سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

جنين وعفرين…العدوان واحد والفاعل مُختلف

د. علي أبو الخير_

العدوان الصهيوني على جنين
أخيراً يوم الأربعاء الخامس من تموز 2023، أعلن الجيش الصهيوني وقف عملياته العسكرية في مدينة (جنين) الفلسطينية في الضفة الغربيّة المحتلة، وقد أسفر العدوان الصهيوني الذي استمر عدة أيام عن اثني عشر شهيداً فلسطينياً، بخلاف المصابين ومن هُدِمت بيوتهم وتشردوا، وتقول الأمم المتحدة إن العملية، التي أطلقت عليها إسرائيل اسمي “السور الواقي”، أو “المنزل والحديقة”، أسفرت عن تدمير 150 بناية، في حين أصبح العديد من المباني الأخرى غير صالح للعيش فيه، وهو ما أدى إلى أن أصبحت حوالي 435 عائلة بلا مأوى.
وقد حدث هذا وسط لا مبالاة عربية رغم الإدانات من هنا أو هناك، ومن الطبيعي أن يستنكر الأزهر الشريف والكنيسة المصرية الأرثوذكسية، خاصةً وأنها ليست المرة الأولى التي يعتدي فيه الجيش الإسرائيلي على (جنين) بصورةٍ أكثر من غيرها، فضلاً عن الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة وفي الضفة الغربية، بما هو معروف للجميع، من عدو صهيوني مدعوم بقوى الاستعمار العالم.
صحيح أن فلسطين لها خصوصيتها الدينية، ففي أرضها أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهو أمر مفروغ منه، ولكن الإسلام يرفض الظلم من أي كائن، وينتصر القرآن والسنة المشرّفة للمظلوم، فما بالنا لو كان هذا المظلوم شعب مسلم، وهو ما نكتب عنه.
العدوان التركي على عفرين
ليست المرة الأولى، التي كتبنا وكتب فيها غيرنا ممن يريدون العدل لكل البشر، وهو موضوع عفرين، وما حدث ومازال يحدث فيها، فإذا كنا نستنكر وندين ونعلن أن العدوان الصهيوني هو عدوان ضد الإنسانية، فجيش يحارب مدنيين، ومظلومية الشعب الفلسطيني لا تجد من يدعمها دعماً يدحر العدوان الإسرائيلي المتكرر.
كل ذلك معلوم، ولكن وفي المقابل نجد مظلومية أخرى موجودة ومعروفة، ولكن لا الإعلام العربي ولا الإعلام العالمي يعطيها ولو جزء قليل من الاهتمام، وهي مظلومية الشعب الكردي، ونختصر مأساته في مدينة (عفرين) كنموذج لكل ما يحدث للشعب الكردي في العصر الحديث.
ولا نرى فرقاً بين عدوان صهيوني وعدوان تركي، ونقولها بصراحةٍ إن العدوان التركي أشنع من العدوان الصهيوني، فالشعب التركي شعب مُسلم، ومن المفترض أنه يخاف على شقيقه المسلم، والمفترض أيضاً أن يكون العدوان غير مفرط القوة.
ولكنا كما قلنا وقال غيرنا، إن ما حدث في عفرين مثل ما حدث ويحدث في جنين، وإذا استشهد عشرات الفلسطينيين في جنين، فقد استشهد في عفرين وحدها المئات، إن لم يكن الآلاف، وإذا كان العدو الصهيوني بنى جداراً خرسانياً عنصرياً في فلسطين، فقد بنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جداراً عنصرياً مثله، لا فرق …

 

الفرق هو التعتيم على مظلومية الكرد، فلا أحد يُنصفهم، فلا الاتحاد الإسلامي العالمي أدان، ولا المؤسسات الدينية العلميّة استنكرت، بل قال الراحل الدكتور يوسف القرضاوي، وهو أحد أقطاب علماء الأمة الفاشيين عن الرئيس التركي إنه “خليفة المسلمين”، يجب نصرته والدعاء له، ثم اتهم هو وغيره كل من يعارض أردوغان بأنه مشكوك في “إسلاميته”.
ثمّ طبقوا الفتاوى لكي تشمل الشعب الكردي، لأنه طالب بحقوق مشروعة، يكفي أنه في يوم الثامن عشر من آذار من العام 2018، استشهد مئات من العسكريين والمدنيين الكُرد في عفرين وغيرها، خلال تصديهم لهجمة عسكرية تركية، كما بنت تركيا عشرات المستوطنات مثلما تفعل إسرائيل، وهو ما يعني سعي تركيا لبقاء سكان تلك المستوطنات في عفرين في المستقبل، كما استولت المرتزقة التابعة لتركيا، على أملاك المهجرين من بيوت وأراضي زراعية وغيرها، ووزعتها على مرتزقتها وذويهم، وهو ما صبّ في خدمة مخططات أنقرة لتغير ديموغرافية المنطقة.
وحينها أفادت منظمة العفو الدولية في التاسع والعشرين من آذار عام 2022، بأن المرتزقة التابعة لتركيا تواصل تعريض المدنيين في عفرين وسري كانيه، لمختلف صنوف التعذيب والاعتقال والمعاملة السيئة، وقالت: “استمر الجيش التركي في تعريض مدنيين في مدينتي عفرين وسري كانيه شمالي البلاد للاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاختطاف”، كما أفاد التقارير بأنها استهدفت السكان الكرد بمن فيهم الإيزيديين وغيرهم من المدنيين، وشملت انتهاكاتها عمليات القتل خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري للمدنيين، وعمليات الإجلاء القسري من المنازل، ونهب الممتلكات الخاصة والاستيلاء عليها، ونقل المدنيين المحتجزين عبر الحدود إلى تركيا، وتجنيد الأطفال، ونهب وتدنيس الأضرحة الدينية.
ومازالت عفرين تتعرّض للظلم وللانتهاكات، حيث تتعمّد دولة الاحتلال التركي والحكومة التركية ومنذ اجتياحها الحدود السوريّة واحتلال مدينة عفرين، بنشر الفوضى واللصوصية في المدينة والقرى والنواحي التابعة لها، وتتعمد السياسات التركيّة بجلب المرتزقة لتلك المنطقة، وإعطائهم الحرية الكاملة بممارسة الاعتقالات والقتل والسرقات بجانب التغيير الديمغرافي الذي لم يتوقف منذ اليوم الأول”، ومازالت تقع تحت الاحتلال التركي..
كل ذلك دون أن تحظى مشكلة عفرين، بما تحظى به أي منطقة في العالم، خاصةً في فلسطين المحتلة… وتظل مظلومية الشعب الكردي باقية، مثلها مثل مظلومية شعب فلسطين، وللجميع رب يحميهم…