سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

خبز الصاج.. موروث مجتمعي ثقافي أساس وجوده المرأة

رغم تطور طرق ووسائل التصنيع، واكتشاف الآلات الخاصة بإعداد الخبز، إلا أنه لاتزال نساء الريف يفضلن عمل خبز الصاج بوسائل قديمة، وهو مصدر فخر لهنَّ، يتباهين باحترافية صنعه.
يعدُّ خبز الصاج من تراث السكان القديم، والتي تقوم على إعداده يدويا النساء في أنحاء البلاد، نحاء وتحافظ عليه النساء من الاندثار، وهو مادة رئيسية للثريد ولا يقوم إلا به.
ساهمت المرأة منذ الأزل في المحافظة على استمرارية الوجود والحياة، وذلك عبر مساعيها وجهودها الحثيثة في البحث عن أساليب، تساعدها على توفير مأواها ومأكلها ومشربها، فقد جعلت من يديها وسيلة لبناء منزلها الطيني، أضافةً لإعداد مادة الخبز سواء باستخدام الصاج أو التنور المصنوع يدويا بمهارة عالية.
وقد اشتهرت المرأة العربية بخبز الصاج فقد كانت نساء القبيلة أو العشيرة يتنافسن على من تجيد صنعه بشكل أفضل، فأطلق على من تعده بمهارة عالية “بالخبازة”، وهو فخر واعتزاز لها تتميز وتتباهى به بين بنات قبليتها، فرغم طغيان الحداثة والتقنيات الصناعية وتطور الجانب الصناعي وظهور الآلات ووسائل التصنيع الحديثة، ومن ضمنها أفران الخبز، إلا أنه لاتزال هناك نساء خاصة في الأرياف والقرى يفضلن عمل الخبز بوسائل قديمة.
عُرف وأشتهر خبز الصاج منذ القدم لدى العرب، فهو ثقافة وتراث يعبر عن هوية وثقافة الشعب العربي عن باقي شعوب المنطقة، وتتميز النساء والفتيات باحترافية صنعه وتعلمه لأنه وسيلتهن الوحيدة لتأمين طعام عوائلهن، هذا ما أكدته فاطمة الحمود في العقد الخامس من عمرها من بلدة حزيمة في الريف الشمالي لمدينة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا، وعن كيفية اكتسابها الخبرة في عمل خبز الصاج قالت: “بدأت تجربتي في صناعة خبز الصاج بعد زواجي، بحكم أني أسكن مع أهل زوجي، وبحكم العادات والتقاليد يفرض على الكنة أداء أعمال المنزل كافة إلى جانب العمل في الزراعة وتربية المواشي، لذا علمتني والدة زوجي كيفية القيام بإعداد خبز الصاج، فكنا نستخدم الوسائل البدائية في الطبخ؛ لعدم توفر المحروقات، فنقوم بجمع الحطب وحمله على رؤوسنا فنقطع به مسافات طويلة حتى نصل إلى البيت”.
وعن اعتماد الأهالي منذ القدم على خبز الصاج لتوفير طعامهم: “كنا نصنعه بأنفسنا؛ كي نحصل على طعامنا، وذلك لعدم وجود الآلات آنذاك حتى توفر وتؤمن لنا الخبز، كما هو الحال في الوقت الحاضر، ولأنه يقع على عاتق المرأة العديد من الأعمال والمهام، كان من النادر وجود امرأة أو فتاة لا تتقن حرفة صنع الخبز في ذاك الوقت”.
وعن كيفية إعداد خبز الصاج، أوضحت فاطمة الحمود: “له عدة مراحل وخطوات أولها مرحلة العجن، حيث نضع كمية من مادة الطحين في إناء خاص يستخدم لعملية العجن، ويضاف إليه الملح والماء تدريجياً ونبدأ بعجنه بيدينا حتى تصبح العجينة متماسكة مع بعضها، ثم تترك لمدة ساعتين حتى تتخمر وترتاح قليلاً، ثم تأتي مرحلة التقطيع، وتتم باليدين على شكل كرات متوسطة الحجم، ثم نرقها بوساطة عصا ليتشكل قرص دائري ورقيق جداً، ثم تأتي مرحلة التلويح به في الهواء قليلاً ثم يوضع على الصاج، الذي يوقد تحته القليل من الحطب”.
وحول سبب لجوء نساء الأرياف لصنع الخبز على أيديهن لفتت “يجد غالبية أهالي القرى والأرياف صعوبة في تأمين مادة الخبز ويعانون من انقطاعه بشكل مستمر، خاصةً القرى التي لا يوجد فيها أفران أضافة الى ابتعادها عن المدينة، وبحكم أن المرأة يقع على عاتقها تأمين احتياجات عائلتها وأطفالها؛ نلجأ لخبز الخبز بأيدينا خاصةً أن نساء الأرياف لديهن خبرة في صنعه”.
ولفتت إلى مكانة المرأة، التي تجيد خبز الخبز بكل احترافية بين نساء قبيلتها أو عشيرتها: “كانت النساء تصنعه بكل حب ومهارة، فكانت المرأة منهن تفتخر وتنافس في إتقانه النساء كافة، ويطلق على المرأة التي تجيد خبزه بكل احترافية بالخبازة”.
وحول الطقوس الخاصة لخبز الصاج لدى العرب بينت “يقدم خبز الصاج بشكل أساسي ورئيسي في الولائم سواءً في الأفراح أو الأتراح، حيث أن النساء تجتمع مع بعضها لتتشارك في خبزه بأجواء مفعمة بالفرح والسعادة والمنافسة، فهناك مأكولات خاصة يدخل في مكوناتها خبز الصاج منها الثريد، ويعد من أصناف الطعام المشهورة والمرغوبة لدى العرب، وهو عبارة عن وجبة توضع في صواني كبيرة دائرية الشكل مؤلف من أرغفة خبز الصاج المرصوفة فيها المضاف لها مرقة اللحوم، وهذه عادة متبعة حتى وقتنا الراهن”.
وترى فاطمة الحمود: أن تمسكها بإعداد خبز الصاج حتى الوقت الراهن، فخر لها والسبيل الوحيد للمحافظ على تراثها وثقافة منطقتها، فقررت تعليم بناتها الثلاثة وزوجة ابنها طريقة خبز الصاج.
وكالة أنباء المرأة