حريق سينما عامودا.. تاريخ يتكرر وآلام تتجدد

قامشلو/ دعاء يوسف – ديرسم، زيلان، حلبجة، حريق سينما عامودا، عفرين، كوباني، سري كانيه، كري سبي، قامشلو، وغيرها الكثير من المجازر، عقود مضت ولازالت الجرائم بحق الأطفال تتكرر، فمع عودة كل تاريخ لهذه المجازر، لا بد أن تفتح صناديق الذكريات، وتطلق العنان للذاكرة كي تستعيد ما تحتفظ به من تفاصيل في قراراته، لتبقى الإحصائيات شاهدة على تلك المجازر.

نال الأطفال النصيب الأكبر من المجازر المرتكبة بحق الكرد، والتي شهد عليها التاريخ، وفي تاريخ 13 تشرين الثاني من كل عام، تستذكر عامودا ذكرى مجزرة حريق سينما شهرزاد، فالعقود والسنون تمر على ذلك المساء المشؤوم، المحمل برائحة شواء البشر، وصرخات أبرياء، واستغاثة فلذات أكباد، لم يكن لهم ذنب سوى إنهم “كرد”.

ذكرى حريق سينما عامودا 

في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 1960م، فُجِعَت مدينة عامودا باحتراق سينما “شهرزاد”، حيث في مساء ذلك اليوم كانت عامودا على موعد مع الألم والوجع، حينها تحولت سينما شهرزاد إلى رماد من أجساد الأطفال الأبرياء. ففي ذاك اليوم المشؤوم تحولت عامودا إلى بيتٍ كبير للعزاء، عويل وصرخات الأمهات، وصل عنان السماء، ولكن لم تتجاوز تلك الصرخات جغرافية مدينة عامودا، واليوم بعد مرور ثلاث وستين عاماً على تلك الحادثة، لازالت عامودا مدينة السلام، مدينة صعد منها إلى السماء ما يقارب 283 ملاكاً من بين 500 طفل كردي، لم تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، كانوا يحضرون فيلماً دعماً لثورة من ثورات “الأمة العربية”.

والناجون من المأساة، كبرت أعمارهم، ولكنهم يتذكرون المشاهد، وكأنها حصلت بالأمس، فالصور التي خُزنت في باطن عقولهم لم تمحَ، بل بقيت تعيش على ندبات حروقهم، وتخللت أجسادهم لتنقش على عظامهم راسخة تأبى النسيان.

عقود مرت على الحادثة المؤسفة، التي أودت بأجيال من أبناء عامودا، وما يزال الجرح نازفاً، وما زالت الجريمة مقيدة ضد مجهولين في سجل التاريخ، وكأن بقاء القضية مهملة معلقة يكفل بترميم جراح الأرواح، في حين أن أحداً لم ينس شهيده وفقيده، فكما وصفها أحد الناجين: “لقد ذهبنا مرغمين لنشاهد عرضاً سينمائياً، فيما أصبحنا مشهداً مؤلماً لمن عجز عن مد يد العون لنا”.

فقد انتهى كلّ شيء في السينما، التي باتت أطلالاً من الجثث، والتراب المحترق يخفي تحته جيلاً كردياً، إلا أن المجازر المرتكبة بحق الأطفال الكرد لم تنتهِ.

فلم يكن حريق سنيما عامودا، أول مجزرة بحق الأطفال، فحرب الإبادة بحق الكرد، كانت ولازالت مستمرة، والتاريخ شاهد على ذلك، مثل مجزرة زيلان عام 1930، وقبلها الكثير، وكذلك مجزرة ديرسم عام 1937، وتعد مجازر الأنفال عام 1986، وحلبجة 1988 من أبشع عمليات التطهير العرقي في منطقة الشرق الأوسط، وراح ضحيتها الآلاف من الأطفال، ولم تكن هذه المجازر أقل بشاعة من مجازر هيروشيما وناغازاكي.

هل مجزرة سينما عامودا الأخيرة؟

كما لا يمكن نسيان مجزرة تفجير شارع الحي الغربي 2019 في مدينة قامشلو، التي راح ضحيتها العشرات من الأطفال، ولاتزال المجازر والانتهاكات بحق الأطفال مستمرة حتى الآن، فما تقوم به دولة الاحتلال التركي من انتهاكات صارخة بحقهم في سوريا مع بدايات الأزمة السورية من قتل من عفرين وصولاً إلى “سري كانيه وكري سبي وكوباني”، وغيرها من المدن، بالإضافة إلى الاستهدافات على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

فقد أدت مجزرة كوباني عام 2015 إلى استشهاد 400 مدني بينهم 40 طفلاً على الأقل، كما خلفت المئات من الأطفال الأيتام، وتضرر ثلاثة آلاف طفل وحرموا من حقوقهم في هجمات التاسع من تشرين الأول في سري كانيه، وسجل الهلال الأحمر الكردي 11 طفلاً فقدوا حياتهم في هجوم الدولة التركية على روج آفا بين 9 و14 تشرين الأول عام 2019.

كما وصل عدد الأطفال المصابين منذ بداية عام 2023 إلى 49 طفلاً، واستشهد قرابة 89 طفلاً، بحسب نورث بريس، واستشهد جراء الهجمات الأخيرة فقط على شمال وشرق سوريا، أكثر من 47 مواطناً، وأصيب أكثر من 59 آخرون، بينهم العديد من الأطفال والنساء.

واستمرار الهجمات بحق الكرد، وشعوب المنطقة يبرهن أن حرب الإبادة مازالت قائمة، وتبين أن مجزرة حريق عامود والمجازر، التي سبقتها لم تكن سوى شرارات لحرق الشعب الكردي، الذي قاوم هذه الجرائم، وحرب الإبادة القائمة بحقه، وبقيت هذه المجازر المرتكبة والتي ترتكب بحقه جراحاً تبقيه صامداً.