سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تسلّل الرأسمالية للشرق الأوسط وتحكّمها بالشعوب

أحمد شعبان_

إن شعوب الشرق الأوسط تحكمها عادات وتقاليد وأعراف كانت مُتحكمة فيهم لدرجة كبيرة وذلك لأن غالبية هذه الشعوب نبتت ونشأت بأجواء تكافلية كانت تمتاز بِحُسن الكرم والضيافة وايواء الدخيل وإغاثة الملهوف، وظلت تلك العادات مترابطة حتى زمن ليس ببعيد وكانت المدينة تمثّل نموذج الرأسمالية بل وترعرعت الرأسمالية ضمن المدن وبتعاملها وصعوبة العيش فيها والخليط السكاني المنوع لقاطني المدن، وأيضاً كان هناك تفرقة بين سكان المدينة نفسها حيث كان يعيش قسم منهم بالمدينة ولكن بأحياء شعبية تشبه إلى حدٍ ما حياة أهل الريف وعاداتهم، إلى أن جاء ما يسمى الربيع العربي لهذه الدول ومر بهم، والمفترض أن ينعكس الوضع للأفضل تبعاً للشعارات والضيقة التي كان يعيشها أهل هذه المناطق.
ولكن الذي حصل منذ عام ٢٠١١ ولازال يحصل حتى الآن هو تفوق الرأسمالية على كل شيء للأسف الشديد فالذي كان مرتبط وملتزم بعادات وتقاليد، وتحكمه شريعته التي يتبعها إلى حدٍ ما، أصبح يتخلص منها ويريد أن يعيش حياة “حديثة” متجاهلاً ماضيه وتراثه وعاداته.
مثال: كان من المُعيب أن يؤجر أهل الريف منزل أو أرض أو حتى محل، الآن أصبح العكس تماماً من المعيب أن لا تأخذ ثمن الإيجار أو من المعيب أن تأوي أحداً عندك دون أن تأخذ منه الإيجار.
أما عن رؤوس الأموال للأسف الشديد يقومون بجمع الأموال وإرسالها لبنوك الخارج أو تجميعها وتكديس رأس المال لديهم، دون أن يستثمرها لأي شيء يهدف لرفع المستوى المعيشي في بلدهم، أو أي مشروع لدعم التطور الاقتصادي والاجتماعي، والصناعي والتجاري لبلدهم، الذي يأويهم والذي يعيشون بكنفه.
كل سبيلهم وعملهم هو فقط جلب الأموال وتكديسها، ولا يريدون أن ينفقوا أي مبلغ حتى ولو كان صغير لزيادة ورفع سوية اقتصاد بلدهم وتطويره، أو حتى لدعم مشروع صغير لذوي الاحتياجات الخاصة أو المعاقين، أو الأيتام أو أصحاب العقول والمبتكرين والمخترعين، الذين إن قمت بدعمهم مادياً سيحققون أفضل الإنجازات.
لقد استشرت الرأسمالية بشكلٍ كبير وكثيف في حياتنا خلال السنوات الماضية في هذه المنطقة، وأصبحت اللغة الدارجة هي لغة العملة والنقود، لدرجة أن الشخص أصبح ينظر للأخر حسب ما يملكه من نقود، ولم تعد النظرة للأخلاق والقيم والإنسانية هي النظرة السامية.
لذلك نحن بحاجة ماسّة للتوعية وخاصةً أن الجيل القادم هو مسؤوليتنا ويقع على عاتقنا تنشئته وتعليمه بالطريقة الصحيحة، وأن الطريق الأمثل للعيش الأفضل هو العصرانية الديمقراطية، وأن نعود لأصالتنا وتراثنا وإنسانيتنا ونزداد لُحمة وأُلفة بين المكونات والشعوب، وأن نزداد ثقافة ودراية عن كل ما يحيط بنا، وعن مساوئ الرأسمالية وما جلبته وتجلبه للشعوب من ويلات وحروب ودمار.
وأن نسعى بكل جديّة للأفضل، لبلدنا وشعبنا والأجيال القادمة، لأن مرحلة التأسيس مهمة للغاية، وعندما تتقن الأساس ويكون ذو متانة، فمن المؤكد أن البناء عليه سيكون ثابت وقوي ومتين.