سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حطمت قيوداً وأقفاصاً وحلّقت نحو مستقبلها من جديد..

تقول مريم العلوان (22 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة جامعية في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا “لنورث برس”، إنها سعيدة بنجاحها في التخلص مما تصفه بقيود وأقفاص مجتمعية فُرضت عليها قبل سنوات، لكنها تتحسر، أثناء تذكرها معاناتها، على فتيات ونساء في أرجاء مدينتها وبلادها، ما زلن يقاسين بسبب القيود نفسها.
الحرمان من التعليم، والزواج المبكر، فالعنف المنزلي، ثم التنمر على ضحية زواج وطلاق لم يكن لها ذنب فيهما، تلك بعض عناوين الشقاء التي تقول مريم وأخريات إنهن تعرضن لها منذ مغادرتهن الطفولة في زمن الحرب وقبلها.
وقبل نحو سبعة أعوام، كانت مريم طفلة تعيش مع عائلتها في سراقب وتفكر في دراستها الثانوية بعد حصولها على شهادة التعليم الأساسي، لكن الزواج المُبكر الذي فُرِض عليها، أطاح بأحلامها تلك.
وأدت الحرب في سوريا إلى تفشي ظاهرة زواج القاصرات بين الكثير من الأسر التي عانت من النزوح والأعباء الاقتصادية، رغم قِدم الظاهرة في كثير من الأرياف السورية.
 ويعتقد آباء أولئك الفتيات أن سعيهم لتزويج بناتهم في سن مبكرة يضمن حصولهن على حياة أفضل، بينما يغضون النظر عن حرمانهن من الطفولة ومتابعة الدراسة، لفرض مسؤوليات كبيرة عليهن.
وغالباً ما يؤدي تأييد البيئة الاجتماعية لتلك الآراء إلى وأد أي رفض من الفتاة أو أحد ذويها.
سترة وسط الحرب
كانت مريم أكبر أخوتها الستة، يعمل والدها بائعاً متجولاً على عربة للخضار، ويسكنون في منزل قديم على أطراف مدينة سراقب.
ومنذ تشرين الثاني عام 2012، خرجت مدينة سراقب الواقعة على الطريق بين حماة وحلب عن سيطرة قوات الحكومة السورية وانتشرت فيها فصائل مسلحة إلى جانب ظهور مرتزقة (داعش) في المدينة عام 2014.
كانت العائلة تنزح عند التصعيد العسكري وقصف القوات الحكومية للمدينة، وتعود إلى منزلها في سراقب أوقات الهدوء النسبي.
وفي تشرين الأول عام 2014، كانت العائلة نازحة حين تقدم أحد أقارب الفتاة التي كانت في الخامسة عشرة لخطبتها.
ومضت مريم مرغمةً إلى منزل زوجها الذي كان يبلغ 27 عاماً، “ووافق أهلي على تزويجي بداعي السترة في ظل النزوح والفقر وفقدان الأمان.
لكن ذرائع العائلة لم تمنع المشكلات من الظهور منذ الأسابيع الأولى، بسبب عدم التفاهم بين الزوجين حول العمل والمعيشة وأمور حياتية أخرى.
تقول مريم: “سكنت معه في مخيم تابع لمدينة سرمدا الحدودية لعدم قدرته على استئجار منزل، لكنني لم أكن أرضى ببقائه بلا عمل واعتماده على أخيه اللاجئ في ألمانيا للحصول على مصروفنا”.
وتضيف: “كما بدأ يعنفني ويوبخني بألفاظ مسيئة لأتفه الأسباب، وأحياناً دون أي سبب يُذكر”.
“بكاء بصمت”
تقول إنها حاولت إبلاغ أهلها لمرات أنها تتعرض لعنف من قبل زوجها، وسط عدم تفاهمهما بسبب تقاعسه عن العمل، لكن والدها كان يُصر أن “المرأة يجب أن تصبر، ولا تخرج من بيت زوجها سوى إلى القبر”.
وكانت حالهما المعيشية مزرية، لكن الزوج رغم ذلك رفض النقاش في عودتها للدراسة وربما الحصول على عمل لاحقاً للمساهمة في تأمين مصاريف العيش، بحسب ما روته مريم.
وتستذكر أنها بعد مرور نحو عام على زواجهما، أعادت محاولة إقناعه، لكن الرفض تكرر وبشدة، “بحجة أن المرأة مهمتها تربية الأولاد ومكانها الطبيعي في المطبخ”.
وأردفت: أدى انتهاء النقاشات بصراخ وانفعال وضرب وتوبيخ”، إلى تجنبها لأي حديث أو حوار، “الأمر الذي زاد من عزلتي، وجعل حياتي أشبه بالجحيم”.
تتذكر الآن بالقول: “كنت أقف كل صباح أمام باب الخيمة لرؤية فتيات ذاهبات إلى مدارسهن وأبكي بصمت، وأحن في داخلي لتلك الطفلة التي تحمل حقيبة كتبها وتنطلق على أمل بناء مستقبلها”.
في النهاية وعقب خلاف جديد مع زوجها، قررت مريم أن تتمرد على الظلم والقسوة، وأخبرت أمها أنها ستترك منزل زوجها، لكنها هذه المرة لن تقصد منزل أهلها، بل سترحل بعيداً حتى لا يكون مصيرها الرجوع مرغمةً.
 الأمر دفع الوالدين للموافقة على طلاقها وعودتها إلى مدينة سراقب بعد عامين من زواجها.
عودة للحلم
لكن العودة مُطلقة إلى منزل أهلها كان أصعب مما تصورته، فقد اصطدمت مرة أخرى بنظرة المجتمع التي تُعيّب عليها حتى في خروجها من المنزل، فتقول حيال ذلك: “وكأن المطلقة يجب أن تُدفن وهي على قيد الحياة”.
ولم تختلف الظروف مع مغادرة العائلة منزلها في سراقب عام 2019 وسكنها في إدلب المدينة.
لكن ما خفف عنها هو تمكنها من إقناع أهلها بضرورة العودة لتعليمها الذي حُرمت منه، رغم أنهم اشترطوا عليها الدراسة في المنزل والخروج فقط لتقديم الامتحانات.
وبمساعدة دورات مجانية على الإنترنت، كثُرت مع بدء ظهور جائحة كورونا في العالم، تمكنت مريم من النجاح والحصول على شهادة الثانوية العامة عام 2020، لِتُسجل بعدها في اختصاص الصيدلة في جامعة إدلب. كما وجدت حلاً لصعوبة تأمين مصروف الجامعة والأقساط السنوية (200 دولار أميركي سنوياً) بسبب “ضيق حال” أهلها، من خلال عملها بدوام جزئي كممرضة في عيادة طبيبة لتأمين مصروفها.
تقول إنها تشعر كأنها حطمت قيوداً وأقفاصاً وحلقت نحو مستقبلها من جديد، على عكس غالبية من واجهن واقعاً مماثلاً واستسلمنَ له قسراً.