سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

جرائم القتل.. أسبابها وآثارها والحلول الوقائية

الحسكة/ آية محمد ـ

أكد مستشار الأديان في إقليم شمال وشرق سوريا الشيخ “محمد عبيد الله القادري”، بأن ظاهرة الجرائم الجنائية تعد من المشاكل الاجتماعية للعالم أجمع، لكنها ترتكب في سوريا بأبشع صورها، ويزداد معدلها يوماً بعد يوم، فيما تتسبب بقلق متزايد للكثير من السكان. 
يختلف مفهوم الجريمة في حقيقة الأمر، حسب المنظور المراد رؤيته منها، فهناك تعريف للجريمة من الناحية الاجتماعية والنفسية والقانونية، حيث تعد الأولى عبارة عن أفعال تتعارض مع القواعد والأعراف والعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع “كل مجتمع على حدة”، أما النفسية فهي أفعال تتنافى بشكل واضح مع الغرائز الإنسانية السوية من خلال محاولة إشباع الغرائز الشاذة، والتي قد تنتج لدى البعض، لتأتي في المرتبة الثالثة الجريمة من الناحية القانونية، والتي تعد عبارة عن الأفعال الخارجة عن القانون، والمتفق على حرمتها ويعاقب عليها.
جريمة القتل
وفي السياق التقت صحيفتنا “روناهي”، مستشار الأديان في إقليم شمال وشرق سوريا الشيخ “محمد عبيد الله القادري“، والذي قال بدايةً: “مع الأسف، فإن جرائم القتل البشعة، والتي تحدث لأتفه الأسباب، تتصدر مواضيع أخبارنا اليومية، وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الظاهرة الخبيثة “القتل”، بأنها جريمة محرّمة في الإسلام: “وقال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”. وأضاف القادري: “إن هذه الظاهرة الخطيرة، والتي باتت أكثر انتشاراً في بلاد العالم، وسوريا بشكل خاص، بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، التي يشهدها العالم، مع تضاؤل فرص العمل والغلاء الكبير”.
وأردف: “وفي الوقت نفسه تراجع اهتمام معظم الدول بمحاربة الانفلات الأمني في المجتمع، الناتج عن الجرائم المتعددة كالسرقة والاعتداء، بسبب التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة، والجماعات الإرهابية والمرتزقة، التي تحمل السلاح لمحاربة الدولة نفسها، ناهيك عن ترويع الآمنين”.
وزاد: “فقد ظهر العنف منذ وجود “آدم”، وابنيه قابيل وهابيل، على الأرض، حيث قتل قابيل أخاه هابيل حسدًاَ وظلمًا، قال سبحانه: “فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إلَّا كانَ علَى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِها؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ””.
عقوبة جريمة القتل 
وفيما يخص العقاب في الإسلام أوضح القادري، تعد جريمة القتل من أعظم الذنوب، لأن فيه اعتداء على حق الله، والقتيل وأهله، ومجتمعه، ويعدُّ قتلًا للناس جميعًا، ولذلك رتب الله عليه عقابًا دنيويًا وهو القصاص، أو الدية المغلظة، إضافة إلى الفضيحة، علاوة على انتقام الله، فيما رتب عقابًا آخروياً ويشمل “دخول جهنم، والخلود فيها، وغضب الله، والعذاب العظيم”، حيث قال تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ وقوله تعالى:”وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”، وقوله عليه السلام في التحذير من الاعتداء على أرواح الناس وأموالهم وممتلكاتهم: “لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا”.
أسباب جرائم القتل
لا يمكن تبرير الجريمة مهما كانت دوافعها، حتى وإن ارتكبت مقابل جريمة، أو نتيجة لحاجة، أو لأي سبب آخر، فالجرائم كارثة مجتمعية وقودها دوافع نفسية يعززها الفقر والبطالة والانحراف الخلقي وسوء التربية.
وحول ذلك بين القادري، أن من أهم أسباب انتشار الجرائم، ضعف الوازع الديني، فالدين هو الذي يهذب سلوك الفرد، ويبعده عن سلوك العنف والانحراف، كما أن لوسائل الإعلام والتواصل الافتراضي دوراً بارزاً في تنامي ظاهرة العنف لدى المراهقين، فالبرامج الإعلامية، وخصوصًا التلفازية، تقدم لهم عينة من التصرفات الخاطئة، كالعنف الذي يشاهده المراهق لمجرد التسلية والإثارة، والذي قد ينقلب في النهاية لواقع مؤلم بفعل التأثير السلبي القوي والفعال لوسائل الإعلام لتجسيد العنف بأنماطه السلوكية المختلفة.
نتائج وآثار الجريمة
وعن النتائج والآثار قال القادري: “مما لا شك فيه، إن انتشار الجريمة في أي مجتمع ينتج عنها الكثير من المفاسد الأخلاقية، وانتشار الخوف وعدم الأمان لدى الأفراد، وتراجع الاقتصاد والمشاريع وغيرها الكثير من المشاكل، وهذا كله يتنافى مع قواعد بناء أي مجتمع، ومع استمرار هذه الأوضاع سينهار المجتمع”.
طرق وقاية المجتمع من الجريمة
وهنالك طرق عدة لوقاية المجتمع من الجريمة، كوضع برامج متنوعة لعلاج المنحرفين، مثل تحويل الرغبات والميول الخطرة عند الإنسان وعلاجها، والعمل على الحد من حالات التعرض للإغراءات، ونشر الثقافة والوعي بين الناس والحد من استهلاك المشروبات الكحولية والمخدرات ومعالجة المدمنين، وحل المشاكل الاجتماعية بشكل جذري وبالذات في حالات الطلاق بين الأزواج، فبعض الجرائم تحدث نتيجة خلل اجتماعي، أو تفكك أسري أو بعض الأمراض النفسية، أو لأسباب اقتصادية نتيجة الفقر والتهميش الاجتماعي.
حيث قال الشيخ القادري: “إن الوقاية من انتشار جرائم القتل في المجتمع تتطلب التصدي للعوامل المؤدية إلى العنف ومعالجتها بصورة علمية، ويجب أن ترتكز الجهود الوقائية على مرحلتي الطفولة والمراهقة، فالسلوك طريق الإجرام، ويتكون غالبيته في مرحلة الطفولة المبكرة”.
واختتم مستشار الأديان في إقليم شمال وشرق سوريا الشيخ محمد عبيد الله القادري حديثه: “ينبغي اتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة إلى استئصال الشر من النفس البشرية، والتي تؤدي إلى إيقاظ الشعور الديني، والذي يعد الضابط الداخلي لكل فرد، لضبط سلوكه وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، ويمكننا أن نوجز وسائل الوقاية في “الخوف من الله والمحافظة على عبادة الله”.
يذكر، حسب قاعدة البيانات العالمية “نومبيو”، فإن سوريا تحل المركز الثاني بمعدل الجريمة في قارة آسيا بعد أفغانستان.