سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حل القضيتين الكردية والفلسطينية ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط

حمزة حرب_

للاضطهاد تاريخٌ طويل ضاربٌ في عمق جذر التاريخ لشعوبٍ كافحت لنيل حريتها لسنواتٍ طويلة؛ فمنهم من انتزع حريته، ومنهم لا زال يناضل إلى يومنا الحاضر. على الرغم من كل التطور الفكري والعقلاني، الذي توصلت إليه البشرية لكن بقي الشعبان الكردي والفلسطيني إلى جانب عرقياتٍ وشعوب أخرى يكافحان إلى يومنا هذا لنيل الحرية المنشودة وكسر أغلال الأنظمة القمعية، التي هيمنت بسطوتها وشوفونيتها على مصير هذه الشعوب المضطهدة، فمهما اختلفت ألوان الاستبداد يبقى المضمون كامناً في صدور المستبدين يأخذ مناحي مطردة مع الزمن، لكنه لن يضمحل كما هو الحال لدى الدولة العثمانية المستحدثة في عهدة رجب أردوغان رئيس نظام دولة الاحتلال التركي الحالي، وعليه لفهم وإدراك هذه الحقيقة لا بد من لمحة تاريخية لكلا الشعبين وإسقاطها على الواقع المعاش اليوم ومقاربتها مع سبل الحل وأطروحاته.
تاريخٌ مليء بالاضطهاد
كردستان التي قسمت بين العراق وسوريا، وتركيا وإيران، والاتحاد السوفييتي السابق “روسيا الحالية”، سرعان ما تبعه تقسيم فلسطين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تم حكمها لوقت قصير من الأردن ومصر، ومن ثم قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، ومنذ ذاك التاريخ يقوم الفلسطينيون بانتفاضات وثورات متعددة.
إسرائيل حالها حال الدول، التي اقتسمت كردستان وبدعم من المنظومة الدولية ذات التاريخ الاستعماري الرأسمالي، تغاضت بل دعمت في كثير من الأحيان الحروب، التي شنت على المدنيين الكرد والفلسطينيين في كثير من المناسبات عبر التاريخ المعاصر.
بعد أن تمكنت تلك الدول الاستعمارية من زرع فكرة القومية، التي فشلت فشلاً ذريعاً في أوروبا وآسيا على مر التاريخ، بينما نجحت فكرة الدولة الوطنية التي تتشارك في قواعد المواطنة وتقبل وتحترم الاختلافات مهما كانت، وأن إدراك الجميع مسؤولية العمل الوطني الجمعي، هو أصدق وأكثر تأثيراً لإحداث حياة متوازنة للشعوب، وهذا ما افتقدته الدول التي تحاول هضم تطلعات الشعوب الحالمة بالعيش بكرامة.
هذا يقودنا للحديث عن أوجه التشابه والتداخل بين القضيتين الفلسطينية والكردية، ومعاناة كلا الشعبين المناضلين، حيث يحارب الشعبان قوى الاحتلال التركي والإسرائيلي، ويواجهان محاولات تطهير عرقي، كما فعل صدام حسين في العراق، وما يقوم به أردوغان وأسلافه بحق الكرد.
فكلا الشعبين يناضلان منذ سنوات من أجل الاعتراف الدولي بالاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير، لأن الظروف الجيوسياسية التاريخية والعالمية وعلى رأسها الحربان العالميتان، أدتا إلى تقسيم كل من كردستان وفلسطين إلى عدة كيانات يتشابه فيها الشعبان الكردي والفلسطيني في وقوعهم تحت طائلة الاحتلال الإسرائيلي فيما يخص فلسطين، وتحت الاحتلال متعدد القوميات من تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا، ونجحت لهم تجربة وحيدة عندما استقل الكرد في دولة (مهاباد) عام 1946 التي لم تعِش سوى 11 شهراً، وتم تقويضها من النظام الشاهنشاهي مدعوماً بالقوى الإمبريالية الرأسمالية.
أما قضية فلسطين، فلا تختلف كثيراً من حيث النتائج عن القضية الكردية فهي الأخرى تواجه دولة استيطانية، تقوم على أساس يهودي توراتي عقائدي، يعتقد نقاء الجنس اليهودي، والدين اليهودي دين قومي بمعنى الكلمة، وبالتالي هو دين غير تبشيري، ويؤكد قادة إسرائيل أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، فبدأ عمليات التطهير العرقي عام 1948، وطوال أكثر من 75 عاماً يتم تشريد الشعب الفلسطيني، وأيضاً يقوم الكرد بثورات متتالية، ولا نعتقد أن الثورات تُخمد، طالما بقى الاحتلال، أي احتلال واستعمار على أي أسس دينية أو عرقية أو عنصرية.
الخذلان الدولي والأممي
 واجه الشعبان خذلاناً أممياً ودولياً أبقى الأنظمة القمعية والشوفونية منذ قرن وما يزيد عن ذلك جاثمة على صدور الشعوب المضطهدة وأبرزهم الشعبان الكردي والفلسطيني، فتقسيم وطن الكرد لأجزاء عدة، هو حدث عاشه الكرد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبتثبيت الحدود بعد الحرب الثانية أصبح واقعاً مثبتاً بحكم المصالح الدولية، التي بنت أسسها على حساب التطلعات الحرة للشعب الكردي، الذي جزئت أركان أرضه إلى أشلاء يحكم كل قسم منها نظامٌ قمعي استبدادي ينكر الوجود التاريخي لهذا الشعب.
فالقوى العظمة خصوصاً تلك التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية عملت على تأسيس نظام دوليٍ جديد عماده تثبيت الحدود الدولية فبات تغيير الحدود الجغرافية للدول شأناً داخلياً نادر الحدوث لدول تعدُّها القوى العظمة ذات سيادة، وإن حدث فإنه يتطلب توافقاً نادراً بين القوى الكبرى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فالكرد الذين عانوا من حكم الاستبداد المتشبع بالعنصرية والقوموية أخذوا منحى آخر في تطلعاتهم لمستقبل نضالهم السياسي بل وحتى تطلعهم للتحرر بعد رؤية معمقة لجذر المشكلات المتأصلة في تاريخ الشرق الأوسط من خلال الفصل بين تطلعات الشعوب، ومصالح الأنظمة في خلق انقساماتٍ عامودية وجذرية؛ لذا بات من الضروري حل القضية العالقة، وهو مرهون بقدر تحقيق الديمقراطية، والعيش المشترك في البلدان، التي أُلحقوا بها عنوة على حساب كردستان أرضهم التاريخية.
كذا الفلسطينيون لكن الفارق في الشكل وليس المضمون عن الكرد، فالكردي الذي جزئت أرضه إلى أربعة أجزاءٍ رئيسية إلى جانب كردستان الحمراء وبعض الأشلاء مترامية الأطراف داخل دول أنظمتها شوفونية لا يختلف حاله من ناحية المضمون عن فلسطين الواحدة الموحدة الرازحة تحت حكم إسرائيل القوموية المتطرفة، فكلا الشعبين فقد أرضه وحقه في تقرير مصيره لحساب الأنظمة الاستبدادية.
الانقسامات العمودية في صفوف الشعب الواحد
المنطقة تعيش حالة مستمرة من الحرب لأن المشاكل كثيرة، وكذلك متعلقة ببعضها، ولا توجد مشكلة لا تخلق العواقب الإقليمية، وكل الأمور متشابكة مع بعضها، وتشكل التأثير على بعضها، فمنذ بداية القرن العشرين، وحتى حلول منتصفه، وقعت حربان عالميتان كبيرتان، الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعد هذين الحربين، قلّت الحروب في أوروبا، ولكن لم يكن الأمر كذلك في أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص لم تنتهِ الحروب أبداً في الشرق الأوسط. وعلى مبدأ المصطلح السياسي العسكري الاقتصادي “فَرِّق تَسُدْ” ويراد منه تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة، وهي غير متحدة مع بعضها؛ ما يسهل التعامل معها وبالسوية ذاتها، يتم استخدامه مع القوى المتفرقة أصلاً، ولم يسبق لها أن اتحدت، وذلك في سبيل منعها من الاتحاد، وتشكيل قوة كبيرة يصعب التعامل معها، وهذا ما تستخدمه بالضبط قوى الهيمنة الرأسمالية لإدراكهم العميق أنه لولا هذه السياسة لما استمرت القضايا الحالية عالقة. وبطبيعة الحال يرى مراقبون بكل شفافية، أن هذه القاعدة طُبقت بالفعل، وتبرهنها الانقسامات العمودية داخل البيت الواحد للشعوب المضطهدة، فلا تزال التنظيمات والحركات الفلسطينية في حالة تشظي، وعدم القدرة على خلق وحدة قوية فيما بينها، وهذا الأمر بالطبع يشكل تأثيراً من الناحية السلبية على نضال الشعب الفلسطيني.
فهناك انقسام بين حركة فتح والجماعات الأخرى، وعلى رأسها حماس، وهو ما وضعهم في حالة من الضعف، ولم يحصل هذا الوضع فقط نتيجة ضغط الدول، بل حصل لأسباب إيديولوجية وسياسية وتاريخية، فالحركة الفلسطينية لا يمكنها أن تتغلب على الوضع الراهن إلا من خلال إدراك، وحل هذه الأسباب بخلق حالة من الوحدة الفلسطينية.
لأن القضية هي ليست فقط جراء الصراعات بين حركتي حماس وفتح، بل إن الحركة الفلسطينية هي بشكل عام أصبحت ضعيفة ومنقسمة، لأن الولاءات لعبت دورها في حرف بوصلة كلا الجانبين، فالقوتان على مبدأ قوانين الفيزياء متساويتان بالشدة لكنهما متعاكستين في الاتجاه وبالتالي سيعطيان محصلة صفرية لحل القضية الفلسطينية.
الحال ذاته كردياً فالأحزاب والتيارات الكردية حكمها التشظي والتبعية وبالتالي أضعف الاصطفاف الشعبي، والعزم المتمثل بتحقيق التطلعات فلا زالت سياسة التخاذل تحكم الحركة النضالية الكردية فالقضية واحدة، والوجهات كثر، وهو ما فاقم هذه المشكلة، ولم تجنِ القضية الكردية على الرغم من نضالها الكبير ثمارها المرجوة والسبب ذاته “لا وجود لوحدة الصف الكردي”.
وهذه السياسة، التي تمكنت من النيل إلى الآن من نضال الشعوب هي مقاربة معمقة، يؤكد مراقبون أنها تعود لحروب الدول فيما بينها وكذلك ضد الشعوب المضطهدة التي زرعت فيما بينها التفرقة والعنصرية، والكثير منها أخذ منحى حرب إبادة جماعية خصوصاً في كل من كردستان وفلسطين، وذلك بعد أن تمكنت الدول الغربية والأوروبية خصوصاً من تصدير تجربتها الفاشلة مع التعصب القومي والديني إلى الشرق الأوسط، ونبذه في أوساطها الشعبية والإدارية لتتوحد في تكتلٍ واحد مختلف الأعراق، والأطياف وتشجع على استمرار الانقسام والتشظي في المنطقة المنكوبة “الشرق الأوسط”.
التعايش المشترك ينهي المعاناة
كلتا القضيتين العالقتين والمركزيتين في الشرق الأوسط حلهما ممكن من خلال منطق العقل والنهج الديمقراطي، بعد زوال التعصب القومي، والديني والتعصب القومي للدولة، أنواع التعصب، التي تعد مصدر استعصاء الحل في الشرق الأوسط، والحل الدائم لهاتين القضيتين قابل للتطبيق بإرادة الشعوب وحدها.
فالقائد والمفكر الأممي عبد الله أوجلان ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها منطقة متنوعة ومتجانسة، متنوعة أي أنها تضم عدداً كبيراً من الشعوب من ذوي الأصول المتنوعة، مثل العرب، والكرد، والآشوريين، والكلدان والسريان، ولكنها متجانسة في ضوء التعايش الإيجابي، الذي ضم تلك الشعوب على مر التاريخ.
تلك الثقافات ارتبطت بوحدة المصير لأنها ترتبط بنطاق جغرافي محدد، وهذا التعايش التاريخي جعل هذه الشعوب تتواجد في جو من الانسجام، فمثلا الثقافة العربية، والكردية والأرمنية هي ثقافة تلاحمت وتفاعلت واستفادت من بعضها؛ لذا الحل يكمن من خلال تعميق قدرة استيعاب الآخر، كلما تمكنت الأمم المختلفة ظاهرياً أن تتحد خلف قواعد الإنسانية، وهي قواعد مشتركة، يمكن أن تقرب الجميع، وأن تساهم الأطراف في البحث وايجاد نقاط الالتقاء والتجاوز عن نقاط الاختلاف، تمكنا من تجاوز الأزمات، التي بدت أنها مستعصية على الحل.
فالحل الديمقراطي القائم على المجتمع يعني أنه في إطار مجتمع معين يضم عدداً من المتنوعين يمكنهم إدارة شؤونهم الذاتية بشكل تشاركي، وهذه التشاركية تقوم على قبول الآخر والتعايش معه، من حسن حظ منطقة الشرق الأوسط أنها تعايشت معا لكن الأنظمة القمعية، حاولت تشتيتها لكنها سرعان ما تتمكن من الوصول إلى حل تشاركي بعيد عن تلك الأنظمة في إطار فكرة الأمة الديمقراطية، سواء الفلسطينية أو الكردية، أو حتى الأرمنية، ومن المهم أن يتعايش الجميع والأهم فكرة القبول المشترك.
فتعايش العرب والكرد تاريخي وهو ما جعلهم قادرين على التعايش حالياً، والوصول على نموذج ناجح في ضوء الخبرة التاريخية، والتي كانت ثمرة هذا التعايش هي الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وكذا يمكن لعب الدور ذاته في تركيا، فلا الكرد لديهم مشكلة مع الشعب التركي، ولا الفلسطينيين لديهم مشكلة مع الشعب اليهودي، إنما الفكر المتطرف للأنظمة القمعية هو من صور وخلق هالة من البربوغاندا التي وطد فيها سطوته.