سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حربٌ متعددة الميادين والوسائل على مصادر الغذاء والدخل

بدرخان نوري_

في توقيت مفصليّ ومع اقتراب موسم حصاد القمح الشعير يبدأ مسلسل الحرائق المفتعلة التي يتسبب بها جيش الاحتلال التركيّ على طول المناطق القريبة من خطوط التماس لتحرم الأهالي من مواسمهم، كما تستمر في عفرين المحتلة مختلف أنواع الانتهاكات بحق أشجار الزيتون والأشجار المثمرة والغابات الحراجيّة عبر عمليات التحطيب الجائرة، فيما تسرق المواسم وتفرض الإتاوات على كلّ المحاصيل الزراعيّة.
موسم الحرائق يسبق الحصاد
مع اقتراب موسم الحصاد تتعمد مرتزقة جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته إحراق الأراضي الزراعيّة في قرى نواحي شيراوا وشرا بريف عفرين وقرى منطقة الشهباء وقرى بريف زركان بشمال وشرق سوريا، بهدف القضاء على المحاصيل الزراعيّة للأهالي.
أضرم جيش الاحتلال التركيّ فجر يوم السبت 11/5/2024، النار بالمحاصيل الزراعيّة في القرى الواقعة غرب مقاطعة منبج، بدءاً من قرية الأولشلي وصولاً إلى قرية البوغاز، ما خلّف أضراراً كبيرة في المحاصيل الزراعيّة.
على مدى يومي الخميس والجمعة أضرمت مرتزقة الاحتلال التركيّ المتمركزة في موقع يُعرف بنقطة “العبدوش” غرب مدينة زركان بمقاطعة الجزيرة. واتجهت النيران بفعل الرياح نحو مركز بلدة زركان،
في ريف كري سبي/ تل أبيض المحتلة يوم الجمعة عند الساعة الحادية عشرة صباحاً النيران في الأراضي القريبة من خطوط التماس، واستهدف القصف قرية كوبرلك (تل كبير) وقرية الحرية (من القرى المستحدثة) وأشعلت النيران بالمحاصيل الزراعيّة وبعدها اتجهت النار بفعل الرياح إلى القرى المتاخمة قرية العبدكوي والجارخ عبدي وكري سور وكندال وفيونتا وبير كيتك وسونة وبير كنو بريف تل أبيض المحتلة.
تعرضت عدة قرى بريف عين عيسى بعد ظهر الجمعة، لقصفٍ من جيش الاحتلال التركي ومرتزقته ما تسبب باندلاع حرائق في أراضٍ زراعيّة واسعة في عدد قرى. والتهمت النار المحاصيل الزراعيّة. ولم يكن بالإمكان الحرائق في حينها بسبب استمرار القصف لأكثر من ساعة، ما ساهم باتساع رقعتها.
ويوم الخميس 9/5/20241، أضرمت مرتزقة ما يسمّى “الجيش الوطنيّ” التابع للاحتلال التركي والمتمركزون في قرية باصله/ باصلحايا، في ريف عفرين، النيران في الأراضي القريبة من قريتي أقيبة/ عقيبة وبينه/ إبين في ناحية شيراوا. وامتدت رقعة النيران وتوسعت بفعل الرياح، لتطال محاصيل الأهالي الذين تأهبوا في القريتين مع لجان الطوارئ لإخماد النيران في حال اقتربت من أراضيهم لحماية محاصيلهم الزراعيّة.
وعادة؛ فإنّ القرى الواقعة على خطوط التماس تتعرض إلى قصف شبه يومي من قبل جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته ولذلك فإنّ مساحات واسعة من الأراضي الزراعيّة تخرج من الاستثمار أو تتعرض للحريق مع اقتراب موسم الحصاد.
يستهدف الاحتلال التركي ومرتزقته، المزارعين ويقصف (المحركات الزراعيّة)، ويحرق المحاصيل بشكل يوميّ، كما أنّ وقوع الأراضي الزراعيّة على خطوط التماس يتسبب بزيادة أجور الآليات اللازمة للزراعة (جرارات – حصادات)، بالإضافة لأجور العاملين فيها كونها مناطق خطرة وتعرض حياتهم للخطر، ما يضطر المزارعون لتقليص مساحة الأراضي الزراعيّة لتقليل الخسائر الناجمة عن القصف التركيّ المتوقع والاقتصار على زراعات محدودة تحقق الاكتفاء الذاتيّ.
واستشهد المواطن حسن محمد حسين الشيخ (27 سنة) وهو أب لطفلين، من قرية المخلط متأثراً بإصابته بطلقة قناص من جيش الاحتلال التركي في 20 نيسان، المنصرم مع بدء النشاط الزراعي أثناء سقايته لأرضه الواقعة على خطوط التماس بالقرب من قرية أم البراميل بمحاذاة الطريق الدوليّ إم ــ 4.
ويأتي حرقُ المحاصيل الزراعيّة من قبل جيش الاحتلال ومرتزقة ما يسمى “الجيش الوطني” السوري ” في شمال وشرق سوريا في إطار الحرب الاقتصاديّة لحرمان الأهالي من مصادر الغذاء وتجويعهم وكذلك لضرب الدخل وإفقارهم وزيادة صعوبات المعيشة في ظل ظروف الغلاء الاستثنائيّ.
مواسم زيتون خاسرة
يعاني العدد القليل المتبقي من المزارعين الكرد في مدينة عفرين هذه الايام محنة متجددة مع اقتراب موسم جني الزيتون جراء استهداف اشجار الزيتون من عناصر وقادة مرتزقة الجيش الوطني ومن المستوطنين اقتلاعا وتدميرا وسرقة للمحصول وفرضا للإتاوات إضافة للاستيلاء على غالب البساتين ومنع أصحابها من الوصول لأشجارهم.
وكان موسم قطف الزيتون مناسبة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة لها أهميتها بالنسبة لأهالي عفرين وكانت تترافق بطقوس اجتماعية احتفاليّة خاصة، وتشهد المنطقة خلال الموسم نشاطاً بل استنفاراً شاملاً ويعود إليها أهلها الذين يسكنون في مدينة حلب.
الزيتون في عفرين شريك أصحابه في محنتهم، ويصدق في الزيتون أنّه “شاهد وشهيد”، ومنذ احتلال الدولة التركيّة للمنطقة أُعلنت حرب شعواء على حقول الزيتون ومواسمه، مستهدفة مصدر الدخل الأساسيّ للأهالي، شملت استخدام وسائل مختلفة وعلى مدار فصول السنة، بما في ذلك القطع والاقتلاع من الجذور.
عناصر المجموعات المرتزقة وحواضنهم المجتمعية من المستوطنين لا يكفون عن الاعتداء على الأهالي وسرقة أدواتهم والاعتداء عليهم بحماية مباشرة من جيش الاحتلال التركيّ، كما يضايقون الأهالي عبر محاصرة الأراضي بشكل استفزازيّ وتوجيه الشتائم لهم. بالإضافة إلى إصدار الفرمانات والقرارات التعسفيّة من المجالس المحليّة التي أوجدها الاحتلال وما تسمى “الحكومة السورية المؤقتة”، والتي تفرض ما نسبته 10 ــ 15 % كإتاوات على المحاصيل إضافة لنسبة تصل الى 15-50% يفرضها عناصر المجموعات المرتزقة المنتشرة في المنطقة على المزارعين، ونسبة أخرى تفرضها الحواجز العسكريّة وتصل إلى 15 % بحيث تتجاوز مجموعة (الرسوم) 60% فلا تبقى مكاسب تذكر لأصحاب حقول الزيتون شيئاً، بالنظر إلى التكلفة الباهظة للإنتاج والتي تشمل: حراثة الأرض وخدمة الأشجار، ومصاريف الموسم من أجور عمال وصفائح الزيت وأجرة المعصرة، وتكاليف النقل في مختلف المراحل. عدا متغيرات الأسعار التي تتأثر بشدة بمنع تصدير الإنتاج خارج المنطقة المحتلة وفرض بيع الزيت إلى مراكز محددة، ليتم شحنها إلى تركيا.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار ميل شجرة الزيتون القوي نحو ظاهرة المعاومة (تبادل الحمل)، أي إنتاجها متناوب وغير متساوٍ كماً من عام لآخر، فيكون المحصول غزيراً في عام وخفيفاً أو معدوماً في العام التالي، والسبب الرئيسي لحدوث هذه الظاهرة يرجع إلى أن شجرة الزيتون في سنة الحمل الغزير توجّه كل طاقاتها نحو تكوين الثمار وبالتالي لا تتكون أفرع خضرية جديدة لتعطي ثمار الزيتون لمحصول العام التالي، ما يؤثر بشدة على محصول الثمار ومكاسب الفلاح من سنة إلى أخرى، وقد لا يمكن التنبؤ بهذه الظاهرة، فإنّ الإنتاج يفترض أن يغطي تكاليف المعيشة على مدى عامين، وبذلك فإن أهالي عفرين يخسرون مبالغ كبيرة
من مشاهد اللصوصيّة في موسم الزيتون أنّ مرتزقة “سليمان شاه” يضعون براميل أمام معاصر الزيتون، لسلب كميات من الزيت بالقوة باسم الزكاة، والتي يفترض أن يدفعها المواطن بكامل اختياره لمستحقيها.
وتأتي عمليات الاختطاف والإخفاء القسريّ والمساومة على أرواح الأهالي مقابل مبالغ مالية كبيرة، لسلب الأهالي البقية الباقية مما كسبوه من مواسم.
سرقات وتحطيب جائر
تقدّر قيمة الزيت المنهوب من تركيا في عفرين بنحو 80 ـ 150 مليون يورو، وربع ذلك المبلغ هو من حصة المرتزقة في عفرين، الذين يتحكمون بالموسم وينقلون كميات كبيرة منه إلى تركيا. وقد اعترف وزير الزراعة التركيّ في تشرين الثاني 2018 أي أول سنة لاحتلال المنطقة، باستيلاء تركيا على محصول الزيتون في عفرين وبيعه. وجاء اعتراف الوزير ردّاً على اتهام رئيس حزب الشعوب الديمقراطيّ في جلسة برلمانيّة بنهب محصول زيت الزيتون في عفرين. وقال الوزير التركيّ خلال جلسات للبرلمان التركيّ حول موازنة عام 2019 “إنّنا في الحكومة نريد أن نضع أيدينا على موارد عفرين بطريقة أو أخرى، كيلا تقع هذه الموارد في يد حزب العمال الكردستانيّ”.
لا يقتصر الأمر على الاستيلاء على قسم كبير من موسم الزيتون، بل يقوم المرتزقة وعوائلهم من المستوطنين بقطع آلاف أشجار الزيتون والاتجار بالحطب بهدف الكسب المادي ويتم نقل الحطب إلى تركيا، كما يباع في إدلب وريف حلب. وبلغ اجمالي عدد الأشجار التي تم قطعها (مليون و550 ألف) منها (600 ألف) من أشجار الغابات وقرابة المليون هي أشجار مثمرة (الزيتون، اللوز، الرمان، الفستق….) ومن الأماكن الأكثر تضرراً وتمت فيها عمليات قطع الأشجار جبل خاستيا في ناحية شيه حتى ناحية جندريسه باتجاه جبال قازقلي وجبل جوبانا وجبل هاوار في ناحية بلبل وراجو والتلال المحيطة ببحيرة سد ميدانكي والغابات الحراجية في قرية قورت قولاق، وقطمة. كما يتم قطع الأشجار من أجل تأمين مساحات من الأراضي لإنشاء مشاريع البؤر الاستيطانيّة.
إضافة لذلك استولت مرتزقة الاحتلال التركيّ على معامل ومصانع ومعاصر الزيتون والزيت والصابون والبيرين في عفرين، فمن أصل 500 معصرة ومعمل يعمل الآن 191 و80 معصرة منها تعرض للنهب والسرقة، فيما يدير مرتزقة الاحتلال 53 معصرة.
بالمجمل؛ فإنّ سياسة الاحتلال التركيّ لم تقتصر على تغيير الهوية الديمغرافيّة والثقافيّة والتاريخيّة لعفرين بل طالت الهوية البيئيّة والطبيعيّة لها، وأضحت الكثير من التلال وسفوح الجبال إلى مساحات جرداء خالية من الغطاء الأخضر. وتسبب ذلك بتهديد أنواع من أشجار السنديان بالاختفاء. لإنشاء مفاحم “مراكز إنتاج الفحم”.
أشكال أخرى لسرقة المواسم
في الواقع عمليات سرقة المواسم شاملة لا تقتصر على الزيتون، والمواسم الزراعيّة تشمل عدة أشهر من السنة باختلاف المحصول، والفترة الحالية هي موسم قطاف أوراق العنب، وتتعرض كروم العنب لسرقات شبه يوميّة، وفي وضح النهار، وتباع في أسواق عفرين. وفرض مرتزقة “فيلق الشام” مراقبين على المواطنين الكرد من أصحاب الوكالات لإدارة شؤون أملاك أقربائهم وعوائلهم المهجّرين قسراً، من أجل تحصيل إتاوات على بيع ورق العنب في القطاعات الخاضعة لسيطرتهم بنواحي راجو وبلبله وجندريسه. ويرافق المراقبون الأهالي إلى سوق الهال بمدينة عفرين للإشراف على عمليات البيع. وبلغ مقدار الإتاوة الماليّة 50% من صافي البيع. فيما لا يغطي ما تبقى من إيرادات البيع مصاريف الحراثة وأجرة العمال وتكاليف النقل ومصاريف أخرى.
ومن وقت لآخر يقوم مرتزقة الاحتلال بعمليات جرد لأملاك أهالي عفرين بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي الزراعيّة أو فرض إتاوات باي ذريعة، المفارقة كبرى أنّ المرتزقة يفرضون ضريبة باسم حماية المواسم وهم أنفسهم من يسرقها.
اعتداءات جسدية
كما لا تسلم البساتين والحقول من الرعي الجائر الذي يتسبب بإتلاف المحاصيل والمزروعات، ومعلوم أنّ رعاة الأغنام مسلحون، وإذا ما اعترض صاحب الأرض على الرعي يبادرون بالاعتداء عليه وقد أسفرت الكثير من حوادث الاعتداء عن وفاة إما نتيجة للضرب أو بأزمات قلبيّة، عدا الإصابة الجسديّة المباشرة.
وذكر تقرير مركز توثيق الانتهاكات بعنوان “الزيتون العفرينيّ على خط النار” وقوع أكثر من 1400 حادثة اعتداء على مزارعي الزيتون، منها 19 حادثة اعتداء من مرتزقة “الجيش الوطني” خلال الأسابيع الأولى من موسم قطف الزيتون، وسجّل مراقبو مركز التوثيق 19 حادثة هاجم فيها المرتزقة وأشخاص مرتبطين بهم من المستوطنين، مزارعي الزيتون، أو ألحقوا الأضرار بأشجارهم ومحاصيلهم، خلال الأسابيع الأولى وحدها من بداية موسم قطف الزيتون (تشرين الأول/ أكتوبر). وأصيب ثلاثة مواطنين على الأقل في تلك الهجمات، وسُرقت كميات كبيرة من المحصول وأتلف عدد من الأشجار.
مسلسل الحرائق المفتعلة المستمر وقطع أشجار الغابات والزيتون من جيش الاحتلال التركيّ على مدى سنوات وفرض الإتاوات على مختلف المحاصيل عدا سرقتها يستهدف مصادر دخل الأهالي وغذائهم وهي تجسيد لشكلٍ آخر من الإرهاب.