سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

جوان زكي سلو… كتاباتي واقعيّة تَحمّل قصص بلدي

تقرير/ هايستان أحمد –

روناهي/ قامشلو: شدَّه قلمه ونادته أوراقه إلى الكتابة والتعبير عما يجول في خاطره وما يعاني منه أهالي منطقته فهمَّ بالكتابة، شعرَ بالحياة تنبض في قصصه ورواياته، فكوّن عالمه الجميل الخاص والذي أراد به أن يصل صدى آلام شعبه إلى العالم كله.
للكتابة دورٌ مهم وفعال في المجتمع لأنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها حفظ مفردات حياة الشعوب وتاريخهم وعاداتهم ونقلها إلى الأجيال القادمة، وكلَّما ازدادت الكتابة وتأليف الكتب كلَّما تقدمت الشعوب وارتقت ودلَّت على ثقافتها وحضارتها المتجذرة، وإلى جانب هذا فالكتابة فنٌّ يعشقه الكثير ويتطرق إليه من أجل إخراج ما يبدعه وما يختلج في داخله إلى المجتمع على شكل رسائل جميلة وبطابعٍ ثقافيٍ مزدهر، وهي التي تحمي الموروث الثقافي والمعلومات المهمة والاكتشافات من الاندثار والنسيان، فكم من قصة أو أسطورة كانت تتداول منذ آلاف السنين وما زالت حيّة الآن في وقتنا هذا لأنها دوّنت وبقيت محفوظة محمية في الكتب.
 ومن هنا بدأ الكاتب الكردي يخطو أولى خطواته في طريق الأدب وفن القصة القصيرة، فوجد نفسه يميل إلى هذا الأدب ليكوّن مخزونه وترجمته لما يبدعه ليصل للعالم قاطبة، فالأدب عنده حاجة، مثلها مثل الحاجات الأساسية في الحياة، لذلك حاجته للأدب دفعته لممارسة الكتابة ليعبّر عما يجول في خاطره من أفكارٍ ومشاعر.
 “جوان زكي سلو” من أبناء قامشلو في الثامنة والثلاثين من عمره عاش فيها واستسقت روحه فنّاً وأدباً ليغدو كاتباً مبدعاً شغوفاً في هذا المجال الأدبي، فهو أبحر لمسافاتٍ طويلة إلى أن وصل إلى مرفئ أمانه واستقر عند هذا النمط الأدبي الجميل ألا وهو القصص القصيرة.
قضيتي هي من اختارتني لأكتبها
 وعن ذلك الهاجس
 الذي شدّه إلى الكتابة عبر الكاتب جوان زكي سلو قائلاً: “وجدت قلمي يحب الاستمرار بالعمل، ولكي أتواصل مع الآخرين، ليس باللغة فقط، بل بالكلمات المكتوبة، لأنني أجد أن الروايات والقصص هي رسل الكُتّاب للعالم، وهي التأريخ الحقيقي للشعوب، والتي من خلالها تمّ تسجيل وتدوين حياة البشر عامة، والأكثر أهمية من هذا وذاك هي القضايا الكثيرة التي تحفل بها روج آفا كردستان، من نزوح ولجوء وحروب ومعارك وتفجيرات و شهداء وجرحى وأطفال مشردين وفقر وغيرها الكثير من الحالات التي تحتاج إلى من يدوّنها، لتبقى ذاكرة الشعوب متّقدة للأجيال القادمة”.
جوان سلو؛ يكتب بواقعية اقتبسها مما يجري حوله في قامشلو والمنطقة كلها وهذا النوع من الأدب ما يسمى بالأدب الواقعي هو ما استحوذ على تفكيره ونمط كتاباته، لذلك كانت أولى تجاربه الكتابية والأدبية في القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، كمجموعته القصصية سحابة عطر، وهي مجموعة مؤلفة من ستة وستين قصة قصيرة جداً. ومجموعته الأخرى بعنوان صباح بلون الذكريات. وتضم خمسة عشر قصة قصيرة اجتماعية، ناقش فيها مواضيع الهجرة واللجوء والنزوح من عفرين وحريق سينما عامودا وغيرها من المواضيع، إضافة إلى مجموعة قصصية أخرى بعنوان حفنة من تراب شنكال، وسرد فيها قصص مقاتلين ومقاتلات من وحدات حماية الشعب الذين قاتلوا التنظيمات المتطرفة. وكانت أولى تجاربه الروائية هي رواية “تكوشين” والتي كتبها عن حياة مقاتلة كردية من قامشلو، شاركت في الحرب ضد داعش حتى أصيبت في إحدى المعارك.
مشاركات مختلفة ونجاحٌ بارز
وعن سبب اختياره القصص القصيرة يقول الكاتب: “أنا لم أختر جنساً أدبياً محدداً، بل الظروف والأحداث التي نعيشها ونتعايش معها هي من فرضت نفسها عليَّ كي أكتبها. ولكنني أحببت القصة القصيرة وأحاول جاهداً أن أبرع فيها لأن القصة تأتي قوتها من كثافتها اللغوية وهي بحاجة إلى تركيز لأنها تناقش موضوعاً محدداً في زمان ومكان واحد، لذلك أجد أن القصة هي من تتحكم بالقارئ، بينما في الرواية فإن القارئ هو من يقود زمام الرواية لينهيها حسب مفهومه أو تعلقه بالرواية”.
وقد تم طبعُ رواية له في مصر، وذلك بسبب إصرار الكاتب على إسماع صوت قضيته للعالم كله ولم يكتفِ بالكتب بل واكب الزمن وتعايش مع العولمة التي غزت العالم ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي وجد إعلاناً عن مسابقة للرواية قامت بها إحدى دور النشر في مصر، وكانت الجائزة الأولى هي طباعة الرواية على حساب الدار والمشاركة بها في معرض القاهرة الدولي ٢٠٢٠م. فشارك بالمسابقة التي أقامتها دار سكرايب للنشر والتوزيع برواية “تكوشين”، وبعدها بأيام صدرت النتائج وقد فاز بجائزة الطباعة لدى الدار، وعن هذا الحدث قال سلو: “حينها قطفت ثمار كتاباتي بأنني نجحت بإرسال صوتي وصوت هذه المقاتلة الكردية للعالم. أما مجموعتي القصصية صباح بلون الذكريات فقد شاركت بها أيضاً في مسابقة أقامها دار المثقفون العرب للنشر والتوزيع في مصر وأيضاً فزت بهذه المسابقة وقد كانت الجائزة طباعة المجموعة على نفقة الدار والمشاركة بها في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020م، وهاتين الجائزتين منحتاني دافعاً للكتابة وحافزاً أكبر للتواصل مع الآخرين”.
محنة الأدب في روج آفا
وعن حال الأدب في روج آفا والصعوبات التي تمر على الكاتب وأهم الحلول التي يجب أن تطبق كي تنتهي هذه المعاناة التي يعاني منها الكتّاب في المنطقة، يرى الكاتب سلو: “الأدب في روج آفا يفتقر إلى النتاج الأدبي الذي يتحدث عن معاناة شعبنا، ونقص الدعم المادي والمعنوي والذي يحتاج إليه الكاتب كي يقدم مادة أدبية راقية، فالغربة التي يعيشها الكاتب في روج آفا، غربة مركبة ثلاثية الأبعاد، تحتاج إلى دراسة ورعاية، حتى لا ينفرد الكاتب بآلامه ومصاعبه لوحده، بل يجد من يحتويه ويهتم به”.
وعن احتياجات الكتاب أشار إلى إن الوضع يحتاج إلى دور نشر تنشر للكاتب نتاجاته الأدبية ونقّاد يمارسون عملهم بمهنية وموضوعية، ينقدون المادة الأدبية ويقيّمون مستواها ولغتها وأسلوبها، بما يسمح للكاتب أن يثابر بشكل أكثر كي يقدم مادة أدبية احترافية تلقى القبول العام من القراء والنقاد. والحل حسب رأيه هو أن تكون هناك أكاديمية أدبية تختص بفن الكتابة كي تقدم للمجتمع نماذج أدبية تنافس المستوى العالمي والعربي، لأن هذه الأكاديميات ستنتج كاتباً محترفاً وقارئاً نهماً وناقدا فذّاً ومادة جميلة تندرج تحت اسم الأدب الواقعي الحرّ.
في نهاية حديثه أشار الكاتب جوان سلو إلى أن ملخص الهموم التي يعاني منها المجتمع الكردي هو العزوف عن القراءة، وقام بتوجيه كلمة أكد فيها أن القراءة مهمة جداً بها تتقدم الحضارات لما لها دور في التقدم واللحاق بركب الحضارة، لأن المجتمع القارئ هو المجتمع المثقف المتطور.
الأدب في روج آفا لاقى إقبالاً كثيراً، وكما سمعت مرة أن كتابة حرفٍ واحدٍ يعبر عن الكرد بمثابة كتب وأبحاث ومقالات مطولة، فالكرد عانوا ومنذ القِدم من الممارسات التعسفية بحق حرية التفكير والتعبير، ونتمنى أن يتقدم كتابنا أكثر فأكثر وأن نكون شعباً قارئاً محباً للعلم والكتاب فهما سلاحان لا يستطيع أي أحد التغلب عليهما.