحلبي الغزي قال عنهم من أهل بيوت العلم في حلب وأطلق المؤرخون عليهم صفات: القاضي والرئيس والإمام والصدر والعالم.
عام 1124م حشد الصليبيون قواهم وتحالفوا مع بعض أمراء العرب، وسعوا إلى احتلال حلب، وحاصروها طويلاً وكان حاكم المدينة الأمير الأرتقي تمرتاش بن ايلغازي، الذي هرب مع قدوم الصليبين، فتولى قاضيها أبو الفضل يحيى بن الخشّاب الكرديّ تنظيم أمور الدفاع عن حلب، وصمدت في وجه الصليبيين. وقد تناول تلك البطولة التاريخية للقاضي أبو الفضل المؤرخ أرنولد توينبي قائلاً: “منعت تحول الشرق إلى اللاتين أي أنها حافظت على أصالتها، ولم يحتلها الأوربيون لذا لم يتمكنوا من تغييرها ديموغرافيتها.
كما برز دور الكرد مجدداً في حلب في القرن الثامن عشر في الفترة الجنبلاطية وما بعدها في القرنين الأخيرين حتى اليوم.