سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

خريطة حدود الدم الاستعمارية ورؤية القائد عبد الله أوجلان لها 

د. علي أبو الخير_

قبل الحديث عن رؤية القائد عبد الله أوجلان لمشاكل منطقة الشرق الأوسط وخريطة حدود الدم لتمزيق الدول، نحاول الكتابة عن ذلك المشروع الاستعماري الدموي، ففي الشّرق الأوسط هناك مشكلتين، حلُّهما مرتبط بالسياسات العالمية، أكثرَ من ارتباطه بسياسات الدول الإقليمية والحركات الداخلية؛ الأولى هي القضيّة الكرديّة وكردستان والثانية هي المسألة الفلسطينيّة وإسرائيل.
في العالم العربي يزعمون أنّ حلّ المشكلة الفلسطينية هو البداية والأساس لحلّ المشاكل والأزمات في الشرق الأوسط، كذلك عند حدوث أي صراع أو نشوب معارك أو أيّ تطوّر للعلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإنّه يتمّ مباشرةً الحديثُ عن الشرق الأوسط وكأن إسرائيل أو فلسطين هما الشرق الأوسط فقط. ولكنّ؛ الموضوع الأساسي الذي لا يريدون إظهار حقيقته ولا يعترفون أنّه مشكلة مركزية في الشرق الأوسط ولا يريدون أنْ يُزيحوا الستار عن حقيقته هي المسألة الكردية، ولا عن خريطة حدود الدم الاستعمارية، التي تنال من العرب والكرد والترك وإيران على السواء.
خريطة حدود الدم
في يوم الثلاثاء 27 تشرين الأول 2016، عُقِد اجتماع في جامعة جورج واشنطون بأمريكا بين مديري مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مع آخرين من مخابرات دول أوروبية أخرى، وما قيل في الاجتماع حول خريطة حدود الدم، هي ما تم الإعلان عنه في تشرين الثاني عام 2006 بعد حرب تموز بين حزب الله وإسرائيل، وقد جاءت وثيقة حدود الدم شاملة في الجزء الأكبر منها إعادة تفكيك وتعديل حدود الدول العربية، خاصةً الموجودة في آسيا، وبطبيعة الحال ممكن لهذه الحدود أن تتعدل، تزيد هنا أو هناك، وفي المجمل يمكن تعديل الحدود التي تم إقرارها بعد الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، فقد جاء في الخريطة التي تم إنكارها في حينها رغم إننا استقينا معلوماتنا من موقع المخابرات الفرنسية، أن يكون العراق ثلاث دول، دولة الجنوب الشيعية تمتد جنوباً حتى تشمل المنطقة الشرقية في السعودية، أما الغرب السني فيمكن تعويضه بجزء من الأردن، ويتم تعويض الأردن بجزء من شمال السعودية، وتظل السعودية في نجد والحجاز، وطبعاً كل ذلك من بنات أفكار برنارد لويس والمحافظون الجدد في إدارة جورج بوش الابن.
بدأت الخطة قبل الإعلان عنها عام 2003 عندما احتل الأمريكان العراق وتسريح الجيش العراقي، فسقط العراق سريعاً في أتون الحرب الطائفية، وانتشرت كما هو معلوم، ثم بدأ الربيع العربي، ليسقط الجيش الليبي ومعه الجيشان السوري واليمني، وهنا بدأت بوادر خريطة الدم في التشكّل.
قال مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه، في الاجتماع المذكور: “إن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة”، أما مدير المخابرات الأمريكية جون برينان فقد قال حرفياً: “إنه عندما ينظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن، لا يستطيع أن يتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على السيطرة على الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية، معتبراً عودتها إلى وضعها السابق مستحيلاً… لن تقوم قائمة لبلدان مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا”.. إلى آخر ما جاء في الاجتماع الذي أعلن عن بعض تفاصيله التي لم تخرج عن نطاق تمزيق المنطقة، لقد قال بول وولفتز مهندس احتلال العراق: “نبدأ بالعراق وغداً سوريا ولبنان والسعودية، أما جائزتنا الكبرى فهي مصر”، ويبدو من خلال ما يحدث أن الخطة كانت تريد إشعال المنطقة وإسقاط الجيوش في وقتٍ واحد، فلا يستطيع بلد عربي مساعدة بلد عربي آخر، ولكن الجيش المصري حمى شعبه والشعب تمسك بجيشه في ملحمة سيذكرها التاريخ عندما يتحدث عن المؤامرة الكبرى في التاريخ.
إن ما قاله مديرا المخابرات الفرنسية والأمريكية على أن الحدود لن تعود لطبيعتها، معناه أن الحدود الجديدة ستكون مذهبية أو عرقية، أما بالنسبة للشعب الكردي فهو الشعب الوحيد المتماسك رغم تفرقه بين عدة دول، فرغم تفرّقه ساعد المقاومة الفلسطينية عام 1982 ضد الغزو الصهيوني للبنان، وكان له فضل النصر، كما كان له فضل النصر على داعش الإرهابي، ولذلك لا تحاول القوى الإمبريالية حل المشكلة الكردية، لأن حلها يعني هزيمة للصهيونية.
رؤية القائد أوجلان للخريطة الدموية
خالف المفكر عبد الله أوجلان كل النظريات العربية والعالمية، من رأسمالية وشيوعية وليبرالية، خرج بمفهوم جديد وخريطة جديدة، هي خريطة الأمة الديمقراطية، التي هي الأوسع والأشمل والأنبل؛ لأن الادعاء بأن القضية الفلسطينية هي قضية جوهرية ورئيسة في الشرق الأوسط -كما يدّعي العرب وإيران وتركيا- ليس ادعاءً صحيحاً. كما أن حل هذه القضية لن يجلب السلام للمنطقة، والأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط ليست مرتبطة بمسألة ما بمفردها، بل هي نتيجة التقسيم الخاطئ للمنطقة بعد الحرب العالمية الأولى ومرتبطة بمعاهدة لوزان 1923، وقبلها اتفاقية سايكس بيكو بين إنكلترا وفرنسا التي مهدت الطريق لتمزيق المنطقة العربية وفرقت الشعب الكردي بيد دول مختلفة.
لقد أدرك القائد المفكر عبد الله أوجلان هذه الحقيقة، وخاض كقائد لحزب العمال الكردستاني معارك الشرف ضد النظام التركي، وهو يعلم أن مشروعه الفكري يخدم شعوب الأتراك والعرب، وينقذهم من مصير التفتت، ثم وهو داخل السجن انطلقت روحه خارج الأسوار ليصل إلى فكرته الأساسية وهي طريق الأمة الديمقراطية، وهي ما كتبنا وكتب غيرنا عنها، لأنها فكرة تخدم كل شعوب المنطقة وتشيع السلام ربما في العالم بأسره…