حلبية وزلبية… توأم الفرات

إعداد/ رؤى النايف-

خلال سنوات قليلة تحولت مدن قديمة ومواقع أثرية إلى ساحات للقتال، ونهبت قطع أثرية ودمرت مواقع أخرى كانت تحفظ بين جدرانها روايات من التاريخ.

تقع المدينتان التوأمان شمال غربي مدينة دير الزور 58 كم، على هضبة مرتفعة تغطيها حجارة بركانية، تعد امتداداً لجبل البشري، ويقسمها الفرات إلى قسمين، فتصبح مدينة حلبية أو زنوبيا على الضفة الغربية للنهر، ومدينة زلبية أو زلوبيا على الضفة الشرقية، بمسافة ثلاثة كيلومترات بينهما نفق تحت الماء وجسر حربي يصل بينهما.

بنادقهم تفتك بالآثار

 عمل مرتزقة داعش على تدمير الآثار والمواقع الأثرية بطريقة تخريبية وممنهجة، في سبيل بسط سيطرتهم وتقسيم المناطق تماشياً مع مصالحهم، ومن الأماكن التي سعى لتدميرها جسر حلبية وزلبية، وذلك لفصل مدينة الرقة عن دير الزور.

ولموقع المدينتين أهمية كبرى في هذه النقطة من نهر الفرات، إذ يشكل موقعاً عسكرياً ممتازاً لتحصينه الطبيعي بالصخور الشاهقة الموجودة على سفح الهضبة، حيث بنيت هناك مدينة تسمى “الخانوقة” في العصر العباسي، وسميت كذلك لاختناق النهر هناك من الصخور والأحجار.

لمحة عن تاريخ المدينتين

 كما يتحكم هذا الموقع بالطريق النهري وطريق القوافل التجارية البرية القريبة منه، ويعود بناء المدينتين إلى العهدين البابلي والآشوري، إذ دانتا لهما بالولاء حينها وبالثورة عليهما أحياناً أخرى، حتى قام الملك الآشوري “آشور ناصر” بحملة عسكرية، سنة 878 قبل الميلاد، ونكل بأهلهما وخربهما وبنى مكانهما قلعتين على ضفتي النهر.

وتذكر المصادر التاريخية أن سكاناً غير معروفين سكنوا مضيق حلبية قبل الآراميين بقرون عديدة، وفي عهد السلوقيين وجدت عدة مدن في ممر حلبية، ولكنها زالت بشكل كامل ولم يبق من آثارها شيء، ولما نمت مملكة تدمر ذلك النمو الذي جعلها من أكبر مدن الشرق، وبسطت سيطرتها على ضفاف الفرات؛ جعلت من المدينتين اللتين تبعدان إلى الشرق منها مسافة 165 كم، مركزين تجاريين هامين بفضل موقعهما الجغرافي والتجاري المميزين.

موقع حصين ومكانة دينية واجتماعية

وفضلاً عن الأهمية الجغرافية والتجارية، فإن موقع المدينتين يشكل حصناً عسكرياً مميزاً، ويقترب طراز قلاعهما في بنائها من العمارة العسكرية البيزنطية، وتتميز مدينة حلبية بشارع ذي أعمدة رخامية على الجانبين، يمر ببابي المدينة الجنوبي والشمالي.

كما وجدت كنيسة ودار للقضاء وأبراج وأهرامات استخدمت كمدافن تشبه الأهرامات التدمرية وحمام ومطابخ، وعثرا على الكثير من أواني الطبخ وقطع قماشية صنعت في المدينة في ذلك الوقت، مما يدل على حضارة حقيقة ونهضة اقتصادية تميزت بها المدينة في ذلك التاريخ.

مدينة زلبية

وزلبية هي تلك المدينة التي تقع على ضفة الفرات الشرقية جنوب حلبية، كانت تشبه توأمها في معظم تفاصيل بنائها ونمط عيش أهلها، وهي مرتفع من الحجر الجصي كانت عليه قلعة ذات أسوار وأبراج، وقد جرف النهر هذا المرتفع لأنه يمر من تحته مسرعاً، وذهب بمعظم القلعة.

وعلى سفح هضبة حمة الجزيرة آثار رسوم أبنية من الحجر البازلتي، هي زلبية القديمة الآشورية التدمرية، كما تشاهد إلى الشمال من القلعة بقايا سد كان قائماً على الفرات استخدم لغايات الري والزراعة والحد من فيضان النهر.

ولكن تعاظم أهمية تدمر التجارية ومدنها جر عليها الويلات ولفت نظر الغزاة المنافسين، فقام الرومان بقتال التدمريين وتدمير مدنهم ومنها حلبية وزلبية. وتذكر بعض الروايات التاريخية أن الملكة زنوبيا، بعد حصار الرومان لها في تدمر، تسللت محاولة الوصول إلى حلبية وزلبية على شاطئ الفرات، لكن حامية رومانية قامت بأسرها.

عاشت الحروب في كافة العصور

ودمر الرومان حلبية وزلبية لتصبح منطقة أثرية تسرد قصة حضارة المدينتين التوأمين اللتين تغفوان على كتف الفرات.

والجدير بالذكر أن المدينتين تابعتان إداريا لبلدة الكبر التي سبق وقصفها الطيران الاسرائيلي بذريعة وجود مفاعل نووي.

بقيت المدينتان التوأمان شاهدتان على عصور خلت مئات السنين وتعاقبت عليها معارك وإمبراطوريات وبقيت أحجارها صامدة تحكي قصص الماضي.

لتدور عليها في وقتنا الحالي رحى معارك عدة وتنال نصيبها من التخريب والدمار حالها حال آثار سوريا التي تعرضت للدمار والسلب والنهب من تجار الأزمات والحروب.