سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

داعش… دعوة باطلة وخلافة زائلة

تحقيق/ آزاد كردي –

يعتبر داعش أكثر التنظيمات الإرهابية التي أثارت الكثير من الأسئلة حول نشأته، والأيديولوجية التي بنى عليها فكره الذي به غرر بها عناصره في مختلف دول العالم، وماهي مصادر تمويله، وكيف استولى على مدينة منبج. حقائق عديدة، نستعرضها في هذا التقرير.
 أيديولوجيّة داعش في طرح الفكر الراديكالي:
لا شك أن كل مواطن سوري، عاش في حقبة مرتزقة داعش طيلة سنوات خمس، سيظل يذكرها بكثير من الألم  والحرقة؛ باختلاف درجاتها عند المواطنين. بيدَّ أن المجتمع السوري بقي رهين الأمل من اللحظة الأولى التي تم إعلان البغدادي في مسجد النوري بالموصل؛ عن إنشاء دولة الخلافة المزعومة بتاريخ 29 حزيران 2014 بشعار” باقية وتتمدد”. حينها استولى مرتزقة داعش على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، كانت قبل ذلك بيد مرتزقة فصائل مسلحة، وكذلك استولى أيضاً على كثير من الأراضي العراقية.
إعلان ولادة داعش بهذا السيناريو والشكل، أعاد للأذهان في القرن العشرين؛ صياغة الخلافة الإسلامية منذ زهاء أربعة قرون؛ وفق الطابع الإسلامي، وقد فرض الاحتلال العثماني على منطقة الشرق الأوسط؛ الولاء للرابطة الدينية؛ هادفاً من ذلك كسب التأييد الشعبي، خاصة وقد ترسخ كقناعة لدى الشعوب العربية؛ ضرورة وجود الخلافة؛ كقانون تشريعي؛ لفرض قدرة حاكميتها على المسلمين. إن الإيديولوجية المتطرفة لداعش قد منحته مزيداً من الظهور، بما تتسم من تشدد وغلظة وترهيب للمواطنين، والتي لعبت دوراً في التغرير بالفئة الشابة، واستمالتها للانضمام له، بما تزخر به من استثارة العواطف وشحن النفوس؛ بالخطاب التكفيري؛ وتمكن من خلق توازن بين ما يحشده لجذب عناصر ومناصرين جدد من جهة وبين فرض هيمنته بالقوة لضمان استمرارية التأييد الشعبي المتصاعد من جهة أخرى.
الهوة بين تطلعات الشعوب وبين قمع الحكومات
إن الترهيب والوعيد والقصاص من الكفرة على حد قول داعش بما يحمله من تجييش، ساعد في الاتساع والتمدد على حساب ممن خالفه بنفس الجانب من المجاميع الإرهابية؛ وبناء على ذلك فداعش قد حكم مناطقه بعقلية الدولة المؤسساتية؛ وإن لم يتخذ أبداً البعد الواضح للمصطلح الوظيفي الإداري. إن مفهومه الإيديولوجي المتطرف ما هو إلا وسيلة لبلوغ انتشاره الهائل من المؤيدين، وكذلك أيضاً من تدفق الأموال تحت وصاية بيت مال المسلمين على الرغم أن درجة المنح تختلف ما بين الأمراء والقادة والجنود. كان داعش أول من قايض الأسعار المحلية، عبر مقارنة السلع بالدولار، ففتح بذلك مجال التعاملات التجارية وتحكم بعض التجار بالسوق؛ إضافة لذلك تمكن داعش من استخدام قوة تأثير الدعاية في إصداراته الإعلامية في إذاعة البيان ووكالة أعماق وغيرها.
الفراغ السياسي الذي أخذ يتشكل في فقدان الحكومات العربية؛ السيطرة التامة على تلبية حاجات المواطنين بسبب ارتفاع وقع الاحتجاجات المتصاعدة مما أثار بكل الأحوال ردة فعل حقيقية لشعوب المنطقة، إذ أيقنت تماماً إن استئثار الأموال والسلطة، خاص بطبقة معينة من الفئات الاقتصادية والسياسية؛ سبباً أيضاً من الأخطاء التي أوجدت أثراً في النفوس نتيجة ما يرونه تشكل السلطة بنظام هرمي. ويبدو أن العديد من الأنظمة والحكام أباحوا هذه الأشياء بشكل أو بآخر، وربما إيجاد رجالات اقتصادية، وحفاظاً على هؤلاء النفر سمحت لهم الحكومات بقمع الاحتجاجات الذي ارتفع سقف مطالبها لتصل للمطالبة بإزالة رموز الفساد، إذ تصاعدت لدى الفئات المسحوقة؛ نسبة الفقر والبطالة حتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، بما فيها الطبقات الجامعية على اختلافها من ثوران اجتماعي قادم. دفعت إلى الواجهة بروز الفراغ السياسي؛ كعامل طبيعي لنشوء داعش مستفيداً من عدم وجود حوار سياسي شامل، يفضي إلى حلول مناسبة للأزمات. مما أدى إلى بزوغ ما عرف بالربيع العربي التي أنتج؛ كفعل طبيعي؛ لثورات الربيع العربي، وكان جراء ذلك سقوط بعض الأنظمة العربية، وخلق أزمات ما تزال قائمة في بعضها الآخر.
البيئة الولّادة للتنظيمات المتطرفة
 أتاح ذلك الفرصة لظهور التيارات السياسية الإسلامية الراديكالية بالمنطقة، ومنها التيار المتطرف الذي وجد نفسه حاضراً للمنافسة الشرسة أمام التيار القوموي الذي لم تكن شعاراته المجيدة، لتحقق ما ينبغي من تطلعات الشباب العربي المنفتح على عصر التكنولوجيا والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فوجد في الأيديولوجيا المتطرفة؛ كالقاعدة والإخوان المسلمين؛ البوابة للوصول إلى الحالة المفقودة من التغيير الحقيقي.
الربيع العربي حين تفجر لم يكن بحاجة للكثير لإيقاظ الشعوب للنزول إلى الميادين والساحات العامة؛ لأن مجال الحريات بهذه البلدان لم يكن متاحاً أبداً بالقدر الكافي، إذ أدركت شعوب تلكم المنطقة لأول مرة؛ هشاشة أنظمة حكوماتها واتباع الخداع في التضليل الإعلامي، وكذلك الأمر نتيجة الإفراط بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية، وهو ما يعني أن قضايا المواطن العربي، كان ولا زالت في آخر سلم أولويات الحكومات والأنظمة العربية. إن تدني مستويات الحياة المعيشية بكل الأصعدة، كان من شأن ذلك تدخل الدول الإقليمية والدولية بشؤون السيادة السورية؛ بحيث استثمر كل لاعب دولي فرص وجوده في الأرض السورية، باتخاذه فصيلاً محلياً، يأتمر بإملاءات ذلك اللاعب الدولي، ويتحرك بتوجهاته ومصالحه الخاصة. لغة الحروب في ميادين مختلفة في أصقاع سورية، كانت السمة البارزة بين الدولة السورية والمرتزقة المتطرفين، حتى وصول جبهة النصرة إلى ذروة الصراع، ذلك الفصيل المتشدد، بحيث استحال ميدان الصراع بسورية إلى حرب أهلية بين عدة تيارات إسلامية متطرفة. وبدت مسألة التجاذبات السياسية بين الدول؛ كقطر والسعودية وتركية وروسيا؛ ظهر أثره في ازدياد الدور الإقليمي المتضارب فيما بينهم؛ بكسب الامتيازات والمصالح، وبرزت نتائجها على الأمد القريب، من فقدان الثقة الوطنية السورية بين عدة مناطق مختلفة. هذا الأمر شجع على ظهور جماعات متطرفة أخرى، أينع عودها من البيئة السورية، وقد اشرأبت بالتخوين الخلفيات السياسية ووجدت هذه الأيديولوجية في البيئة السورية ما يساعدها على النمو، فقط كانت تحتاج شيئاً من الانتظار ريثما يتم تفريخ قياداتها المحرضين؛ فسارع أولئك بالانقضاض على مواطن الضعف، وتوطيد نفسها كبديل قوي عن مواطن الضعف بإيجادها الحاضنة الشعبية، تتلقّف أفكارهم بسبب تنامي مشاعر الغضب الشعبي والكره من سياسة الأنظمة العربية المستبدة والاتجاه إلى المنحى الديني الذي يمثل البعض؛ ويمكن مشاهدة آثارها من خلال أمرين اثنين هما؛ نمو العنصر المتطرف الذي أشعلته حركة طالبان بزعامة أسامة بن لادن الذي غذى كافة الحركات والتنظيمات الجهادية السلفية التي لعبت دوراً في خلق صراع يمكن من إيجاد الوجود الأمريكي؛ وأما الأمر الثاني، فهو سقوط برج التجارة العالمي الذي كان من أهم نتائجه بعد حين الاحتلال الأمريكي لدولة العراق، كل المؤشرات تظهر أن أمراً ما سيحدث بعد عشر سنوات من تفجير برج التجارة العالمي أيضاً وبالطبع كان ذلك الأمر، هو تفجر الثورات العربية، فيما اصطلح على تسميته من قبل بعض المحللين السياسيين بالربيع العربي الذي شرع كل الاحتمالات لنفاذ التدخلات الأجنبية في سورية من جهة، وبروز دور المجاميع الإرهابية في تأجيج الصراع السوري من جهة أخرى.
 انطلاقة داعش في سوريا
تعود نشأة داعش في سورية إلى بعض الجماعات المتطرفة في دولة العراق من أهمها تنظيم القاعدة الإرهابي الذي كان يقوده آنذاك أبو مصعب الزرقاوي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم وجد القليل من الحاضنة الشعبية، وإن كان مر بمراحل وانعطافات، مكنته من أن يفرض نفسه؛ عبر تنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات الدامية التي كان يتبناها في كل حلقة من حلقاته الدموية. وربما نتيجة لظروف معينة، فقد تمكن من لعب أدوار كبيرة في تفريخ الصراع المذهبي “السني والشيعي”.
 هذه الظروف وغيرها استُغلت على نحو جيد؛ لبزوغ جبهة النصرة؛ في أواخر عام 2011بقيادة أبو محمد الجولاني الذي أوفد من قبل دولة الإسلام في العراق ليكون أميراً في ولاية سورية مع بعض من قادته في العراق. النشأة الفعلية لمرتزقة داعش لمعت حين تم الإعلان عن إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام في عام 2013 على إثرها انتقلت العناصر الأجنبية من جبهة النصرة إلى دولة الإسلام في سورية. وربما كان ذلك الأمر هو الصدع بين القاعدة والتنظيم الجديد المتطرف الذي لم يكتف بهذا الأمر بل صار يلاحق عناصر الجبهة السابقين، وخلال مدة وجيزة، أحكم سيطرته على كثير من أراضي شمال وشرق سورية، وبعض المناطق من الداخل السوري، إضافة لمناطق أخرى؛ كمخيم اليرموك وبعض المناطق أيضاً في الجنوب السوري، أي بما يعادل نصف المساحة السورية. ولابد من القول إن اجتياح مرتزقة داعش لمدينة الموصل ثاني كبرى المدن العراقية وشنكال، أثار في المناطق التي استولى عليها في نفوس المواطنين؛ الحماس والاندفاع؛ للانضمام لهذا الفكر المتطرف الجديد، بما يغدقه عليهم من أموال طائلة وتشجيع على الزواج.
 احتلال مرتزقة داعش لمدينة منبج
مع نزول الحركات المتشددة لميدان الصراع في سورية؛ كجبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها، استطاع مرتزقة داعش التسلل إلى المدينة في أوائل آذار من عام 2013 على شكل مجموعات صغيرة؛ بإمرة ابن شقيق البغدادي لأهمية المنطقة، باعتبارها المدينة العسكرية الثانية بعد مدينة الرقة، وذلك بمنأى عن الفصائل الثورية الأخرى العاملة في منبج، وإن لم تكن مناوئة لهم أيضاً، وإنما تبدي نفسها؛ بمظهر المسالم الراغب بالتقرب إلى الأهالي، كما أنها قد بدأت بنشر بعض الفكر الدعوي الذي يدعو إلى الله وبيان العقيدة السليمة، وأنهم لا مطمع لهم بأي حاكمية للانفراد بالحكم. ولم تنجلِ أهدافهم تحت هدف معين بل كان جل سعيها إلى إقناع المواطنين، أنهم فئة دعوية، وعبر مسميات عدة، حركة الشباب المسلم، واتحاد الطلبة الأحرار، وكانوا يعملون بطريقة شبه سرية، وقد وفروا لهذا الغرض كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي؛ للأعضاء بهدف دعمهم على تأليب المواطنين ضد المجلس المحلي، وكذلك لقيادات الفصائل المسلحة. كانوا يستغلون الأخطاء في هذه الفترة، ويتصيدون الفرص للخروج باحتجاجات ومظاهرات يحمل أعضاؤها ربطة رأس سوداء مكتوب عليها شعار داعش، وهاتفين؛ بشعارات تندد بالحراك المدني، وتمجد شعارات الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو الاسم الذي اختاروه؛ تحت مسمى داعش. ورويداً رويداً سيطروا على المربع الأمني، والمركز الثقافي، ومبنى السرايا، والمطاحن، ومبنى الأعلاف، وبات من الواضح أن هذه الشرذمة، تبغي ابتلاع الحراك الثوري، وأبرز قياداته، إلى جانب اعتقال وتصفية كل من يناوئ فكرها المؤدلج، وقد أنشأوا العديد من السجون والمحاكم. ولم تحاول في بادئ الأمر الفصائل المسلحة أن تقاتلهم إذا كانوا يرون أن مقارعة القوات الحكومية أولى في هذه الفترة الراهنة، كما أنهم اعتقدوا أن النزاع مع الطابع الإسلامي لم تتضح معالمه بعد عند قيادات المسلحين من الفصائل المسلحة، بسبب غياب الوعي، كما كان انضمام أعضاء بمن غرر بهم في منبج أن تركوا قتالها حالياً.
 لكن لما تعاظم شأنهم وخطرهم قررت الفصائل المسلحة قتالهم في 6/1/2014 وبالفعل استطاعوا أول مرة طردهم من منبج لمدة 18 يوماً بمؤازرة كافة الفصائل الثورية. بيد أن داعش تمكن في 23/1/2014من معاودة الكرة وحصار منبج. وعمدوا إلى ضرب المدينة بالهاون حيث قام بعدها بالتنكيل والانتقام من الرموز الثورية. اجتاحت الأعلام السوداء المدينة بسياراتهم التي تجوب المدينة بأصوات مرتفعة بالتهليل والتكبير وببعض الأناشيد” دولتنا منصورة” أثر قضاءهم بشكل نهائي على الصحوات؛ أو فصائل مرتزقة الجيش الحر، عبر إطباق الحصار على المدينة من ثلاثة جهات من الغرب عند جامعة الاتحاد، ومن الشمال عند دوار جرابلس ومن الجنوب عند المطاحن مما حدا بمرتزقة داعش بدفع المزيد من الأرتال الهائلة عبر التعزيزات العسكرية في مناطق عديدة من الريف. قتل خلالها عشرين مدنياً إضافة إلى العشرات من الجرحى، كما منع مرتزقة داعش الخبز بسيطرته على المطاحن الأمر الذي رفع من سعر ربطة الخبز، واعتماد الأهالي على المواد البديلة. وفي آخر ليلة لمرتزقة الفصائل الثورية، وفي منطقة السعن، غربي المدينة، ومن خلال عملية سريعة استطاع داعش حصار عدد من الحواجز في المنطقة، وقتل خلالها 16مرتزقاً من الفصائل المسلحة، ومن ثم قاموا برميهم في اليوم التالي؛ بمدخل باب الإسعاف في المشفى الوطني دون أن يستطيع أحد من أهاليهم الاقتراب من الجثث.