داعش وعودة الرايات السود

عزيز سليمان_

ما زلنا نتذكّر تلك الأيام التي انهارت فيها ما كانت تسمى دولة الخلافة في الموصل، وآخر معاقلها في بلدة الباغوز بدير الزور، وانتصار قوى الخير على قوى الظلام.

 كانت الفرحة غامرة على وجوه قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، ذلك اليوم أُعلِن عن انتهاء خلافة دولة داعش المزعومة، كان لا بد من الإعلان عن انتصار كبير على هؤلاء الذين أفسدوا ما على الأرض، دمار وقتل ونهب وتشريد، وسبي النساء واغتصابهن، كنا نعلم أن داعش هُزم في المكان، ولكن مازالت الأفكار تنتشر في جميع أصقاع العالم عبر الخلايا النائمة لداعش وذبابه الإلكتروني وحشو الأدمغة عن طريق التكنولوجيا والإنترنت.

نتيجة عدم الاستقرار في سوريا، وتدخّل القوى المؤثرة في الشأن السوري، عن طريق استخباراتها وعملائها، بدأت داعش تنتعش وتعود إلى الواجهة، عن طريق البادية السوريّة تارةً، وعلى شكل “ذئاب منفردة” في مناطق دير الزور وقراها تارةً أخرى، داعش لديها إمكانات مادية ولوجستية من خلال الدعم الخارجي، والآلة الإعلامية، والتحرك في أي جغرافيا.

 لقد خسر داعش كثيراً من قواته في صراعه في المنطقة، هو يتكيف في الصحراء ويتحيّن الفرص ويقاتل النظام والمليشيات الإيرانية في هجمات مباغتة، إذا بقي الحال هكذا في سوريا دون التوصل لحل سياسي، فإن داعش سوف يظهر بقوة أكبر، بالرغم من الحملات العسكريّة التي طالت داعش في مناطق شمال وشرق سوريا، لكنه مازال نشطاً، بالرغم من إطلاق قسد حملة في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول ٢٠٢٢وبمشاركة قوى الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا، والتحالف الدولي ضد داعش، عملية صاعقة الجزيرة، لملاحقة خلايا داعش الإرهابية، المتخفيّة في المناطق الصحراوية والمناطق السكنية والمزارع، وبين المدنيين بأسماء حركية وهمية مستفيدة من الظروف الإنسانية التي توفرها الإدارة الذاتية وقوات قسد للنازحين، والهاربين من مناطق الحرب السوريّة، حيت كانت لها نتائج الملموسة على الأرض.

الإدارة الذاتية طالبت بمحكمة دوليّة

في تموز سنة 2019 عُقِد في صالة بيلسان المنتدى الدولي حول داعش، واستمر ثلاثة أيام، بحضور ٢٠٠ شخصية من العالم، وعلى مستوى ثلاث قارات، والذي نظمه مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية NRLS، وضم الحضور شخصيات ومستشارين وأعضاء برلمانيين وحقوقيين، للحديث عن إنشاء محكمة دوليّة تختص بـمرتزقة “داعش” ومحاكمتهم في المكان الذي نفدوا جرائمهم فيه، على الأراضي السوريّة، فعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، أُنشأت محكمة نورمبرغ لمحاكمة جرائم النازيين في ألمانيا، وحتى في طوكيو في اليابان، فلِم لا تكون هناك محكمة مماثلة، إذا كان هناك إرادة دوليّة لإنشاء هذه المحكمة، ضمن إطار القانون الدولي، فالمسألة ليست مستحيلة، ففي الحسكة يوجد خمسة مخيمات “الهول، عين الخضرا، وخانا سري “خان الجبل”، والتوينة، والعريشة” ويوجد داخل المخيم آلاف من العائلات غالبيتهم من النساء والأطفال، ومن جنسيات أوروبية وعربية عدة، بالإضافة إلى عائلات سوريّة من معظم المناطق السوريّة. عقب أحداث سجن الصناعة في كانون الثاني 2022 التي خلّفت ١٢١ شهيداً في صفوف قسد وحرس السجن، و٣٨٠ قتيلاً من عناصر مرتزقة داعش، فإن وجود العديد من السجون يجعلها قنبلة موقوتة، حيت أن من يقبعون في هذه السجون هم المرتزقة الأخطر في العالم، ويمكن لداعش وخلاياها أن تُعيد تشكيل نفسها من جديد، في حال أصبح هناك تهديد أو هجوم من قِبل تركيا، ومرتزقتها على المنطقة، وبذلك ستكون الأولوية للدفاع عن المناطق التي تتعرّض للتهديد من المحتل التركي، ولن تسطيع قسد حماية السجون والمخيمات، عندما يكون هناك خطر حقيقي داهم على الأرض.

نساء داعش يحملن ويلدن في غياب الرجال

في المخيمات، النساء تَحمِل ولا يوجد رجال، فما الذي يحصل في دويلة الهول، من أين أتى هؤلاء الأطفال؟

نساء داعش يتزوجنَ من القصر، ومن يصلون سن البلوغ من الأولاد، الذين وصلوا سن البلوغ بعد أن كانوا أطفالاً في بداية إنشاء هذه المخيمات، لزيادة النسل، وبعد ابتداع فتاوى وسنن تتفق مع متطلبات وضرورات المرحلة بالنسبة لهم واللعب حتى بالشرائع والسنن الدينية، وهم يتمتعون بالحماية الدوليّة، وهذا الأسلوب اتبعته بعض الدول والمذاهب والطوائف من قبل.

 داعش يرى أنه في السنوات السابقة استنزف الكثير من عناصرها، وتتمتع نساء ومقاتلي داعش المتطرف، بقوة أيديولوجية صعبة التغير في عقليتهم، وإعادة تأهيلهم في مجتمعاتهم، وهم يعوّلون على تركيا ومرتزقتها، في حال كان هناك هجمات، سواء في السجون أو المخيمات، وهناك الكثير من الخلايا النائمة لداعش، تنشط في المنطقة، ورغم إن هناك بعض الدول قَدِمت لسوريا لأخد رعاياها من جنسيات مختلفة، إلا أنها ما تزال مبادرات خجولة لا تؤثر في التقليل من خطر داعش الداهم.

هل هناك إرادة دوليّة لاسترداد عوائل المرتزقة

في ٢٨ حزيران عام ٢٠٢١ عُقِد في روما اجتماع لوزراء دول التحالف، لمحاربة الإرهاب /داعش/ في سوريا والعراق، والذين أكدوا عزمهم على القتال ضد داعش وتهيئة الظروف لهزيمته نهائياً.

الدول وخاصةً الأوروبيين، يخافون استرداد رعاياهم من عوائل وأطفال داعش، ولكن في الوقت نفسه؛ ما ذنب هؤلاء الاطفال الأبرياء؟ أيضاً وجودهم في المخيمات وتغذيتهم بالفكر والأيديولوجيا المتطرفة سوف تجعل من هؤلاء الأطفال إرهابيين، وأشبال خلافة وإمداداً بشرياً جديداً، لأن بنية المخيمات تفتقد إلى الكثير من الخصوصية بالنسبة للأطفال، فهؤلاء الأطفال يحتاجون الكثير من الدعم نفسي والتعليمي، واللعب والمرح، وحتى بوجود منظمات إنسانية واجتماعية، لكن هذا غير كافٍ، لأن من يُقيمون في مخيم الهول من عوائل المرتزقة، ما زالوا يؤمنون ويعملون على عودة داعش إلى سابق عهده وقوته، وللأسف لا يوجد هناك إرادة دوليّة لحل معضلة المخيمات والسجون، بالرغم أن هناك المئات يحرسون هذه السجون والمخيمات، وما يتعرضون له من اعتداءات وحتى اغتيالات متكررة، ولكن السؤال الذي يُطرَح في نفس كل شخص إلى متى يبقى الصمت عن هذا الخطر المُحدق الذي قد يتفجر كبركان من الإرهاب في أية لحظة..!؟