حول الفتوحات العثمانية الجديدة بباشور كردستان

كمال عاكف –

منذ فترة ليست بقصيرة يكشف العثمانيون الجدد عن عزمهم على إعادة أمجاد أسلافهم، تارة يتكلمون عن عشرين مليون كم2، وأحياناً يتحدثون عن «الميثاق المللي». وبخاصة عندما جربوا وسيلة أسلافهم المتمثلة في «الشباب المجنون» الذين كانوا يقودون جيوشهم المدمّرة، هؤلاء الذين ذبحوا ثمانية آلاف من البشر في يوم واحد عند فتح القاهرة 1517 فاستبدلوا اسمهم بـ»داعش» لتمهيد السبيل أمام جيشهم النظاميّ. ولكن عندما انكسر داعشهم عند أسوار كوباني وفَقَد كري سبي/ تل أبيض ومنبج وعاصمتهم الوهميّة الرقة، اضطر العثمانيون الجدد إلى الكشف عن حقيقتهم ودفعوا بجيشهم إلى المعركة، فكانت الشهباء ثم عفرين. وراحوا من بعدها يهدّدون بالزحف إلى منبج وكوباني والرقة وتل أبيض وشنكال والموصل ومخمور. ويجدر ملاحظة أنّ جميع هذه المناطق كانت هدفاً لداعش وتمّ تحريرها على يد الكرد.
نحن لا نلوم العثمانيّة الجديدة ولا قادتها، فهذه أهدافهم وهذا نهجهم منذ أن وطِئت أقدامهم ميزوبوتاميا، ويمكن أن يكون هذا موضوعاً لنقاش آخر، ولكن ما يهمّنا هو مواقف الكرد على مختلف توجهاتهم السياسيّة. والسؤال المصيريّ الذي يطرح نفسه هو «هل عرِف الكردُ أعداءَهم من أصدقائهم على مدى التاريخ؟». نعتقد أنّ هذه هي معضلة الكرد الأساسيّة، وهذه هي المعضلة التي جعلت من الكردِ «شعبَ المجازر والإبادات». ولننظر إلى الإبادات التي جرت بحق الكردِ، هل نجد إبادة واحدة لم يشارك فيها بعض الكرد إلى جانب أعدائهم ؟!
في الآونة الأخيرة أصبحنا نسمع تصريحات عديدة من الجنوب حول الغزو العثمانيّ لكردستان، وكأنّهم يمهّدون الطريق أمام الغزاةِ الجدد وإباداتٍ جديدة بحق الكرد، ويلقون باللوم على من حرّر مخمور وشنكال وحمى هولير وكركوك من داعش. وهنا يجب توجيه السؤال المصيريّ «هل تعرفون أصدقاء الشعب الكرديّ من أعدائه؟ «، و»هل تؤمنون بوحدة مصير الشعب الكرديّ؟ «. وإذا كنتم تصفحتم التاريخ الكرديّ قليلاً، فهل تعرَّفتم على أساليب ووسائل أعداء الكرد في حربهم على الكرد؟ كما يجدر بكم أن تعرفوا مصير من تعاون مع العدو في إبادة شعبه بعد الإبادة.
قال سيد رضا لجلاديه الترك قبل الشنق «بقي في قلبي حسرة أنني لم أفلح أمام ألاعيبكم وحيلكم، وستبقى في قلوبكم حسرة أنكم لم تتمكنوا من إركاعي». والسؤال الذي يجب توجيهه لهؤلاء الذين يبرّرون الغزو التركيّ ويمهّدون الطريقَ أمامه «هل تدركون الألاعيب والحيل العثمانيّة؟ وهل يكمنُ الحلُّ في قتلِ أخيكم أو مساعدة عدوكم على قتله؟
لقد سئمنا نحن الكرد من لعبة الأعداء في القول: « أنت جيد وبطل، ولكن أخاك عاطل ويجب التخلص منه». وإذا كنتم تفكرون في مصالحكم الماديّة والشخصية فاللقمة المغموسة في دم أخيك ستكون سماً لك، لا شكَّ أنَّ تركيا تبحث على الدوام لجعل الكرد في مستوىً يرضيها هي كدولة، ولا تريد أبداً أن يكون هناك كردٌ يناضلون من أجل الحقِّ والحريّة وحلِّ قضيتهم كذلك لا تريد أن يكون هناك تقاربٌ كرديّ- كرديّ لذا فهي تسعى في كلِّ يوم لتزيد من حالة الشرخ وتعميق الخلافات، ومهما زادت تلك الخلافات إلا أنّها تبقى داخليّة ويمكن حلّها بعيداً عن تدخُّل العدو وعن تقييماته للكرد، لا يوجد كرديٌّ جيّدٌ في نظر الدولة التركيّة، فكيف إذاً يتمُّ الاتفاق معها حول موقفٍ معيّنٍ أيّاً كان ضدَّ طرف كرديّ آخر، حاجتنا اليوم لوحدة الصف ووحدة القرار، وحدة الموقف هي الضروريّة، فالعدو يمارس كلّ إمكاناته لمنع أن يكون لنا حلٌّ يخدم حاجتنا ككرد، هذه الحرب التي يحاول ألا يخسر فيها شيئاً بل يريد ضرب الكرد بالكرد، الوعي لهذا المخطط والعمل على إفشاله جانب كبير من تحقيق النصر الكبير وتحقيق طموح شعبنا في الحرية والسلام.
على القوى التي ترى في تركيا خيراً أو عاملَ استقرارٍ في المنطقة وعلى وجه الخصوص القوى الكرديّة أن تعيدَ النظر في مواقفها وتدرك أنَّ ما حصل في عفرين، كوباني، كركوك، وهولير أثناء الاستفتاء كلها أمور ليست صدفة، ليس كما يحاول البعض عدم فهمها بمعزل عن بعضها البعض إنّما كلّها مدرجة في مخطط واحد؛ كلُّها توجّهٌ واحدٌ، سياسةٌ واحدةٌ، علينا أن نعيَ أنَّ عدوَّ الكرد واحد حيث في نظره لا يوجد كرديّ سيء وآخر جيد كلّ الكرد في مخيلته أعداء ولكن يقوم باتباع أساليب الانتقام بأشكال مختلفة من ناحية يقوم باتباع الحرب ومن ناحية أخرى يقوم بخلق الخلافات والشقاق ومن ثم يستثمرها ويسخّرها لصالحه.