جمال زاب: وَجَعُ كوباني دفعني إلى النّهلِ من يَمّ الشّعرِ

حاوره/ غاندي اسكندر_

---

جمال زاب شاعر الوجع دون منازع، وكيف لا وهو ابن المدينة، التي أضحت أيقونة المقاومة في وجه غربان الظلام، بقصائده الجميلة، وبلغته البسيطة المستمدة من المحبرة الحمراء، يحاول أن يرسم مشاهد من (كانيا كردا وتلة مشتى نور)، فرسائل الموت والحياة الموشومة على جبين كوباني، هي زاده فيما يكتب من شعر.

 حول تجربته الشعرية، التي رأت النور منذ فترة قريبة، وفي حوار أجريناه مع الشاعر جمال الزاب محاولة لإلقاء الضوء على تجربته الشعرية المتواضعة، ومحاولة للتعريف به، وبتجربته الشهرية، رغم عمر التجربة القصير والثري في آن معاً.

 ـ من هو جمالُ زاب؟ وكيفَ كانتْ بدايتُهُ في عالمِ الشِّعرِ؟

جمال زاب من مواليد 1972من مدينة كوباني، ولدت وترعرعت فيها، ولا أزال متشبثا بكل تفاصيلها، أعمل في سلك الصحة منذ خمسٍ وعشرين سنة، أهوى وأعشق الشعر من الصغر، لكن لم أتوج حبي للشعر بالكتابة إلا عندما تعرضت محبوبتي (كوباني) للغزو من قبل وحوش العصر، فملاحم البطولة والفداء، ومشاهد النزوح، والخراب، والدمار، ومن ثم نشوة النصر، ذلك كله دفعني دفعا إلى الغوص في يمّ الشعر، والتعبير عن مشاعري، وأحاسيسي من خلال اليراع.

ـ هلْ تؤمنُ أنَّ الظّروفَ قد تصنعُ شاعراً؟

 بكل تأكيد، دائماً وأبدا الظروف والوقائع، والأزمات تصنع، وتظهر المواهب والقدرات لدى الإنسان، فما تعرضنا له، وما رأيناه في كوباني من تراجيديا الحصار والغزو، والتدمير للبنى التحتية، وسيل الدماء التي أريقت على دروب النصر، وجثامين الشهداء، مسجاة بالأكفان والاعلام، فالأكفان أنطقت الحجر قبل البشر.

 ـ مَنْ الذي يُسمّي ويلقّبُ المرءَ لقبَ “شاعر”؟ ومتى يستحقه؟

 أنا لا أطلق على نفسي صفة الشاعر، كما وأنني لا أعدّ ما أكتبه شعرا، القراء والجمهور والناس، هم من يصفون ويطلقون الصفات؛ لذلك لا أستطيع وصف نفسي بالشاعر أو بالرياضي أو بالفنان أو بالكاتب …، لكنني أستطيع أن أطلق على الآخرين أي صفة أراها فيهم.

ـ ما المواضيعُ والقضايا التي تتناولها، عندما تغوصُ في عالمِ الكتابةِ؟ وهل لكوباني حيزٌ فيما تكتب؟

 دائماً أكتب ما يدور في مخيلتي، وما أحس به في خلجات نفسي، وحقيقةً (كوباني) ومقاومتها وأبطالها، وانتصاراتها، وأحزانها، وأفراحها، وأهلها، وشوارعها، هي من دفعني، وتدفعني إلى الكتابة دوما، فهذه الأمور جميعها، تأخذ الحيز الأوسع من تفكيري، ومشاعري، فلا موضوع ولا قضية سوى كوباني، لذلك أكتب أولا وأخيرا عن كوباني، وكل ما فيها.

ـ هل الكلمةُ تعالجُ الوجعَ، أم الوجعُ يصنعُ الكلمةَ، ويرسمُ مساراتِها؟

عن نفسي وتجربتي، أعدّ الأوجاع، والمعاناة، هما مصدرا كلماتي، وكتاباتي، وفي كل جملة أو كلمة أكتبها، تكون نابعة من وجع أو معاناة.

ـ لماذا يتوجّهُ الشّعراءُ الكردُ إلى الكتابةِ بالّلغةِ العربيّةِ، والفارسيّةِ، والتركيّةِ، ويهملون لغتَهم الأمَّ؟

هنا لا أستطيع التحدث باسم الشعراء الكرد، ولكني أستطيع أن أجزم، أن سبب توجه الشعراء الكرد إلى الكتابة بغير اللغة الكردية، هو بسبب تعامل الأنظمة الشوفينية، التي تحكم بلاد الكرد، ومنع تلك الأنظمة اللغة، والثقافة، والفن الكردي من الظهور، ومحاربة كل من يتحدث، أو يكتب بلغته الأم، وهم في سعي دؤوب إلى زرع لغتهم، وثقافتهم في عقولنا.

ـ هل صدرَتْ لك مجموعةٌ شعريّةٌ؟

إلى الآن ليس لدي أية أعمال أدبية مطبوعة، ولكن مستقبلاً سوف أحاول أن أجمع ما كتبته في كتاب، أو مجموعة، وتحمل اسم “كوباني القلب والروح”.

ـ حبذا لو نختمُ الحوارَ بقصيدةٍ لها وقعٌ خاصٌّ على قلبِك.

إن الواقعة التي هزت كياني وكيان كوباني كلها، هي عندما هاجمت الغربان السود في ليلة ظلماء كوباني، حيث عاث المسوخ فيها فسادا، ودما، وقد تركت هذه الحادثة بصمة ألم في قلبي، ووجداني، وسمّيتها “ليلة الغدر”.

 ليلة الغدر

“كوباني مذبحة الصمت

في ليلة المحرقة

صمت ينفجر بوجه الشمس

أزيز الرصاص

يمزق الأشلاء والأحشاء

عند انبلاج الفجر

غدر يحيط بالمدينة المطمئنة

غدر الغرابيب السود

ليلة ليست كأي ليلة

قلوب سوداء

وحوش تقتل براءة صغارنا

دمٌ وبارود وأوجاع

كوباني

ليلة الغدر”.