حين يغلب الحلم الواقع.. من الطب للإعلام

قامشلو/ ميديا غانم –

وجدت نسرين نقطة تلاقي بين عملها وشغفها ألا وهي الإنسانية، لتنطلق منها وتصبح سر نجاحها وتفوّقها في مجالين متشابهين في الشفافية والموضوعية، ولكنها تؤكد: “إذا رجع فيني الزمن سأختار الإعلام”.

نسرين كلش من قامشلو، 21 عاماً إعلامية في وكالة JINHA مساعدة طبيب جراح، ولدت وترعرت في قامشلو، وأثناء بلوغها سن الخامسة سافرت إلى لبنان عام “2008”، ودرست الطب في لبنان.

ونتيجة الضغط في المجال الطبي بسبب جائحة كورونا في لبنان كما معظم بلدان العالم بدأت نسرين بالعمل مبكراً في مجال الطب، حيث عملت في المشفى الأمريكي بلبنان لمدة عامين، والتي اعتبرتها فرصة جيدة لتبدأ مباشرةً بالعمل رغم صغر سنها وعدم تمرسها في هذا المجال.

حلمها وواقعها كانا متباعدان كثيراً، ولكنها استطاعت أن تجد نقطة تلاقي بينهما ألا وهي الإنسانية، لتنطلق منها وتصبح سر نجاحها وتفوقها في كلاهما، حيث تقول نسرين بهذا الخصوص: “كان حلمي منذ الصغر أن أصبح صحفيّة، ولكن نتيجة رغبة أمي الشديدة في أن أصبح طبيبة درست الطب، ورغم محاولتي الشديدة في إقناعها إلا أن إصرارها كان كفيلاً كي لا أخذلها، حيث لا زالت كلماتها ترن في أذني وهي تقول: “محدا من أخواتك فشلي قلبي بدي أنتِ تكوني دكتورة وتفشيلي قلبي”، لذا فاق حبي لأمي حلمي”.

“لو عاد بي الزمن سأختار الإعلام”

تابعت نسرين حيال كيفية تفوقها في مجال الطب قائلةً: “رغم كل الصعوبات في مجال الطب والضغوطات الكبيرة أثناء دراستي، والفكرة التي كانت ترافقني بأنني لم أختار هذا المجال عن قناعة، إلا أنني ركزت على نقطة لأنطلق منها ألا وهي أنها مهنة إنسانية ويجب أن أكون على قدر هذه المسؤولية، لذا نظمت وقتي ودرست بجد لحين تخرجت وتفوقت بجدارة”.

تعود نسرين بخيالها لأيام الطفولة وتقول بأن شغفها بالإعلام كان منذ الصغر ووجدته في قلمها، الذي كانت تبدع بالكتابة فيه منذ طفولتها، وأردفت: “فكنت أعلم أنني أصور الأشياء بقلمي كما يرى الرسام الصورة في ريشته، فمنذ نعومة أظافري كنت دوماً أتخيل إنني إعلامية وأجري لقاءات مع الناس.. ولم يفارقني هذا الحلم يوماً رغم تقبلي للأمر الواقع، ولكنني لن أنكر بأنه إذا رجع فيني الزمن لاخترت دراسة الإعلام”.

بعودتها من بيروت كانت نسرين مصممة على تحقيق الحلم الذي لم يفارق خيالها منذ الطفولة، فتقول حيال ذلك: “عندما عدت من لبنان إلى قامشلو سعيت للعمل في مجال الإعلام وليس الطب، فقد قررت أن أحقق حلمي في مدينتي، وبالفعل سمعت بأن إحدى الوكالات لديها شواغر عمل وقررت أن أبدأ العمل وأحقق حلمي، وها أنا أعمل منذ تسعة أشهر في وكالة خاصة بالمرأة وكل يوم يزيد حبي للإعلام أكثر”.

“كِلاهما لخدمة الإنسانية”

هذه المرة لم تكن أسرة نسرين تقف عائقاً أمامها لتحقيق حلمها، لأنهم علموا جيداً بأنها إذا عملت بأي مجال لن تشعر بالسعادة ما لم تعمل في مجال تحبه هي، ولكنها مرّت بصعوبات من ناحية عملها الجديد التي لا تصفه بصعوبات بل تحديات تجاوزتها بكل صدر رحب على حد تعبيرها، فتقول: “كل عمل له صعوبات بدايةً، ولكن العمل الذي تعشقه لن تجد فيه صعوبات ربما تحديات تحفزك للتطور، وبالنسبة لعملي واجهتني بعض التحديات بدايةً من اندماجي بالمجتمع الجديد لأنني كنت بلبنان فلم تكن لي علاقات كثيرة هنا، وكما نعلم بأن الإعلام يتطلب علاقات واسعة، ولكنني بعد أشهر تخطيت هذا، والأمر الآخر أنني لم أكن أعلم الكثير عن الإعلام رغم شغفي به، وتخطيت ذلك أيضاً بعد أشهر من التدريب في مجال الإعلام”.

تربط نسرين بين الإعلام والطب فتقول: “بحسب تجربتي المتواضعة في الإعلام وجدت بأنه يشبه الطب كثيراً من حيث الشفافية والحياد والوضوح، فكلاهما لا يحتمل الانحياز والخداع، وكلاهما مهنة إنسانية بحتة تهدف لخدمة الإنسان أولاً إذا امتهناها بإخلاص وضمير”.

لم تختر نسرين أن تعمل في وكالة خاصة بشؤون وقضايا المرأة بكادر نسائي بل كان محض صدفة على حد قولها، ولكنها تؤكد قائلةً: “عندما علمت بأنها وكالة خاصة بالمرأة أيقنتُ بأن هذا كان حلمي وهذا مكاني”.

مشيرةً إلى أن ما زاد من تشجيعها على العمل أكثر ما تمر به المرأة في العالم أجمع، والمرأة السورية بشكلٍ خاص نتيجة الحرب الدائرة لسنوات، لذا منذ اليوم الأول في العمل كان هدفها أن تصبح صوت هؤلاء النساء بآمالهن وآلامهن بنجاحاتهن وكفاحهن، وهذا ما جعل شغفها مستمر ولم ينطفئ بريق العمل في عينيها على حد وصفها.

وكالة أنباء المرأة JINHA افتُتحت منذ أكثر من ست سنوات، ويعمل فيها كادر نسائي بحت وتغطي أخبار المرأة على مستوى الشرق الأوسط.

رغبة الأهل والطموح

في اليوم الأول للتعرف على التلاميذ يستقبلهم المدرس/ـة بسؤال ماذا تود أن تصبح حين تكبر؟ وليس كيف، وماذا تريد أسرتك أن تكون؟، حلم ذاك الطفل غالباً يتم وأده من قِبل الأهل ليُستبدل برغبتهم التي لم يستطيعوا هم تحقيقها.

تقول نسرين وجهة نظرها بهذا الأمر قائلةً: “لا أُدين الأهل وأتهمهم بالسوء لاختيارهم مهن أولادهم في المستقبل لأنه من وجهة نظرهم بأنهم يختارون الأصح لمصلحتهم، ولكن يجب أن يعلم الأهل بأن المهنة التي لا نختارها بشغف وعن قناعة لن ننجح فيها، فربما كنت استثنائية بنجاحي في المهنة التي اختارتها لي أسرتي وبنفس الوقت سنحت لي الفرصة لتحقيق حلمي للعمل في المجال الذي أحبه أيضاً، لكن معظم الشابات والشباب يفشلون كثيراً نتيجة الرغبات المفروضة عليهم من قبل أسرهم، لذا أتمنى أن تحترم وتشجع الأسر رغبات أولادهم وتقبلها وبالنهاية لا ننجح إلا فيما نحب، كما أتمنى من كل شاب وشابة أن لا يستسلموا ولا يقولوا فُرِض علينا مجال ما وتأخّر الوقت لبلوغ الحلم، أقول لهم الوقت دائماً موجود إذا سعينا لحلمنا وبإرادتنا نستطيع تغيير واقعنا”.

نسرين تتحدث عن هدفها في الحياة وتشدد بالقول: “أود أن أصل لهدفي وهو أن أكون صوت شعبي وبشكلٍ خاص النساء، لأنه قبل أن أعود إلى قامشلو كنت أتابع أخبار شمال وشرق سوريا في لبنان وكنت أشاهد تحريف وتشويه للحقيقة، حيث كانوا يصوروا لنا بأنها مناطق منكوبة لا حياة فيها، ولكن عندما جئت كان الوضع مختلفاً تماماً، فعلمت كم أن الإعلام المزيف يستطيع أن يشوه الحقيقة لذا تشجعت كثيراً لأكون صحفية حيادية صادقة في عملي وأوصِل صورة عن منطقتي للعالم برونقها وجمالها، فهناك الكثير يهتمون من الخارج، ولكن الصورة تصلهم خادعة ومشوهة نتيجة مصالح بعض وسائل الإعلام”.

وفي الختام سألنا نسرين بأنه لو خيروها بين الطب والإعلام في الحالات الطارئة ماذا ستختار؟ فقالت: “إذا اضطررت للاختيار بين عملي في الطب أو الإعلام سأختار إنسانيتي أولاً، فرغم عملي كإعلامية لم أتوانَ عن مساعدة مَن يحتاجني في مجال الصحة كحقن الإبرة أو قياس الضغط وغيرها، وعلى سبيل المثال أثناء انفجار مرفئ بيروت العام الماضي توجهت فوراً لمساعدة المصابين هناك، وسأبقى أختار إنسانيتي أينما كنت، وبالمقابل لن أتخلى عن حلمي أبداً”.