تكسَب قُوْتَها من بيع مكانسِ القشّ 

روناهي/ دعاء يوسف ـ

تعمل بعض نساء مدينة قامشلو ببيع مكانس القش، التي تزرعها في الصيف؛ لتسترزق منها في فصل الشتاء، ومن بين تلك النساء امرأة تعطي الأرض حباً؛ لتأخذ منه رزقاً ميسوراً، تقضي به حاجات عائلتها. 

عمل المرأة يسهم في تقوية وصقل شخصيتها، ويصنع لها كياناً مستقلاً، وقوة وحضوراً في المجتمع، فعملت النساء في شتى مجالات الحياة، ومنهن من اتّخذن الزراعة مصدر رزقٍ لهن، فيزرعن في الصيف ما يسترزقن به في الشتاء، فالمرأة أبدعت في مجال العمل كلها، فعملت بالزراعة؛ لتصبح صديقةً للفجر، تستيقظ قبله، لتنطلق بروحها الجميلة، فتقف وملء يديها الحياة، تحنو على الأرض، لتحتضن الغراس الصغيرة بأناملها، ثمّ تحنو عليها ماءً لتنمو بحبٍّ وعطف، وبعد تلك الشهور من السقاية والرعاية، وذلك الحَبّ والحُبُّ، الذي تنثره في الحقل، ينمو هو والغراس معًا جنبًا إلى جنب، وبعض النساء تُزين أطراف الحقل، بأنواع مختلفة من البذور، كبذور دوار الشمس، أو الذرة، ومنهن من يزرعن بذور مكانس القش.

فتعد مكنسة القش من أدوات تنظيف المنازل التقليدية، التي كانت معظم البيوت بحاجة إليها، قبل وجود المكانس الكهربائية، لكنها مازالت ليومنا هذا تجد لها مكانًا في الأسواق.

24 عاماً من العمل

البعض يعدّها من التراث، لكن البعض الآخر، ما زال يعتمد عليها كمصدر لرزقه وقوت عياله.

وضحة العويد واحدة من تلك النساء، اللواتي اعتدن صنع هذه المكانس، فقد بدأت بذلك منذ أربعة وعشرين عاماً، لإعالة عائلتها، ومازالت حتى اليوم تعمل بإصرار وتصميم، ويساعدها في ذلك أن هناك بعضًا من الزبائن، الذين مازالوا يشترون هذه المكانس؛ لاستخدامها في أعمال التنظيف المنزلية.

فزينت، وضحة، أرضها بشجيرات مكانس القش، امرأة كرست حياتها في أرضها؛ لتحولها من أرض جرداء إلى جنة بين أناملها، فتخرج وضحة مع أولادها وزوجها، منذ بزوغ الشمس حتى مغيبها إلى أرضها في قرية الشماسة، حيث موردها الوحيد من تراب هذه الأرض، فتزرعها منذ بداية آذار بالقطن، وبعض الخضار، فتحوِّطها ببذور مكانس القش.

 وأكثر ما يسعد وضحة رؤية بذورها تشق الأرض، وتنمو، وقد أشارت إلى جمال هذه اللحظة في نفسها، قائلة: “تخيّل الجنين النائم في البذرة، مع بضع قطرة ماء، تتململُ فيه الحياة، ليبدأ مسيرته، ليشق الأرض، ويصبح شجرة، تعلو شامخة في الحقل”.

ولصناعة مكنسة القش، مرحلتان الأولى: جمع عيدان شجيرة المكنس، وشده بخيوط قطنية قوية، ومن ثمّ تفريده، لتربط كل مجموعة من العيدان على حدة، وتوضع بين خشبتين مضغوطتين، بواسطة الخيوط حتى تُسوَّى، ثم تُقصُّ لتصبح متساوية من حيث طول العيدان، وتكون بعد ذلك جاهزة للبيع والاستعمال، وهي بقياسات مختلفة، وهناك النوع الآخر منها، وهو ما تصنعه وضحة، والتي حدثتنا عن طريقة صنعه: “بعد قطف شجيرة المكنس نجفّفها، ثم نجمع عيدانها ونشدها بخيوط قوية، لتصبح جاهزة، ويكلفني صنعها ما يقارب الـ 15 يومًا، فهي تحتاج لعناية كثيرة”.

مصدر رزق الشتاء

تخرج وضحة مع عائلتها لأرضها كل يوم، تغرس بُذيراتها في التربة، وتعتني بها لشهور؛ حتى تنمو وتمتد جذورها في الأرض، ثم تقطفها، وبعد انتهاء الموسم تكون أشجار المكنس، قد كبرت، ونمت لتصنع منها المكانس، التي تبيعها فيما بعد، لتسترزق بها في فصل الشتاء.

وأطلعتنا وضحة على مكان بيعها للمكانس بقولها: “من يحتاج لمكانس القش، يأتي عادةً لشرائها من منزلي، وأيضاً أبيعها في الأسواق الشعبية، ولكن أسعارها تكون متدنية، لقاء ما تكلفني صناعتها من جهد وتعب كبيرين “.

وأشارت وضحة إلى أن سعر المكنسة الواحدة خمس مئة ليرة سورية فقط: “مبلغ صغير لعام كامل، ولكن لا بأس به، فأنا سعيدة عندما أرى الناس تشتري مني المكانس، وأنني قادرة على العمل”.

صعاب ومشاكل

ولا يوجد عملٌ سهل خالٍ من الصعاب، والزراعة من أصعب الأعمال التي يعمل بها الإنسان، حيث بيَّنت لنا وضحة ما تعانيه في عملها: “أخرج من الصباح الباكر للأرض، فأعود في فترة الظهيرة لأعدّ الغداء، وبعدها أعود للعمل حتى مغيب الشمس”.

وإضافة إلى أن نقص العناية بأرضها خلق لها بعض الصعوبات بقولها: “الأرض تحتاج لاهتمام، والمحصول بحاجة لرعاية حتى ينمو، ولكن غلاء المازوت والأسمدة يعيق نمو المحصول، وهذا أكثر ما يسبب الضيق في نفسي”.

ومع كل التعب، الذي تعانيه وضحة في عملها، لكنها أكدت على أنها لن تتخلى عن عملها في الأرض، وأنها تعشق أرضها، وتقدر كل حبة تراب منها، فهي معيلها الوحيد وسندها في مواجهة صعاب الحياة ونوّهت: “الزراعة هي المهنة الوحيدة التي تجعل للإنسان متجذّراً بأرضه”.