سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

خان “مهروسة” من أشهر خانات حلب بإعداد الحلويات

في أسواق حلب القديمة، ومن أحد الخانات الأرضية، تشم رائحة القدم الممزوجة برائحة الحلوة الحلبية المميزة، خان فاتن جاويش الذي تغلب على ظروف الحرب، فبقى محافظاً على أبوابه مفتوحة للمشترين رغم قدمه.
لعبت خانات حلب دوراً كبيراً في التجارة الداخلية والخارجية، حيث كانت ولم تزل المصدر المهم لكثير من التجارات، والمهن المختلفة التي اشتهرت بها حلب على مر العصور، ويوجد في هذه الأسواق خانات أرضية، تستخدم لعرض بضائع التجار، وممارسة المهن المختلفة، وهناك الطوابق العلويّة تستخدم مبيتا للمسافرين، أو استراحات للتجار من مختلف المناطق.
ومعظم تلك الخانات تقع في الأسواق القديمة، وما حولها من المناطق التجارية، ومن هذه الخانات، خان أرضي قديم، يقع بالقرب من خان الحاج كامل، في منطقة العقبة رقم واحد، له باب كبير، ذو مصراعين ومؤلف من ثلاث غرف كبيرة، وفسحة سماوية، وبئر ماء يستخدمه سابقاً صاحبه السيد مهروسة، وشريكه النبهان، حيث أقاما فيه معملاً لإنتاج وإعداد الحلاوة، والطحينة، وزيت السمسم، منذ عام ١٩٥٠م، ثم أضيفت عليه بعض التعديلات، وأصبح ملكاً لفاتن جاويش، التي حولته مصنعاً صغيراً، لإنتاج الحلوى الحلبية الشهيرة.
عشق الصغر مهنة الكبر
كانت فاتن تزور هذا المحل في صغرها لشراء الحلوى، وتقول عن الأمر: “في طفولتي كنت أفرح حين يعطيني والدي القليل من النقود؛ فأهرع على الفور لهذا الخان؛ لأشتري من صاحبه قطعة من الحلاوة”.
تزوجت فاتن بائع عصير الجزر في محل صغير أمام الجامع الأموي الكبير، إلا أن المنية قد وافت زوجها، فقامت ببيع دكانه الصغير، وبعض الذهب، الذي كانت تحتفظ به للحاجة، واشترت بثمنه خان الحلوى من مهروسة والنبهان.
ثم تعلمت طريقة إنتاج الحلوى مع أولادها، على يد وطفة المشهور بصنع الحلوى الحلبية، فحولت الخان إلى معمل لصنع الراحة الحلبية المحشوة بالفستق الحلبي، وهريسة اللوز، وكاتو جوز الهند، والمن والسلوى، بماركة مسجلة تحت اسم حلويات الحرير، لقرب هذا الخان من سوق خان الحرير.
وبعد التغيرات الأخيرة التي حصلت في حلب، وسيطرة المرتزقة والتنظيمات الإرهابية على معظم الأسواق والخانات الحلبية، توقف المعمل عن العمل في عام 2011 بسبب؛ إقدام مجموعات مرتزقة على سرقة المعمل كاملاً، ولم تستطع فاتن الدخول إليه حتى عام ٢٠١٦: “قمت بترميمه بعض الشيء، كما قمت بشراء معدّات جديدة للبدء بالعمل فيه من جديد، وفعلاً افتتحناه عام ٢٠٢٠ م ومازال قائماً حتى يومنا هذا”.
أشهر الحلويات الحلبية
فيما تطرقت فاتن إلى أشهر الحلويات الحلبية، وطريقة صنعها:” الراحة الحلبية تصنع من السكر والماء والنشاء والفستق الحلبي والمسكة دروس، ويغلى القطر مع النشاء، حتى يُعقد، ثم نسقط بداخله الفستق الحلبي المحمّص وقليلاً من المسكة في مقادير دقيقة، ثم نسكبها في أوعية خشبية حتى تبرد تماماً، ثم نرش عليها بودرة النشاء الغذائية، ونقصها حسب الطلب”.
كما تحدثت عن الراحة المبرومة: “فنعدها يدوياً، وتدخل في أسطوانات دائرية، وهي ساخنة فتأخذ الشكل الدائري، وتترك حتى تبرد، فتقطع بعد ذلك حسب الطلب.
أما عن كاتو جوز الهند، فأنه يطبخ بالسكر، وزلال البيض، بعد ذلك تسكب فوقه كمية من جوز الهند المبشور، ويحرك حتى تنضج الطبخة، ثم يوضع ورقة الزبدة على الصاج، ويصب بواسطة الملعقة لتصبح على شكل بيضاوي، ثم يدخل إلى الفرن حتى تنضج، وبعد
ذلك يقلب على الطرف الآخر، ويوضع كلا الطرفين فوق بعضهما، ويلفان بورق النايلون فتصبح جاهزة للبيع.
وتتابع شارحة طريقة صنع حلوى المن والسلوى، وهي مكونة من عرق الحلاوة وزلال البيض، ولوز مكسور ومنكهات مثل جوزة الطيب، حيث تطبخ على نار هادئة حتى تتماسك نوعاً ما وتبرد، ثم تُقطَّع وتُكوَّر على شكل كرات، وتُغطَّس بالفستق الحلبي وتُغلَّف.
أما هريسة اللوز، فيطحن اللوز على الماكينة ويضاف إليه السكر والملونات الغذائية، ويعجن حتى تتماسك المكونات مع بعضها ثم تشكل حسب الطلب، وتأخذ شكل موزة تفاحة الخ.
وبقي هذا الخان منذ افتتاحه مقصد الأطفال، وعاشقي الحلوى الحلبية المميزة، لأنه من أقدم المحلات في المدينة.
واختتمت فاتن جاويش حكايتها: “الحياة فيها صعوبات وأحلام وآمال، والحمد لله أني استطعت أن أكمل رسالتي بالحياة، وأن أزوج أولادي من رزق هذا الخان، خان أحلام طفولتي، الذي حولني لامرأة لا تعرف المستحيل”.
وكالات