سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تولد المرأة أنثى ثم تصبح “حرمة”… ـ1ـ

حنان عثمان_

هذا ما قالته المفكرة الوجودية سيمون دو بوفوار في مقدمة كتابها الشهير “الجنس الآخر”، إذ طرحت من خلاله موضوع الجندر، أو ما يسمى بالنوع الاجتماعي أو الجنوسة.
كما استخدمت أستاذة علم الإنسان والاجتماع، البريطانية آن أوكلي، في ثمانينات القرن العشرين، مصطلح “الجندر” المعروف بـ”النوع الاجتماعي”، وقدمت له مضموناً مختلفاً في علم الاجتماع.
أما المفكر الأممي القائد عبد الله أوجلان، فقد تعمق في هذه الموضوع أكثر فأكثر حول المنزلة الجندرية للمرأة ضمن النوع البشري، إذ قال: “إن المنقطع أساساً عن الجذع هو الرجل، وليس المرأة، فعاطفة المرأة تنبع من عدم شذوذها المفرط عن جدلية التكوين الكوني، ونخص بالذكر تركها في المنزلة السفلى ضمن سياق المدنية”.
وفي هذه السياق يعرف المفكر المذكور آنفاً تاريخ المدنية على أنه في الوقت نفسه، “تاريخ خسران وضياع المرأة”. فهذا التاريخ بآلهته وعبّاده، بحكامه واتباعه، باقتصاده وعلمه وفنه، هو تاريخ رسوخ شخصية الرجل المسيطر، وبالتالي فخسران المرأة يعني التهاوي والضياع الكبير باسم المجتمع. فالمجتمع المتعصب جنسوياً هو ثمرة هذا السقوط والخسران، والرجل المتعصب جنسوياً يتميز بجشع كبير لدى بسطه نفوذه الاجتماعي على المرأة، لدرجة أنه يحول أي تماس معها إلى استعراض للسيطرة.
بمعنى آخر، فقد كانت المرأة “الإلهةَ الأنثى” و”الأم الإلهة” في فجر التاريخ، حيث شهدت البشرية حينها اكتشافات واختراعات محورية أصبحت ركيزة تطور الحياة وأنسنة الإنسان بكل معنى الكلمة، وما تزال البشرية تقتات على تلك الاكتشافات والإبداعات القائمة على يد المرأة، مع إضافة تعديلات وتطويرات تقنية عليها. لكن، وعندما بدأ الرجل باكتشاف دوره، لاسيما في موضوع إنجاب الأطفال، بدأ يفكر ببسط نفوذه على المرأة أولاً، من خلال محاربتها بشراسة لإسقاطها من عرش الألوهية، والتربع على هذا العرش بدلاً منها، في قناعةٍ منه بأنه الأجدر بهذا العرش، سيما وأنه يخاطر بحياته من أجل اصطياد الحيوانات وتأمين “لقمة العيش” اعتماداً على القنص والقتل.. فبدأ مع اكتشافه لدوره كأب بتطبيق تكتيكات القنص والقتل على المرأة أولاً، لتصييرها ملكية عائدة له، وليؤسس بذلك نواة الأسرة الأبوية، ولينشئ أيضاً بالتوازي ثالوث التراتبية الهرمية، التي أثمرت عن جهاز الدولة والسلطات رويداً رويداً، فكانت الركيزة للمدنية والتاريخ المكتوب على حساب “الإلهة الأنثى”.
بمعنى آخر، أنه من البديهي أن تولد المرأة أنثى والرجل ذكراً؛ إلا إن المجتمع الذكوري الأبوي بدأ بفرض قوالب وعادات وتقاليد على المرأة من طرف الرجل، وبذلك تشكلت نواة “التمييز القائم على النوع الاجتماعي” بالتزامن مع ظهور جهاز الدولة بكل مدنياته ومؤسساته شكلاً ومضموناً، ليتطور هذا الجهاز على حساب “الإلهة الأنثى” وليعزز ويشرعن وجود ومنظومة “الرجل الإله”.
وعليه، فإن المفكرة سيمون دو بوفوار طرحت فكرة جديدة نسبياً في عصرها، وهي أننا لا نولد بصفات جندرية، بل تفرض علينا عبر التربية والاجتماعية والتعليم والدين وكافة مؤسسات المجتمع. فأصبح لدينا تفرقة بين الجنس الذي نولد به وبين الجندر الذي نلعب دوره. وبالطبع، لا بد من التنويه إلى أنه مقصد المفكرة سيمون دو بوفوار من مفردة “المجتمع” هنا، هو المجتمع الأبوي القائم على المدنية الدولتية، وليس المجتمع الأمومي الطبيعي القائم على الحضارة المنبثقة من صميم المجتمع ومن قلب الطبيعة.
بصياغة أخرى وأبسط، فإن الجنس هو شيء محدد بيولوجياً، وهو الذي يدل على الاختلافات في الجهاز التناسلي وأعضائه التي تتسم بوظائف فسيولوجية محددة، وهذا الشيء غير قابل للتغير.
أما النوع الاجتماعي، فهو يدل على الأدوار والمسؤوليات والقيم التي يحددها المجتمع للرجال والنساء في مكان ما وسياق ما وثقافة ما. وطبعاً هذه الأدوار قابلة للتغير بشكل دائم، وفقاً للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والسياسية التي يتأثر بها الفرد. أي أن الاختلاف في الجنس أمر طبيعي وفيزيائي. بينما التمييز القائم على النوع الاجتماعي هو من صنع البشر، وبتعبير أدق، فهو من صنع العقلية الذكورية المهيمنة، التي بسطت نفوذها على المرأة كي تضمن بقاءها على العرش الإلهي…